المطرُ خيرٌ، والشّتاءُ موسمُ الأمطارِ التي تطهّرُ الناسَ والأرضَ وتُعيدُ إليها ما اختلَسَهُ قيظُ الصّيفِ من ماءٍ ونُضرَةٍ، فتحيا بعدَ موتِها. لذلكَ غنّى أطفالُ فلسطينَ فرحاً بالمَطرِ ورقصوا تحتَ "المزاريبِ" غير عابئينَ بالبردِ والبلَلِ ولا بصرخاتِ الأمّهاتِ وهنَّ يطالبنَهُم بالتعقُّلِ ويتوعّدْنَهُم بالقصاصِ فتصمُّ زّخاتُ المطرِ آذانَهم وهم يغرقونَ في طقوسِ التطهّرِ بالماءِ المُنَزَّل من السّماءِ كأنَّهم جزءٌ من الأرضِ العطشى. هكذا نادى الأطفالُ الطبيعةَ وحثّوها على المزيدِ من العطاءِ وهم يردّدونَ بفرحةِ الواثقِ من حصانةِ بيتِهِ ضدَّ خطرِ الفيضاناتِ والمؤمنِ أنَّ الرّزْقَ القادمَ مع المطرِ هو تقديرٌ من ربِّ العالمين: إشتي وزيدي.. بيتنا حديدي.. عمنا عبد الله.. رزقنا ع الله.
ليس الشّتاءُ موسمَاً مقتصراً على تساقطِ الأمطارِ، لكنّهُ أيضاً موسمُ البردِ بكلِّ ما يتسبَّبُ بهِ من تعطيلٍ لقدرةِ الجسمِ على مقاومةِ الأمراضِ والأوبئةِ، إضافةً إلى الحدِّ من النشاطِ وتقليصِ القدرةِ على ممارسةِ العملِ اليوميِّ. ورغمَ ما أنجزتْهُ البشريّةُ من وسائلِ التغلّبِ على آفةِ البَردِ فإنَّ الفقْرَ ما زالَ الحليفَ الأوّلَ لهذهِ الآفةِ. نعلمُ أنَّ تدفئةَ البيوتِ تستهلكُ جزءاً مهمّاً من الدّخلِ والجُهدِ، وهذا بسببِ الكلفةِ العاليةِ لوسائلِ التدفئةِ الآمنةِ والفعّالةِ، وهذهِ ليست مشكلةً خاصّةً بفلسطينَ، لكنّها مشكلةٌ عامّةٌ حتّى في الدّولِ المتقدّمةِ، فسكّانُ الرّيفِ عموماً محرومونَ من ترفِ "التّدفئةِ المركزيةِ" التي ينعمُ بها اهلُ المدينةِ، وهذا ما يدفعُ الفقراءَ إلى المخاطرةِ باستخدامِ الوسائلِ التقليديّةِ أو التقنيّاتِ غير الآمنةِ التي لا تخضعُ للرّقابةِ والصيانةِ الدّورية.
منَ المفارقاتِ أنّ عددَ الحرائقِ في المنازلِ في فصلِ الشّتاءِ يفوقُ بأضعافٍ عددَها في فصلِ الصّيفِ، وهذا مرتبطٌ باستخدامِ وسائلِ التدفئةِ التي لا تتوفّرُ فيها أدنى شروطِ السّلامةِ. لكنَّ ما يجبُ الانتباهُ لهُ والحذرُ من مخاطِرِهِ هو المادّةُ المرافقةُ لعمليةِ الاحتراقِ بغضِّ النّظرِ عن مصدرِ تلكَ العمليّةِ، وهي المادّةُ المعروفةُ باسمِ "أوكسيد الكربون"، وهي مادّةٌ مختلفةٌ عن غاز "ثاني أوكسيد الكربون" الذي يشكّلُ مكوّناً طبيعيّاً من مكوّناتِ الهواء. غازُ "أوكسيدِ الكربونِ" هو غازٌ لا لونَ لهُ ولا طعمَ ولا رائحةَ، وهو أخفُّ قليلاً من الهواءِ ولذلكَ يرتفعُ عن سطحِ الأرضِ، وهذا هو سببُ حثِّ الناسِ على الاستلقاءِ والزّحفِ على بطونِهم وهم يبحثونَ عن مخرجٍ في حالةِ نشوبِ حريقِ. الخطرُ الأكبرُ المرافقُ لهذا الغازِ يكمنُ في قدرتِهِ على تخديرِ الجسمِ ببطءٍ دونَ أنْ يشعرَ أحدٌ بالقاتلِ الصّامتِ خصوصاً إذا كان ذلكَ خلال النومِ، وكثيرةٌ هي الحالاتُ التي تؤدي إلى موتِ عائلةٍ بأكملِها أثناءِ نومِها نتيجةً لاستخدامِ ما سبقَ ذكرُهُ من وسائلَ بدائيّةٍ للتدفئةِ. ولا يمكنُ تجنّبَ خطرِ التّسمُّمِ بغازِ "أوكسيدِ الكربون" سوى بمراعاةِ شروطِ السلامةِ وأوّلُها استخدامُ الوسائلِ الآمنةِ والمضمونةِ لتدفئةِ البيوتِ والمدارسِ وأماكن العملِ، وعدمُ النّومِ في نفسِ الغرفةِ التي نضعُ فيها آلةَ التدفئةِ، إضافةً إلى إبقاءِ نافذةٍ مفتوحةٍ بشكلٍ يضمنُ استمرارَ دخولِ الهواءِ النقيِّ وخروجِ الهواءِ الملوّثِ بمخلّفاتِ عمليّةِ الاحتراق. هذا بالإضافةِ إلى استخدامِ مجسّاتِ إنذارٍ قليلةِ التكلفةِ مخصّصةٍ لرصدِ تركيز غاز "أوكسيد الكربونِ" في الهواءِ وتنبيهِ المعرّضينَ للخطرِ عندَ ارتفاعِ منسوبهِ.
*يجبُ أن تكونَ جرائمُ الاحتلالِ وما يتسبّبُ بهِ من قتلٍ يوميٍّ يسلِبُ منّا أحبّتَنا عاملاً لزيادةِ الوعيِ بقواعدِ السّلامةِ العامّةِ بما يُجنّبُنا مزيداً من المصائبِ، خاصّةً إنْ كانَ بإمكانِنا وقايةُ أنفسِنا وأهلِنا منها. ولأنّنا مؤمنونَ باللّهِ وبقدَرهِ، فنحنُ "نعقِلُ ونتوكّلُ".
٢٤-١٢-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها