في الثّاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٦٧ أصدر مجلسُ الأمنِ الدّوليُّ قرارَهُ ٢٤٢ بعد ما يقاربُ الستةَ أشهِرٍ على العدوانِ الإسرائيليِّ في الخامس من حزيران/يونيو من نفس العام وما أدّى إليهِ من احتلالِ بقيّةِ فلسطينَ إضافةً إلى سيناءَ والجولان. وقد جاءَ القرارُ نتيجةً لمشاوراتٍ طويلةٍ بين الدّولِ الخمسِ الكبرى والدّولِ المعنيةِ مباشرةً في الصّراعِ العربي-الإسرائيليّ، لكنَّ من صاغَ النسخةَ النّهائيةَ للقرارِ هو الوفدُ البريطانيُّ الذي استخدمَ كلَّ ما في جعبةِ دولتِهِ من دهاءٍ ليضعَ اللبنةَ الأخيرةَ في بناءِ الدّولةِ الصهيونيّةِ التي لم يكنْ لها أنْ ترى النّورَ لولا التّواطؤِ والدّعمِ والخداعِ البريطانيِّ. وبالمناسبة: لم يكن هناكَ دولةٌ عربيةٌ واحدةٌ من بين الدّولِ ذاتِ العضويّةِ المؤقّتةِ في المجلس، وقامت الهندُ بدورِ المُدافعِ عن وجهةِ النظرِ العربيةِ، إلّا أنَّ الاتّجاهَ العامَّ في السياسةِ الدّوليّةِ قد استطاعَ تمريرَ القرارِ بصيغتِهِ المعروفةِ والتي تشكّلُ عمليًّا مكافأةً كبرى للعدوانِ الإسرائيليِّ.
لقد دخلت "ال" التعريفَ التّاريخَ بصفَتِها كلمةَ السرِّ التي تقوّضَ كلَّ فرصةٍ للتفسيرِ الإيجابيِّ للقرارِ العتيد. وهي مثالٌ للخداعِ البريطانيِّ الذي أظهرَ القرارَ في حينِهِ على أنّهُ قرارٌ "متوازنٌ" يطالبُ بانسحابِ الجيشِ الإسرائيليِّ من الأراضي التي احتلّها نتيجةً لعدوانِ حزيرانَ، ويمنحُ في المقابلِ اعترافًا بالدّولةِ الصهيونيّةِ ويجعلُ منها حقيقةً ثابتةً. يمكنُ القولُ أنَّ بريطانيا ومعها الدّولُ الغربيّةُ الدّاعمةُ لدولةِ الاحتلالِ كانوا يريدونَ لهذا القرارِ أن يشكّلَ الجزءَ الثاني من قرارِ التّقسيمِ، بل إنّهُ في بعضِ نصوصِهِ يتجاوزُ قرارَ التقسيمِ في مسألتينِ جوهريّتين:
المسألةُ الأولى هي تجاهلُهُ لما نصَّ عليهِ قرارُ التّقسيمِ من ضرورةِ قيامِ دولةٍ "عربيّةٍ" بجوارِ الدولةِ اليهوديةِ، فقرارُ ٢٤٢ يتحدّثُ عن حقِّ دولِ المنطقةِ بالعيشِ ضمن حدودٍ آمنةٍ ومعترَفٍ بها، دونَ الإشارةِ إلى حقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ، هو الآخرُ، بالعيشِ في دولتِهِ أسوةً بكل شعوبِ الأرض.
المسألةُ الثانيةُ هي تغييبُ الشّعبِ الفلسطينيِّ وحصرُِ المشكلةِ ضمنَ دائرةِ نزاعٍ على الحدودِ بينَ دولٍ متجاورةٍ، دونَ التعرّضِ إلى السببِ الجوهريِّ للصراعِ الدّائرِ في فلسطينَ وعليها، واكتفى القرارُ بإشارةٍ خجولةٍ إلى مشكلةِ "اللاجئين" وضرورةِ حلّها، لكنّهُ لم يجرؤ، أو لم يشأ أن يذكرَ اللاجئينَ الفلسطينيّينَ بالاسمِ، وهو تجاهلٌ ينسجمُ مع محتوى القرارِ وخطّهِ العامِّ الذي تجنّبَ الإشارةَ إلى فلسطينَ وشعبِها وكأنَّ هذا التجاهلَ سيغيّرُ الحقائقَ على الأرضِ أو يلغي وجودَ الشعبِ الفلسطينيِّ.
خاضت منظمةُ التحريرِ الفلسطينيّةُ صراعًا طويلاً ضدَّ محاولاتِ فرضِ القرارِ رقم ٢٤٢ كمرجعيّةٍ وحيدةٍ لأيِّ حلٍّ يمكِنُ التوصّلُ إليه بالتّفاوضِ، ورفضت لفترةٍ طويلةٍ التّعاملَ معَ هذا القرارِ وقاومت كلَّ الضغوطِ التي أرادت انتزاعَ الاعترافِ الفلسطينيِّ به. وبموازاةِ هذا الرّفضِ استمرت المنظّمةُ في مسيرتِها الكفاحيّةِ بشقّيها المسّلحِ والدبلوماسيِّ حتى كرّست الشخصيةَ الوطنيةَ الفلسطينيّةَ وفرضت قضيّةَ فلسطينَ على المجتمعِ الدّولي ممثّلاً بهيئةِ الأممِ المتّحدةِ كقضيّةِ شعبٍ يناضلُ من أجلِ حقوقهِ غيرِ القابلةِ للتصرّفِ، وانتزعت سلسلةً من القراراتِ الأمميّةِ التي تعترفُ بشرعيّةِ المطالبِ الفلسطينيّةِ بإنجازِ حقِّ العودةِ وتقريرِ المصيرِ وإقامةِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ المستقلّة. لقد ركّزت فلسطينُ نضالَها في السّاحةِ الدّوليةِ ورسّختْ حضورَها السّياسيَّ وأكملتْ عمليةَ تحصينِ الحقِّ الفلسطينيِّ ليصبحَ جزءًا أصيلاً من الشرعيةِ الدوليّةِ، وعندما أنجزت هذهِ المهمّةَ كان باستطاعتِها أن تعترفَ بالقرارِ ٢٤٢، فكلُّ ما فيهِ من ثغراتٍ وألغامٍ تمَّ تجاوزُهُ وأصبحَ من الماضي. وهنا لا بدَّ من الإشارةِ إلى أنّ منظمةَ التحريرِ الفلسطينيّةَ لم تعترفْ بالقرارِ بشكلٍ واضحٍ إلّا بعدَ إصدارِ وثيقةِ الاستقلالِ عام ١٩٨٨، وهي بذلكَ تجعلُ من هذا الاعترافِ مسألةً مرتبطةً بإنجازِ حقِّ شعبِنا بالاستقلالِ الوطنيِّ.
*من يبحثُ عن "أل" التعريف لن يجدَها في قرارِ مجلسِ الأمنِ رقم ٢٤٢، لكنَّ شعبَنا وعبرَ مَسيرةِ كفاحهِ الطّويلةِ قد جعلَها متلازمةً مع كلماتٍ ترمزُ إلى فلسطينَ بمجردِ وضعِ "أل" التعريفِ في مقدّمتِها: العودةُ والنّكبةُ والانتفاضةُ... كلماتٌ فلسطينيّةٌ معرّفةٌ بتضحياتِ شعبٍ لا ينحني إلّا للّه.
٢٢-١١-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها