أكثرُ الأوصاف تعبيرًا عن طبيعةِ العمليّةِ الدّيمقراطية هو أنّها تعني معرفةَ مواعيدِ الانتخاباتِ دونَ أن نعرفَ مسبقًا مَن سيفوزُ فيها. فالانتخاباتُ استحقاقٌ دوريٌّ في فتراتٍ يحدّدُها القانون ولا يُسمَحُ بتجاوزِها إلّا لأسبابٍ وجيهةٍ. وفي الحالةِ الفلسطينيّةِ لا يمكنُ اعتبارُ انقلابِ "حماس" على الشرعيّةِ سببًا "وجيهًا" يعطّلُ حقَّ المواطنِ في انتخابِ ممثّليهِ بشكلٍ حرِّ وضمنَ منافسةٍ تكفلُ تساوي الفُرصِ بين القوى السياسيّةِ التي تطرحُ نفسَها من خلالِ برامجِها الهادفةِ إلى خدمةِ الشّعبِ والدّفاعِ عن مصالحِهِ وحقّهِ بتلقّي كلِّ ما يمكّنهُ من الصّمودِ في وطنِهِ والاستمرارِ في مقاومةِ المحتلّينَ والمستوطنين.
لا بدَّ بدايةً من التأكيدِ على أنَّ موضوعَ الانتخاباتِ ومادّتَها الرئيسةَ هو المجلسُ التشريعيُّ ذو الصلاحيّاتِ المحدّدةِ في إطارِ أراضي الدّولةِ الفلسطينيّةِ المحتلّةِ، وهذا يعني تلقائيًّا أنَّ مجالَ التنافسِ هو التمكّنُ من تشكيلِ حكومةٍ تحظى بثقةِ المجلسِ التشريعيِّ وتكونُ مسؤولةً أمامَه. هذا ببساطةٍ يعني أنَّ الانتخاباتِ ليست اقتراعًا على برامجِ الحركاتِ والفصائلِ والأحزابِ مهما كان حجمُها وتاريخُها، هذا لا يعني أنَّ النّاخبَ لن يأخذَ في اعتبارِهِ الأهدافَ الكبرى والتّاريخَ النضاليَّ للقوى التي تقفُ خلفَ قوائمَ انتخابيّةٍ محدّدةٍ، لكنّ المقصودَ هو التّمييزُ بين صلاحياتِ الحكومةِ الفلسطينيّةِ وبين المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيّ الذي تمثّلُ منظمةُ التحريرِ الفلسطينيّةُ إطارَهُ وعنوانَهُ، بينما يشكّلُ المجلسُ التشريعيُّ وما ينتجُ عنهُ من حكومةٍ جزءًا حيويًّا منه، لكنّهُ ليسَ بديلاً عنهُ أو موازيًا له.
نستطيعُ القولَ إذنْ أنَّ ما يحتاجهُ المواطنُ في حياتِهِ اليوميّةِ هو القائدُ المبادِرُ إلى خدمةِ الشّعبِ وتوفير احتياجاتِهِ، ولا يحتاجُ إلى محترفي صناعةِ الكلامِ والاتجارِ بالمقاومةِ الزّائفةِ أو التباهي بأمجادِ التّاريخِ. هذا لا يعني تجريدَ العملِ الوطنيِّ من بُعدِهِ السياسيِّ والنّضاليِّ، لكنّه يعني الفصلَ بينَهما بما يضمنُ التفرّغَ لمهامَّ محدّدةٍ لا يمكنُ إنجازُها عندما يختلطُ الحابلُ بالنّابلِ وتخضَعُ الخدماتُ اليوميّةُ التي يستحقُّها المواطنُ إلى شروطِ السياسةِ الكبرى والشّعاراتِ التي تُستخدَمُ كسُحبِ دخانٍ للتغطيةِ على العجزِ عن القيامِ بالواجبِ في الأمورِ البسيطةِ والهروبِ إلى القضايا التعجيزيةِ. هذا كلّهُ يستدعي تفرّغَ القيادةِ السياسيةِ والتنظيميّةِ للقيامِ بمهامّها الوطنيّةِ ضمنَ المشروعِ الوطنيِّ العامِّ وفرزَ قيادةٍ مختصّةٍ بالقيامِ بواجبِ خدمةِ المواطنِ وقادرةٍ على أداءِ مهمّتها بما يضمنُ إعطاءَ صورةٍ إيجابيّةٍ عن مرجعيّتها السياسيةِ، دونَ ربطِ الفشلِ في أداءِ هذهِ المهمّةِ بفشلِ البرامجِ السياسيةِ والوطنيّةِ لتلك المرجعية.
*علينا المبادرةُ إلى الفصلِ بين القيادةِ السياسيةِ والتنظيميّةِ وبين مرشّحينا في الانتخاباتِ التشريعيّةِ كي نضمنَ شرفَ الحصولِ على ثقةِ الشّعبِ، فقد آنَ الأوانُ لإطلاقِ يدِ الحكومةِ لتقومَ بواجبِها بمهنيّةٍ عاليةٍ، وهي مهمّةٌ حيويّةٌ في إطارِ المشروعِ الوطنيِّ العامِّ، أما القيادةُ السياسيّةُ فواجبُها هو الاستمرارُ في قيادةِ المشروعِ الوطنيِّ برمّتهِ.
٢٥-١١-٢٠١٩
*رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها