لا تستغربي
فقد باغتنا هذا الاسود ذو الوشاح المجهول، هذا العدم الذي يخطفنا من بين الاشجار وكروم العنب كما تخطف اليد ثمرة ناضجة. هذا المسمى الموت قد يخطفنا اكثر من مرة، ألم يباغتنا في ضياع فلسطين، ألم يباغتنا في مسيرة العودة والتحرير، ألم يباغتنا في الانقسام والخلافات في ما بيننا.
لا تستغربي
فقد يتسلل الينا هذا الغريب في سرير الطفولة، وطفرة الشباب، ونضج الرجولة، قد يتسلل ونحن في طريقنا الى العمل، وأثناء الفرح، قد يتسلل الى شيخوختنا الهادئة صبحاً وظهراً ومساءً، ولو كنا في "بروج مشيدة".
ثُكلنا بكِ، يوم رنّ الخبر في مسامعنا، فلا تستغربي، لأننا استغربنا وانتهينا، استغربنا كيف لن نعود نرى منديلك الابيض كغمامة بيضاء يلفّ الرأس والمنكبين، كم من أمٍ وأختٍ لنا بعدُ في هذه المسيرة؟ لمن سنقول "يما" و"خيتا" بعدكِ، وأنتِ الأمُ الحانية على البيت، والتي ثُكلت بزوجها "ابو صبري" وهي في ريعان الصبا، فربّت،وتحمّلت، وصبرت، وكافحت، فكنتِ مثال الام والمربية والموجهة والمرشدة الهادئة. وتجسد ذلك حناناً على الأولادِ ليكونوا خير من تربى على الاخلاق والمثل والفضيلة مما هو في أعرق البيوتات، فلم تقصّري يوماً ولم تتخلي عن واجب الام الرؤوم الرؤوف، برغم انشغالاتك الوطنية، وانت ما انت في هذا المجال، وزوجة احد المؤسسين الأوائل، وقد عرفناك طليعيّة في المجلس الثوري والمجلس التشريعي، عرفناك طليعيّة مقاومة غير مساومة في القضايا المصيرية وفي الثوابت الفلسطينية، ولم تتركيِ موقعاً من مواقع المسيرة إلاّ وكنت تجسدين فيه رمز المرأة الفلسطينية المعطاء، حتى تشققت يداكِ واهترأ نعلاكِ وأنتِ تشدين أزر هذا الموقع وذاك الآخر، من مكان الى مكان، من فلسطين الى الاردن الى لبنان الى الانتشار والتشتت، ثم العودة الى حضن الوطن. فلا كللتِ ولا مللتِ وظللتِ بعزيمتك قويةً كادحةً مثابرةً مؤمنة بخط الثورة، بالنهج الذي نشأنا عليه وتربينا فيه، نهج الشهيد ورمز الشهداء ابو عمار. فكنتِ الشهيدة زوجة الشهيد، لنا فيكِ نحن في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" اسوة حسنة وشعلة مضيئة نسترشد بها ونستهدي ظلمات الطريق، لأنّ طريقنا ما زال شاقاً وطويلاً، وستكونون أنتم ذخراً لنا في هذا الطريق، الى ان نحقق النصر والاستقلال، واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين الى ديارهم. فباسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وباسمي وباسم اخوتي في هذه الحركة، نتقدم بأحر التعازي الى ابناء واسرة واقرباء الشهيدة "جميلة صيدم" طيب الله ثراها.
بقلم: محمد سعيد
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها