مقالة د. موسى أبو مرزوق، المنشورة أمس الأول في صحيفة "القدس العربي"؛ مخيّبة لأمل كل من يتوقع أن يسمع في أي يوم، صوتاً حمساوياً في موقع المسؤولية، يحرص على التمتع بالصدق مع النفس ومع الآخرين. ما أثار حفيظتي في مقالة القيادي الحمساوي، ليس ما يتعلق بالسياسة، وانما هو الذي يتعلق بالماضي القريب. ففي السياسة، يتراشق المختلفون بتقولات عن مواقف بعضهم البعض، ثم يتعين على من يرى أن الطرف الآخر يكذب؛ أن يرد وأن يوضح. فـ "أبو مرزوق" يجزم أن كيري وزير الخارجية الأميركي سأل الرئيس محمود عباس عن اعتراضات "حماس" على خطته؛ فطمأنه "أبو مازن" بأنه "سيأتيها ما يُشغلها". الآن، ليس الهدف من هذه السطور، أن نسأل صاحب المقالة:"كيف عرفت؟" وإن كان لديك الجواب المقنع، فـ "لماذا لم تطرحه، علماً بأن إيضاحه أهم من كل موضوع مقالك" بخاصة وأنه يأتينا بنبأين كبيرين، الأول أن هناك خطة متكاملة طرحها كيري، وباتت في طور التنفيذ، والثاني أن محمود عباس قبل هذه الخطة، بل إنه تجاوز نقطة القبول الى ما بعدها، لكي يتفكر في تقدير ردود الأفعال والاعتراضات!

* * *

ما أثار حفيظتي هو الطريقة التي استعرض بها "أبو مرزوق"، الأحداث التي أدت الى الخصومة. فـ "حماس" في سطوره، انخرطت في العملية السياسية بمحددات "أوسلو" رغم اعتراضاتها عليها، لا "لشهوة السياسة" وإنما بدافع الإحساس بواجب إنقاذ الشعب الفلسطيني من سلطة فاسدة بلغ تآمرها على المقاومة "مبلغاً لا يمكن السكوت عليه". إن هذا الكلام العجيب، معناه أن ثمة تدخلاً لمتوضئين أطهار، لم يرضوا بأقل من صيغة الجمهورية الفاضلة. وهذا منطق يدحض جزمنا أن ما تراكم من فساد في ثلاثين سنة؛ قد فعله الحمساويون في عام واحد بينما كانت السلطة تتطور في الإدارة وتأخذ بالمقتضيات الدستورية والقانونية، وقد عطل الانقلاب سياقها هذا!

السلطة لم تطلق النار على أية مقاومة، وإنما كان منتسبوها يشاركون إن لم يكونوا هم المبادرون بسبب جرائم الاحتلال. ومقرات السلطة دمرت أو تعرضت للاجتياح الصهيوني، وكوكبة من أنبل وأعز ضباطنا الوطنيين وجنودنا، استهدفوا واستشهدوا. أما الحوادث المروعة التي شهدت تصفية مقاومين أو متمسكين بالمقاومة؛ فهي تلك التي اقترفها الحمساويون. ولو سلمنا جدلاً أن الإصرار على المقاومة يمكن أن يكون سبباً؛ فمن حق الذين يصرون الآن على المقاومة، إنقاذها من حمساويين يمنعونها تحت طائلة الرمي بالرصاص!

في مقالته، يسمي القيادي الحمساوي الانقلاب الدامي بأنه "أزمة". والإشارة الى "الأزمة" جاءت موصولة بالإشارة الى "الخطر على المقاومة" ثم حصار "حماس". وهذا يدحض ما جزمنا به، وهو أن الحصار كان حصاراً على مكونات السلطة وليس حصاراً على "حماس" لأن الجندي الحمساوي الذي هجم بالنيران على مقرات السلطة، دون أن يتهدده شيء من البر والبحر والجو؛ كان قد وفر احتياجات أسرته وتناول طعامه ودججه "الإخوان" بالسلاح والذخائر. أما الجندي الذي هوجم في المقر، فقد كان محروما من راتبه منذ ثمانية أشهر ويواجه شظف العيش في بيته وفي موقعه، لأن السلطة احترمت العملية الديمقراطية وأعطت الحكم لـ "حماس". لكن هذه الأخيرة، لم تلعب في السياسة، على النحو الذي يشير اليه "أبو مرزوق" بل صارت تتحدث عن زلازل أكبر بكثير من قدرة الدول القوية على إحداثها. وكانت فيما تفعله، لا تحسب الحسبة الفلسطينية، وإنما تراهن على حسبة التأسيس لجغرافيا سياسية لجماعة "الإخوان"!

كأن في "الأزمة" التي حدثت، لم يهجم الحمساويون على أبناء جلدتهم وأبناء شعبهم من المناضلين ومن منتسبي الأجهزة الأمنية من الفتية الصغار. لم يقصفوا معسكرات تدريب بقنابل فتاكة، ولم "يفتحوا" بيوتاً بمضادات الدروع، ولم يمثلوا بالجثث، ولم ينكثوا بعهود الأمان لمحاصرين، ولم يستخدموا مع الناس الإساليب الإسرائيلية نفسها وزادوا عليها قلة الأدب في الملفظ عند اجتياح المنازل، ولم يصادروا اقتصاد المجتمع ولم يقتطعوا الأراضي لأنفسهم، ولم يستحوذوا على المساعدات المرسلة الى الشعب، ولم يعذبوا الناس في السجون ولم يقتلوا مخالفين أو غير مخالفين بطرق وحشية (وآخرهم إياد المدهون).

شيء يغم القلب ولا نرغب زيادة في تعداد الآثام. كنت أتوخى من "أبي مرزوق" وهو الذي لم تتلوث يداه بدم الناس ولا في سفالة الحكم؛ أن يكون صادقاً مع الآخرين، لا أن يحابي المتورطين مع الإثم، وبعضهم ستنكشف خلفياته على نحو صادم، لأن الجاسوس المؤجل انكشافه، هو الذي يدبر عملية انتزاع مواطن فلسطيني من بين أسرته، ويأمر بتعذيبه، ثم برميه جثة هامدة على قارعة الطريق، ثم حبس من قام بتصوير الجثة. إن احترام "أبو مرزوق" لنفسه واحترام الآخرين له، لن يأتي من خلال هكذا مرافعات تكذبها الوقائع!