مَن يتابِع وسائلَ "التواصلِ الاجتماعي" يخرج بانطباعٍ واحد: كلُّ ما حولَنا يقودُنا حتمًا إلى الهاويةِ، ولا أملَ في التغلّبِ على "المؤامرة" التي ستأكُلُنا والتي يشاركُ فيها العالَمُ كلّهُ.
لمْ يعُدْ مُمكنًا التدقيقُ في مصدرِ الخبَرِ أو حقيقةِ مَن يقفُ وراءَ اختلاقهِ ونشرهِ وتعميمهِ، فهناكَ جيوشٌ من المتطوعينَ للقيامِ بمهمّةِ الناقلِ حتى دونَ أن يكلّفوا أنفسَهم عناءَ القراءةِ السطحيةِ لما يتبرعونَ بتعميمِهِ، وهذا يعطي مساحةً واسعةً لكلِّ من يرغبُ في تضليلِ الرأيِ العام أو اختلاقِ قضيةٍ أو تضخيمِ أخرى لتصبحَ شُغلَ الناسِ الشاغلَ، بعيدًا عن القضايا التي يجبُ فعلاً وضعُها في مركزِ الاهتمامِ لما لها من تأثيرٍ على حياةِ الأفرادِ والمجتمعاتِ والشعوب.
لا توجدُ قضيّةٌ تخضعُ للتضليلِ وبثِّ اليأسِ والإحباطِ كالقضيّةِ الفلسطينية. وإذا كانَ من الطبيعيِّ أنْ يشعرَ الإنسانُ بحَجمِ ما تتعرّضُ لهُ فلسطينُ من أخطارٍ، فإنَّ منَ الطبيعيّ أيضًا أنْ يسألَ أصحابُ ديانةِ اليأسِ أنفسَهم: كيفَ استطاعَ الشعبُ الفلسطينيُّ تجاوزَ كارثةِ النكبةِ واللجوءِ وتحويلَ مجرى التاريخِ من مسارٍ يقودُ إلى تلاشي قضيةِ فلسطينَ والتخلّصِ منها نهائيًّا، وأنْ يبادِرَ إلى السباحةِ ضدّ تيّارِ الهزيمةِ المتذرّعِ بموازينِ القوى و"منطقِ العقلاء" والانتقالِ إلى مرحلةِ تثبيتِ الحقِّ الفلسطينيّ كنقيضٍ للمشروعِ الصهيونيّ؟
نستطيعُ الجزْمَ أنّ الشعبَ الفلسطينيَّ يواجهُ منذُ ما يزيدُ على مئةِ عامٍ أكبرَ القوى وأكثرَها عدوانيةً وممارسةً للإرهابِ وشَغفًا بالقتل. لقد كانت كلُّ الحملاتِ الغربيةِ التي أخذتْ طابعَ الاستعمارِ الاستيطانيّ تهدفُ إلى إلغاءِ وجودِ الشعوبِ الأصليةِ ودفنِ حضارَتِها وثقافةِ شعوبِها وبناءِ مجتمعاتٍ دخيلةٍ على أنقاضها، ولمُ يكُن المشروعُ الصهيونيُّ في فلسطينَ سوى واحدةٍ من تلكَ الحملات. وعلى الرغمِ ممّا حقّقهُ الاستعمارُ الغربيُّ في أماكنَ أخرى فإنَّ شعبَنا لم يتحوّلْ إلى مجموعةٍ من الهنودِ الحُمرِ أو سكانِ أستراليا الأصليينَ، لكنّهُ ما زالَ يشكلُّ نقيضَ المشروعِ الاستعماريّ الغربيّ في المنطقةِ، الذي تمثّلُ إسرائيلُ الصهيونيةُ مجرّدَ أداتِهِ الطيّعةِ ولا شيء أكثرَ منْ ذلك.
قد تبدو الفترةُ التي نعيشُها أشدَّ قتامةً من سابقاتِها، لكنّ الواجبَ يستدعي أن ننظُرَ إليها في سياقِ نضالنِا المستمرِّ منذ قرنٍ من الزمن، وليس كلحظةٍ ستدومُ إلى الأبد.
*التفاؤلُ بالمستقبلِ لهُ في مسيرَتِنا الطويلةِ ما يجعلُهُ خيارَنا الأوحدَ، وكلُّ البدائلِ الأخرى لا تصْمدُ ولو للحظةٍ أمامَ ما تبشِّرُ بهِ هذهِ الحشودُ التي أدّتْ صلاةَ العيدِ في باحاتِ المسجدِ الأقصى لتقولَ: هُنا باقون
١٣-٨-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها