تقرير: عماد فريج
لا تكتفي قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءاتها وجرائمها المنظمة تجاه أبناء شعبنا، من قتل واعتقال وتنكيل وهدم للبيوت وتشريد للآمنين، بل تطلق العنان لإرهاب عصابات مستوطنيها في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، لارتكاب أفظع الجرائم، ولتنفذ عمليات أقل ما توصف بـ"الإرهابية"، بغطاء وحماية من السلطتين التنفيذية والقضائية في إسرائيل.
عصابات المستوطنين من ما تسمى "تدفيع الثمن" و"شبيبة التلال" وغيرها، ارتكبت في الأعوام الأخيرة سلسلة من الجرائم الإرهابية التي دفع ثمنها فلسطينيون أبرياء، من ضمنها خطف وتعذيب وإحراق الطفل المقدسي محمد أبو خضير عام 2014، وإحراق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما في العام 2015، والذي أدى إلى استشهاد رب العائلة سعد وزوجته رهام، وطفلهما علي، وإصابة طفلهما الآخر أحمد بجروح خطيرة، واستشهاد المواطنة عائشة الرابي إثر اعتداء قطعان المستوطنين على المركبة التي كان يقودها زوجها عام 2018، وغيرها من الجرائم التي تطال البشر والشجر والحجر، من اعتداءات على المزارعين وقطع وإحراق الأشجار، وخط الشعارات العنصرية المعادية للعرب، وتدنيس وإحراق المساجد والكنائس، والاعتداءات على ممتلكات المواطنين الفلسطينيين.
وفي سياق جريمة إحراق عائلة دوابشة، أدانت محكمة إسرائيلية في اللد، اليوم الخميس، أحد الذين شاركوا في الجريمة، والذي كان قاصرا حينها، بالعضوية في "تنظيم إرهابي يهودي"، والتآمر على تنفيذ الجريمة مع المتهم المركزي، الإرهابي عميرام بن أوليئيل، حيث ادعت لائحة الاتهام أن القاصر لم يتواجد في دوما في الليلة التي قرر فيها مع بن أوليئيل ارتكاب جريمة القتل. وبعد مرور أربع سنوات على الجريمة الإرهابية، لا تزال محاكمة "بن أوليئيل" جارية!
وفي إطار احتضان إسرائيل للإرهابيين الذين يقتلون ويحرقون الفلسطينيين العزّل بدم بارد، كشفت مصادر عبرية مؤخراً أن الإرهابي القاصر يتواجد حالياً في مؤسسة عسكرية إسرائيلية تمهيداً لتجنيده في جيش الاحتلال.
وعلى الرغم من اعتراف المحكمة الإسرائيلية بوجود "تنظيم إرهابي يهودي" يضم في عضويته المئات من المستوطنين المتطرفين، إلا أن اعتداءات وجرائم هذا التنظيم تجري من دون أي عوائق منذ نحو عقد، ارتكبت هذه العصابات، على مداره، مئات الاعتداءات وأعمال التنكيل ضد الفلسطينيين، سواء من سكان الضفة الغربية أو من أراضي الـ 48، بحسب الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت.
وتأتي هذه الجرائم امتداداً للمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية: البالماخ، والإرغون، والهاغاناه، وشتيرن وغيرها، بحق أبناء شعبنا، لتعكس الفكر الإرهابي المتأصل في عقول هؤلاء المستوطنين.
وأشار الباحث شلحت في مقال له بعنوان: شارون و"تدفيع الثمن" إلى أن بحث إسرائيلي جديد صدر مؤخراً كشف أن أرئيل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق)، أحد أسباب نشوء ظاهرة "تدفيع الثمن" الإرهابية، كان ضالعاً بنسخة سابقة منها في خمسينيات القرن العشرين، وقتما طارد الإرهابي الصهيوني، مئير هار- تسيون، بدواً أردنيين في منطقة البتراء، وقتلهم "تدفيع ثمن" لمصرع شقيقته.
وأوضح شلحت أن "عشرات الأعوام من الإرهاب المعادي للفلسطينيين سبقت اعتداءات "تدفيع الثمن" التي وصف الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز مرتكبيها بأنهم نازيون جدد يهود".
وذكر أنه من أشهر الجرائم التي نفذتها "الوحدة 101" برئاسة شارون تحت مسمى "عمليات الانتقام"، مجزرة قبية في تشرين أول 1953، والتي راح ضحيتها 60 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال. وبعد تلك المجزرة بأربعة أيام، وجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينها، ديفيد بن غوريون، عبر الإذاعة الرسمية، خطاباً باسم الحكومة، زعم فيه أن مجزرة قبية ارتكبها سكان يهود غاضبون من المستوطنات الحدودية، بعضهم سبق أن نجا من الهولوكوست، وبعضهم الآخر هاجر إلى دولة الاحتلال من "أقطار إسلامية تتحكّم فيها بقوة عادات الأخذ بالثأر".
وفي سياق متصل، أظهرت معطيات إسرائيلية ارتفاعاً حاداً في ما وصفته بـ"جرائم الكراهية التي ترتكبها العصابات الإرهابية اليهودية في الضفة الغربية خلال عام 2018 الماضي".
وتقدّر ما تسمى بـ"الأوساط الأمنية الإسرائيلية" أن تترجم هذه الاعتداءات إلى جرائم مثيلة بـ"محرقة دوما" التي راحت ضحيتها عائلة دوابشة، في ظل انخفاض مستوى الردع لعصابات "تدفيع الثمن" التي باتت تجرؤ على ممارسة نشاطاتها العدائية على مشارف القرى والمدن الفلسطينية المحيطة.
ويبرز القضاء الإسرائيلي كمتهم أول في تحفيز هذه العصابات على مواصلة جرائمها، في ظل تغاضيه عن إصدار أية أحكام رادعة بحق أعضائها من المستوطنين الإرهابيين.
وأوضح مدير مركز مساواة جعفر فرح، أن القضاء الإسرائيلي يتعامل بازدواجية، حيث يقبل لوائح الاتهام المقدمة ضد العرب بدعوى "العنصرية والتحريض"، فيما يغض الطرف عن لوائح الاتهام التي تقدم بحق العصابات والمتطرفين اليهود، الذين يحرّضون ضد العرب، بذريعة أن ذلك "حرية تعبير".
وأشار فرح إلى أن عصابات "تدفيع الثمن" تفلت من العقاب على الجرائم والاعتداءات التي ترتكبها بحق العرب وأماكن العبادة وغيرها.
وقال فرح: "القضاء الإسرائيلي لا يدين عصابات تدفيع الثمن، وبالعادة يتم إغلاق الملف".
وبحسب مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق، التابع لمنظمة التحرير، يبلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية والقدس نحو (198) مستوطنة، يقطنها نحو (675) ألف مستوطن، تخطط دولة الاحتلال لزيادة عددهم خلال الأعوام المقبلة ليصل إلى مليون مستوطن.
ويشير المركز في ورقة حقائق صادرة عنه، إلى أن تنظيم "عصابات تدفيع الثمن" الارهابي يتزعم الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وقد تأسس هذا التنظيم عام 2008 داخل أروقة المعاهد التلمودية في مستوطنة "يتسهار" جنوبي نابلس.
وفي عام 2018 أقر "الكنيست" الإسرائيلي قانونا يسمح بموجبه لكل مستوطن تلقى تدريبا عسكريا على مستوى جندي مشاة بحمل السلاح، حيث سيؤدي هذا القرار لزيادة عدد رخص حمل السلاح للمستوطنين لنحو ربع مليون مستوطن.
وسجل أول اعتداء من قبل المستوطنين عندما احتل المستوطنون بقيادة الحاخام "موشيه ليفنغر"، فندق النهر الخالد وسط مدينة الخليل بتاريخ 12/4/1968.
وبحسب إحصائيات المركز، أسفرت اعتداءات المستوطنين عام 2018 المنصرم، عن استشهاد 8 مواطنين بينهم طفلان، أربعة من الشهداء نتيجة عمليات دهس، وثلاثة نتيجة إطلاق النار المباشر عليهم، فيما استشهدت المواطنة عائشة الرابي من بلدة بديا بمحافظة سلفيت، نتيجة إصابتها بحجر كبير في رأسها بعدما رشقت مجموعة من المستوطنين سيارة زوجها بالحجارة، ما يؤشر لتصاعد الاعتداءات بنسبة 75%، حيث استشهد مواطنان نتيجة اعتداءات المستوطنين في العام 2017.
كما نتج عن اعتداءات المستوطنين خلال العام 2018، في الضفة الغربية بما فيها القدس، نحو 233 مصابا ومصابة، بينهم 28 طفلا، و6 سيدات، مقابل إصابة 96 مواطنا في العام 2017، ما يشكل ارتفاعا بنسبة 41%. وقامت عصابات المستوطنين في العام 2018 باقتلاع وحرق وقطع نحو 6350 شجرة مثمرة ما بين أشجار الزيتون واللوزيات والعنب، وتركزت عمليات الاقتلاع في محافظات الخليل وبيت لحم ورام الله ونابلس، بزيادة نسبتها 50% عن العام 2017.
وأوصى المركز بضرورة دعم صمود المواطنين بإنشاء صندوق خاص لتعويض المتضررين عن الأضرار التي تسببها اعتداءات المستوطنين، وتشكيل لجان حراسة، ودعم اللجان الشعبية في القرى والبلدات الأكثر تعرضاً لهجمات المستوطنين، والعمل على توثيق جرائمهم وفضحهم أمام العالم كونها تشكل جرائم حرب، ومخالَفة لقواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية "جنيف" الرابعة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها