لا يؤمنُ الفتحويّونَ بمَقولةِ "وراءَ كلً رَجلٍ عظيمٍ امرأةٌ"، فقد انتزَعت المرأةُ الفتحويّةُ مكانةً خاصّةً بها جَعلَتْها قائدةً لا تقفُ وراءَ الرّجُلِ وإنّما تسيرُ معهُ جبناً إلى جنبٍ وتَسبقُهُ أو تقودُهُ كلّما ناداها الواجبُ كيْ تكونَ الأُولى في قائمةِ المستعدّينَ للتّضحيةِ والأَوْلى بشَرفِ شقِّ الطريقِ نحوَ الوطن.
كانت المرأةُ في الطليعةِ منذُ البدايات، ولم تكُنْ هناكَ لأنّ الصُّدفةَ شاءتْ أن يكونَ زوجُها في الخليةِ الأُولى أو الدّوريةِ الثانيةِ، بلْ إن الكثيراتِ منَ الفتحويّاتِ قد تعرّفنَ على أزواجهنَّ في ساحاتِ النضالِ وفي خلايا العَملِ السِرّيّ.

المرأةُ في "فتح" هي الأسيرةُ الأولى فاطمة برناوي وقائدةُ الفدائيينَ الأولى دلالُ المغربي وخاطفةُ الطائرة الأولى ريما طنّوس، وهي الواقفةُ كشَجرةِ زيتونٍ لا تنحني عندما يَغتالُ الموسادُ زوجَها أمامَ عيْنَيْها، وإنْ بَكتْهُ فلإنّها تعرفُ أنَ فلسطينَ حزينةٌ لفُقدانِهِ مثلَما هي حزينةٌ على رحيلهِ كرفيقِ دربٍ وزوجٍ، بكَتْهُ ثمَّ نهضَتْ لتُكمِلَ الطريق.
المرأةُ في "فتح" هي الأمُّ الفلسطينيّةُ التي تَحمي أطفالَها بسياجٍِ تصنُعُهُ من دعاءِ الروحِ، لكنّها تخشى إذا استُشهِدَ أحدُهُم أن يَطْربَ القاتلُ على صَوتِ نَحيبِها، فترفعُ هامَتها وتعلِنُ أنّ يومَ استشهادِهِ هو يومُ زفافِه، وتسلبُ القنّاصَ بزغاريدِها سبَباً آخرَ للبقاءِ في فلسطينَ.

عندَما تُصرُّ "فتح" على تكليفِِ الأخواتِ بمهامَّ قياديةٍ فذلكَ لأنّها تعرفُ بحُكمِ التجربةِ أنّها تَضعُ الأمانةَ في الأيادي التي تستحقُّها وتتقِنُ صيانَتَها بدقّةٍ متناهيةٍ توازي الدِقّةَ التي تنسجُ بها ثوباً فلسطينيّاً وتطرّزُهُ بأزهارِ بلادنا وحَنُّونِها وبألوانِ العلَمِ الفلسطينيّ.

المرأةُ في "فتح" هي جَفْرا الفلسطينيةُ التي تحرسُ الحُلمَ وتحكي في بَرْدِ الشتّاءِ لأطفالِها حكايةَ أبيهم الذي اتّخذَّ من ترابِ الوطنِ وسادةً وضعَ رأسَهُ فوقَها، ثمّ هَمسَ مُخاطباً أطفالَهُ قبلَ أنْ يُغمِضَ عَينَيْه:
*أوصيكُمْ بأمِّكُمْ وبفلسطينَ خَيراً.