إلى روح الشهيد ياسرعرفات

في كروم الغبار، كانت الخيلُ تملأ بالأسفار سلالَ الخطى

والليل... يداوي بالصمتِ جراحَ الحنين

والنُجيماتُ الخائفات، وراء الغيمة النبيلة... تختلسُ الصِّبا ... وتومىءُ لطائر القطا عن جدار يفترسُ مرايا الحالمين.

وصغارُ القناديل، يكتبونَ في الليالي الطويلة وصايا المغتربين من بلادهم... وفي بلادهم... يحكون ارتياب ظلالهم في الحاراتِ القلقة... يسألون النخيل عن جدول تاهَ في الضجيج، عن حداءِ أمهاتٍ يتناوين هزَّ أسرَّة الأيتام في بوادي الغياب...

وحوريَّة في مهجع الآلام تسأل الأزقة الخاوية عن حارس النذر، الذي روحه شظايا ابتساماتِ أطفال ينامون وعيونهم مفتوحة... كأعين الغزلان في براري الجليل... جفونهم تكحَّلتْ بالعرَق الناريِّ... بالمواويل وطيوفِ الأعنَّة الراكضةِ صوب النار كالفراشات العاشقة.

الحوريَّة تسألُ عن حارس النذر الذي روحه على شفرة سمَّمها قتلة الأحلام في طرابين الدوالي، تسأل عن الروح التي لم تزلْ تعتِّقُ البلح الجوريَّ أغنياتٍ على شفاهٍ تمرَّست في نقش القُبل ... لذيذ مذاق القبلة على خدودِ الشمس.

حوريَّة المساء كانت تغزل الدعاء بأنامل الطيبين، تشيحُ وجهها صوبَ الأفق المطعون بدخان القتلة... تصرخُ ملءَ أوجاعها:

انهزمْ يا موت... فالحارسُ طاعنٌ في أبديته... كلَّ يوم يطيِّرُ أفواجَ يمام القنا... يُسكنُها قسماتِ الأجيال في خلايا الخصوبة.

انهزمْ يا موت، فالذاكرة عنيدة فيه... وغيابُه أسطعُ من نسيانٍ يقتاتُ الأجسادَ الفانية.

ولأنه عنيدٌ كجبل الكرمل، لم تنطفىءْ رعشة الندى في مراثيه... وإن ترمَّدَ العشب قبل الصباح، لم نزلْ تخبِّىءُ في المنديل خواتمنا... بدموعنا نحاكي نبؤاتِ الغد الآتي من صقيع البدايات...

نعرفُ أنَّ النذر أثقل الأمانات، والذي يستحقُّ أن يحمله، عليه أن يعبر دهراً من البيعة التي لا تُعطى إلا لقائد بحجم قضية عظيمة... قائدٌ يختصر عزائم شعبٍ عظيم...

لذلك، دقَّتِ الشهقة بابَ السحابة في أوج صعودها النقي... بيضاءُ تصعد، حاملة رفوفَ

عصافير القلوب... عطورَ رياحين الأزمنة... أدعية المسبيِّين في المنافي اللعينة...

تصعد الغيمة حتى أعالي النضج، لكي تستحمَّ الجباه من فيض مجدها...

أيَّهما في صدور الجوَّادين أبقى: ألعطرُ أم السمّ؟

 قلوب الوثَّابين تقول للقتلة: سمُّكم ليس يقتلُ الماء في مزاريبِ أشواقنا... عنيدة خطانا، وأنفاسُنا لن تهزمَها سواطيرُ الظلام... فعشْ بنا ما شئتَ يا طيِّبَ الأنفاس.