خاص مجلة "القدس" العدد 340 لشهر اآب 2017
حوار: نادرة سرحان
أمضى أكثر من عشرين عامًا في مجال الرياضة التي رأى فيها تربيةً للنفس قبل إحراز الكأس، وتمرَّس برياضةٍ تكادُ تكون نادرة في الوسط الفلسطيني، كيف لا وهي رياضة "القوّة البدنية". محمود جمعة، رياضيٌّ فلسطينيٌّ وَجَدَ في الرياضة وطنًا ثانيًّا يُرسِّخ حُبَّ وطنه الأم أكثر وأكثر. مُحطِّمُ الأرقام القياسية والحائز على الميداليات الذهبيّة المتعدِّدة على صعيد لبنان والعالم العربي كافةً يُحدِّث مجلّة "القدس" عن رحلتِهِ المستمرّة مع رياضة "القوّة البدنية".
كيف انخرطتَ في رياضة "القوة البدنية"؟
منذُ صغري كان لدي شغف بالرياضة عمومًا، لذلك حاولتُ تنميةَ هذا الشغف حتى يُصبِحَ مهارةً أمتلكُها. وبالفعل التحقتُ وأنا في السادسة عشرة من عمري بدورة رياضية للملاكمة "Kickboxing"، وواصلتُ ممارسةَ هذه الرياضة إلى أن أصبح عمري 29 عامًا، وخلال هذه المدة اكتسبتُ خبرةً كبيرةً، حيثُ صقلتُ موهبتي، ودرَّبتُ جسدي، وطوَّرتُ إمكانيّاتي. ولاحقًا انصرفتُ إلى رياضة الأوزان الحديدية ورفع الأثقال، وبالطبع أصبح جسدي هنا في أتمِّ الجهوزية لخوض المباريات، حيثُ كانت أول مباراة لي في مخيّم المية ومية للاجئين الفلسطينيين.
تُمارسُ أنواعًا مختلفةً من الرياضة، ما هي؟ وكيف تمرسَّت بها؟
أمارسُ الآن ثلاثةَ أنواعٍ من الرياضة، ولكنَّها جميعها تعتمدُ على القوة الجسدية، وبين الفينة والأخرى أشاركُ في بطولات تشمل هذه الرياضات المختلفة. فهناك رياضة تُسمّى "القوة البدنية"، والتي تعتمدُ على حملِ الأوزان الثقيلة جدًا، وهناك رياضةٌ معروفة بـ"التراث الشعبي"، وتعتمدُ هذه الرياضة على حملِ أدوات تراثية من الصخور ثقيلة الوزن، كأجران الكبّة القديمة التي يصل وزنها إلى 80 كيلوغرامًا وأكثر، بالإضافة إلى بطولة "أقوى رجال العرب"، وهي رياضة تقوم على جر سيارات النقل الثقيل "Six Wheel"، والصخور العملاقة وغيرها.
كيف سنحت لك الفرصة للمشاركة في البطولات الرياضية في لبنان والخارج؟ وما هي أبرز هذه البطولات؟
بعدَ أن تدرّبتُ فتراتٍ طويلةً، التقيتُ بالمرحوم عبدالكريم الغزي الذي كان رئيس "الاتحاد الرياضي الفلسطيني" آنذاك، وعرضَ عليَّ اللّعب في الاتحاد، وخضتُ حينها أوّل بطولة لي، وفزتُ بالمرتبة الأولى في رياضة "القوة البدنية"، ثمَّ كانت لي أول مشاركة محلّية كممثِّل عن فلسطين في بطولة العرب في بيروت، وحصلتُ يومها على المركز الخامس، وهكذا فُتِحَت أمامي أبواب المشاركة في بطولات عديدة على مستوى لبنان والدول العربية وقارة آسيا. فقد شاركتُ مرةً أخرى في بطولة العرب ممثِّلاً فلسطين، ونلتُ المرتبة الثانية. أيضًا شاركت في بطولة في المغرب، وفزت بالمرتبة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة للجزائر التي فزنا عليها بالمرتبة الأولى، وأذكر هنا أن الجمهور الجزائري فرح لفوز فلسطين، كما لو أنَّ الجزائر هي التي فازت، لقد كان إحساسًا لا يُوصَف!
وفي العام 2016، حصلتُ على المرتبة الثانية في بطولة آسيا، وصُنِّفَت فلسطين البطلة الثانية على القارة الآسيوية، وفي العام الحالي فزنا أيضًا بالمرتبة الثانية على مستوى آسيا، وحصدنا الميداليّة الذهبية.
فزتَ بالميداليّة الذهبية في آخر مشاركة لك في بطولة "القوة البدنية" على صعيد محافظات لبنان، صِف لنا هذه التجربة.
آخر مباراة خضتُها كانت بعد شهر رمضان الكريم، حيثُ فزتُ بالمرتبة الأولى في "القوة البدنية" على صعيد محافظات لبنان، وتُوِّجتُ بالميداليّة الذهبية. حقيقةً، لا يمكنني وصف هذا الشعور الأكثر من رائع، إنَّه من الفخر أن أكون الفلسطيني الفائز الأول في رياضة "القوة البدنية" على مستوى لبنان، لا سيما أنَّ الأمر قُوبِلَ بحفاوة وتشجيع كبير.
برأيكَ بماذا تختلفُ البطولات المحليّة عن البطولات الدوليّة؟
البطولات المحليّة التي أشارك فيها في لبنان أُمثِّل فيها نفسي كإنسان فلسطيني يُدعى "محمد جمعة"، ويكون هدفي فيها أن أُحقِّق الفوز الذي يطمح إليه كلُّ إنسان. أمَّا البطولات الدولية فأنا لا أمثل نفسي فيها، وإنَّما أُمثِّل دولةً بأكملها اسمها "فلسطين"، وبالتالي أسعى من خلال مشاركتي إلى رفع اسم وطني في المحافل الدولية وتحقيق أعلى المراتب، فالمسؤولية في البطولات الدولية تتعاظم، ولا مجال للأهواء الشخصية أمام مصلحة الوطن.
ما كان هدفك من المشاركة في بطولة "أقوى رجال العرب" وأنت لم تكن بعد أهلاً لذلك؟
لاحظتُ أنَّ وطني فلسطين ليس له حضور ولا اسم في هذا النوع من الرياضة الذي يعتمد على جر سيارات الـ(Six Wheels)، فخطرت في بالي الفكرة بأن أشارك لكي أثبت حضور فلسطين، إذ لم أكن أطمح لإحراز أي مرتبة، لأنَّني لم أكن أمارسها قبل مشاركتي، ولكن قبل البطولة شاهدتُ الكثير من الفيديوهات على "اليوتيوب" بشكل مكثَّف حول كيفية جرِّ السيارات، وبعد أن أخذتُ معلوماتٍ كافيةً، استأجرتُ سيارة (Six wheels) بـ50دولار، لكي أتدرَّب على جرّها، وأذكرُ حينها بأنَّ الجميع استهزأ بفكرة أن استأجر سيارة لجرّها وليس لقيادتها.
وفي هذه البطولة شاركَ الكثير من الأفرقاء العرب من سوريا، ولبنان، والسودان، والأردن، وغيرها. ولا أُخفِي أنَّني كنتُ خائفًا حينها بأن أفشل، وألَّا أستطيع حتى أن أجرَّ السيارة، لكن إيماني الداخلي كان دائمًا يُشجِّعني، وبالفعل حصدتُ المركز الثاني كأقوى رجال العرب بفارق 3 ثوانٍ عن صاحب المرتبة الأولى، ذهلتُ حينها ولم أُصدِّق ما رأته عيناي، حقًّا لقد كانت فرحة لا تُوصَف!
ما هو طموح "محمد جمعة" اليوم؟
طموحاتي كثيرةٌ لا تقِفُ أبدًا عندَ حدود معيّنة، ولكن أبرزها أن أُحطِّم الرقم القياسي في آسيا لـ"القوة البدنية" الذي بلغَ آخر مرة 380 كيلوغرامًا، لذا أتدرَّبُ حاليًّا لكي أُسجِّل الرقم 400 كيلوغرام، كأول رياضي في "القوة البدنية" في آسيا، وإن شاء الله إن لم أستطع المشاركة هذا العام سأفعلها العام المقبل.
ما هي الصعوبات التي يُواجهها الرياضي الفلسطيني عمومًا وفي الشتات خصوصًا؟
الصعوباتُ لا تُعد ولا تُحصَى، ولعلَّ أبرزها غياب دعم "الاتحاد الرياضي الفلسطيني" بالشكل المطلوب لرياضات "القوة البدنية" تحديدًا، إذ يتم التركيز أكثر على رياضة "كرة السلة" أو "كرة القدم" في المجتمع الفلسطيني أكثر. فأنا في كلِّ مباراة أشاركُ فيها، أدفعُ ثمنَ المشاركة من مالي الخاص، وطبعًا لستُ آسفًا على ذلك، لكنَّني كنتُ أودُّ أن أتلقّى دعمًا يليقُ بما نُقدِّمه في الخارج.
أمَّا في العموم، فالرياضي الفلسطيني يواجُهُ مشاكل لوجستية تتمثَّل في سفره للخارج للمشاركة في البطولات. ففي المهرجان الدولي في دبي مثلاً، لم أستطع المشاركة بسبب جواز سفري، وتمَّ تأجيل رحلتي لمدة 15 يومًا ما حرمني من المشاركة في البطولة.
هل من مشاريع قائمة لإنشاء مركز للتدريب على رياضة "القوة البدنية"؟
فكرةُ إنشاء صالةٍ للتدريب قائمةٌ، ولكن يلزمها بعض الوقت لكي تتبلور، فهناك الكثير من الشباب الفلسطيني -سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا- يُحبّون هذا النوع من الرياضة، ويتمنون احترافه. وصحيحٌ أنَّه لم يكن هناك مَن يُدرِّبني، لكنَّني أتمنّى أن أكون عونًا لمثل أولئك الشبان. والمركز لن يقتصر على الفلسطينيين، وإنَّما ستُفتَحُ أبوابه أمام الجميع أيَّا كانت جنسيّتهم أو انتماءاتهم، وندعو الله أن يُوفِّقنا إلى ذلك.
أخبرنا عن أجمل اللحظات التي تمرُّ في حياة الرياضي؟
الجواب البديهي سيكون الفوز، ولكن ما أعظم من الفوز هو أن أُتوَّج وأنا أحملُ عَلم فلسطين عاليًا، وعلى وقع النشيد الوطني الفلسطيني، كما حصلَ معي في بطولاتي الخارجية، إنَّها لحظة عظيمة تدمع العين خلالها من شدة الفرحة.
ما هي رسالتُك للشباب الناشئين على حُبِّ هذا النوع من الرياضة؟
نحن لدينا الكثير من الأبطال، ولكن الفرصة لم تسنح لهم بعد، لذا عليهم أن لا يكلوا، ولا يملوا، ويستمروا في المحاولة. ورجائي لهم جميعًا بأن لا يُفكِّروا بالمردود المالي، الذي قد يحصلون عليه أو قد لا يفعلون، وإنَّما بالرسالة والصورة التي سيُقدِّمونها عن بلدهم، وهذا برأيي هو الفوز الحقيقي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها