في زمنٍ تتلاشى فيهِ معالِمُ الحقيقةِ وتخذِلنُا القدرةُ على التمييزِ بينَ الكذبةِ والإشاعةِ، وفي عصرِ تلاشي الحدِّ الفاصلِ بينَ الجاهلِ الذي يُظنُّ أنّهُ يُحيطُ بكلّ شيء علمًا والمتأنّي في إبداءِ الرأيِ خشيةَ أنْ يَظلمَ نفسَهُ بالحُكْمِ المتسرّعِ، في أوقاتٍ كهذهِ يُصبِحُ التّمسّكُ بآدابِ الاختلافِ ضرورةً مُلحّةً للحفاظِ على الروابطِ التي تضمنُ الحفاظَ على تناغمِ العلاقاتِ بينَ المختَلِفينَ وتحفظُ وحدةَ الشعبِ والوطن.
أولى آدابِ الاختلافِ أنْ نَنقُدَ الرأيَ ونحافظَ في نفس الوقتِ على وُدِّ صاحبِهِ، إذْ أنّ الهدفَ النهائيّ هو تصويبُ الرأيِ الذي نظنّهُ خاطئاً وليسَ إلحاقُ الهزيمةِ والأذى بصاحبِهِ. مِنْ هنا تبرزُ أهميّةُ رَفضِ انتقادِ الإنسانِ بسببِ شكلِهِ أو اسمِ عائلتهِ أو مَظهرِهِ، ليسَ فقط لأنّ أخلاقَنَا تُلزِمُنا بذلكَ، ولكنْ أيضاً لمعرفتِنا بحُكْمِ التجربةِ أنّ الاسمَ أو الشكلَ أو النَّسَبَ لا تُحصّنُ أحداً ضدَّ الخطأ والخطيئةِ، ولو كانَ الأمرُ غيرَ ذلكَ لما ضَلّ أبو جهلٍ وأبو لهبٍ رغمَ ما حملاهُ في عروقهما من إرثِ قريش.
اللغةُ هي أداةُ التفكيرِ وحاضنةُ الفكرِ وحارسةُ الفكرةِ، وهي وسيلةُ إطلاقِ العنانِ للحُلمِ والأمَلِ، مثلَما هي بوصلةُ الحوارِ وإطارُهُ وحدودُهُ اللامتناهيةُ، ولأنّها كلُّ ذلكَ يجبُ استخدامُها كرافعةٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ ووطنيةٍ، وإلّا فإنّها ستتحوّلُ إلى مِعْوَلِ هَدْمٍ ينطبقُ عليهِ قولُ شاعرٍ أستَسْمِحُهُ لأنّني لا أتذكّرُ اسمَه: أنا المَلُومُ أنا الجٰاني علىٰ وَطَني... شَنَقتُهُ بِحِبالٍ مِنْ نَسيجِ فَمي.
ثَقافةُ الاختلافِ واحترامُ اللغة
19-07-2019
مشاهدة: 297
د.خليل نزّال
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها