خاص مجلة "القدس" العدد 340 اب 2017
تحقيق: غادة أسعد
تتفاعلُ المعطَيات سريعًا في تُهَم الفساد الموجَّهة إلى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والتي قد تُنهي حياته السياسية قريبًا في حال ثَبُت تورُّطه فيها. وعلى الرغم من تظاهرِ نتنياهو بالثّقة بعدم وجود ما يُدينُهُ، واصفًا التحقيقات الجارية ضدَّه بـ"مجرد ضوضاء في الخلفيّة"، يظهرُ بوضوحٍ سعيه للخروج من مأزقه، محاولاً زيادةِ الضغط على الفلسطينيين، وارتكاب جرائم عنصرية أخرى علَّها تشفَعُ له داخل المجتمع الإسرائيلي.
نتنياهو يُواجه تُهمًا عدّة بالفساد
تُجري شرطة الاحتلال الإسرائيلي منذ عدّة أشهر تحقيقاتٍ مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول شبهات بالفساد في عددٍ من القضايا. ومن بين التُّهم الموجَّهة إليه، تهمة تلقي الرشاوى من رجال أعمال بقيمة عشرات آلاف الدولارات، مقابل تحقيق مصالح معينة لهم، وتُعرَف بـ"القضية 1000"، وتهمة عقد محادثاتٍ مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزس، للحصول على تغطيّة صحفية إيجابية مقابل تقديم مشروع قانون ضدَّ صحيفة "إسرائيل اليوم" المنافسة لها، وتُعرَف بـ"القضية 2000"، إضافةً إلى "القضية 3000" أو ما يُعرَف بـ"صفقة الغواصات والسفن الحربية"، ويُشتبَه بأنَّ مقرَّبين من نتنياهو، بينهم محاميه وابن عمه دافيد شمرون، استغلّوا نفوذه لإتمامها مقابل عمولات بلغت ملايين الدولارات.
وفيما يتعلّق بقضية الغواصات، حوّلت النيابة العسكرية الإسرائيلية للنيابة العامّة والشرطة معلوماتٍ جديدةً خاصّة بالتحقيق مع نتنياهو ومقرَّبين إليه، تتعلَّق بفحصٍ أجراه مراقب الجيش الإسرائيلي قبل عام، حول ظروف العمل في حوض السفن التابع لسلاح البحرية الإسرائيلي، بطلبٍ من قائد سلاح البحرية السابق، خلال مفاوضات جرت مع الحكومة الألمانية لشراء الغواصات، وكان لنتائجه تأثيرٌ على الصفقة، حيثُ أفادت مصادر مُطلعة على سير القضية أنَّ مراقب الجيش لم يسبق أن طُلِبَ إليه من قبل مثل هذا الإجراء الاستثنائي.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" والقناة العبرية العاشرة قد نشرتا معلوماتٍ في تشرين الثاني 2016، قبل بدء الشرطة التحقيق في القضية، جاء فيها أنَّ الوسيط في الصفقة ميكي غانور، ومحامي نتنياهو دافيد شمرون، مارسا الضغط على الجهاز الأمني الإسرائيلي لتحويل صيانة الغواصات من حوض بناء سفن سلاح البحرية الإسرائيلي إلى حوض بناء السفن الخاص بشركة "تيسنكروب" الألمانية.
وخلال شهادته، قال رئيس نقابة مُستخدمي جيش الاحتلال موشيه فريدمان، بأنَّ شمرون وغانور حاولا إقناعه هو ورئيس نقابة العمال العامة، آفي نيسنكورن، بالموافقة على خصخصة أعمال الصيانة، بادَّعاء أنَّ الحوض التابع للجيش لا يوفِّر الظروف الملائمة، وأنَّ هذا الأمر من الممكن أن يؤثِّر على عمل ونجاعة السفن والغواصات مستقبلًا.
وبحسب صحيفة "هآرتس"، تُكلِّف صيانة الغواصات والمعدّات الثقيلة مئات ملايين الشواقل، وبالتالي فإنَّ نقل الصيانة إلى الشركة الألمانية من شأنه زيادة عمولة شمرون وغانور بنسبة كبيرة.
وفي أيار الماضي، تطرّق تقرير لمراقب الدولة إلى رحلات بالطائرة قام بها نتنياهو وعائلته حين كان وزيراً للمال بين 2003 و2005 مشيراً إلى احتمال أن يكون قد حصل "تضاربٌ في المصالح".
إلى ذلك ألزمت المحكمة المركزية في القدس، تسليم معلومات تتعلَّق بتشغيل زوجة رئيس حكومة الاحتلال سارة نتنياهو في البلدية، وطبيعة عملها، بما في ذلك التغييرات التي طرأت على عدد ساعات العمل الشاملة من كانون الأول 2015 وحتى تشرين الثاني 2016.
وقد ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية أنَّ نتنياهو وافقَ على الخضوع للاستجواب من قِبَل الشرطة في مقره الرسمي في القدس نافيًا على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" جميع الاتهامات الموجَّهة إليه ومُتَّهماً معارضيه السياسيين، وبعض وسائل الإعلام بـ"السعي للإيقاع به عبر شن حملة ضدَّه". وقد ساهم استجواب نحو خمسين شاهداً من قِبَل الشرطة الإسرائيلية في "تحقيق اختراق حاسم" في التحقيقات مع نتنياهو قبل نحو ثلاثة أسابيع، بحسب وسائل الإعلام العبرية.
وحصلت الشرطة بالاستناد إلى الملف الذي أعدَّته على ضوء أخضر من المستشار القانوني للحكومة، النائب العام، أفيخاي ماندلبليت، لاستجواب رئيس الحكومة.
نتنياهو يستغل التشريعات العنصرية لصرف النظر عن فساده
عمدَ نتنياهو في الفترة الأخيرة إلى اقتراح قوانين والسعي لجعل عددٍ من التشريعات العنصرية بحق الفلسطينيين نافذة. وتعقيبًا على ذلك، يقول المحامي خالد دغش: "يحاول نتنياهو عبر سياسته العنصرية التغطية على صفقاته المشبوهة، بادّعاء حرصه على تماسك المؤسسة الإسرائيلية، لذا نراه يعود مرّة أخرى للحديث عن ضمِّ مناطق فلسطينية لـ"إسرائيل"، ويسمح للمتطرّفين بالقيام بما يشاؤون، حتى أنَّ الجيش الإسرائيلي يُعيث في منطقة الخليل فسادًا وسرقة ونهبًا لمصالح الفلسطينيين، ولا نرى موقفًا إيجابيًّا واحدًا من قِبَل الزعماء المحيطين بنتنياهو".
وأضاف دغش: "يعي نتنياهو جيِّدًا أنّ ما شُرِّع أخيرًا من قوانين هي في معظمها غير دستورية وتتعارض مع مفهوم (ديمقراطية "إسرائيل")، إلا أنّه يدرك أيضًا أنّ قضاة المحكمة العليا الحاليين يعتمدون في حكمهم على مبدأ القياس المنطقي، بمعنى إلى أيِّ مدى يمكن تطبيق القانون من دون المسِّ بحقوق أخرى، في حال كان يصب في مصلحة دولة الاحتلال، وبالتالي فمبدأ القياس يخدمه أيضًا للحفاظ على صورة "إسرائيل" كـ(دولة ديمقراطية) عالميًا! من جهة ثانية، يقرأ نتنياهو بدقة نفسية الجمهور الإسرائيلي. فاليمين واليسار مُتّفقان على أنَّ التحدي الأكبر لإسرائيل هو الوضع الأمني، واليسار يفتقر إلى "قيادي حقيقي" يمنحه الأمان. ويعي نتنياهو أنّ الجمهور الإسرائيلي يعاني من جنون الارتياب، وهو يعرف كيفية إدارة الدفة وتهويل الواقع الإسرائيلي، ليظهر وكأنَّه شخصيًا مستهدفً، بل حتى وكأنَّ كلَّ يهودي في الدولة هو مُستهدَفٌ، وعليه فإنَّ فرض هذه الأنظمة والتشريعات غير الديمقراطية، تساعده في تثبيت صورته كـ"بطل قومي"، ووَفْقَ هذا النهج، فاز نتنياهو في الانتخابات المتتالية منذ 2009، بعد أن أشعرَ الإسرائيليين أنَّه قادر على حمايتهم".
ويختم بالقول: "التحقيقات الأخيرة مع نتنياهو، والتي باتت تنحو أكثر نحو لوائح اتهام، تُفقِده السيطرة وتصيبه بالجنون، مما يدفعه إلى العمل أكثر على التأثير على الخطاب العام في "إسرائيل"، من خلال قوننة وتشريع وفرض أوامر أكثر عنصرية وتطرُّفًا، فتارةً نراه يتجاهل قرار الأمن العام (الشاباك)، ويُصعِّد الأحداث في الأقصى بوضع بوابات إلكترونية، وتارة أخرى يقرِّر أن ينفرد بقرارات السِّلم والحرب من خلال تعديل قانون "السِّلم والحرب"، ليمنح نفسه الصلاحيّة بإعلان حرب وكأنَّه يقول للإسرائيليين: الحرب مع إيران على الأبواب".
من جهته، يشير النائب في القائمة المشتركة، رئيس لجنة العلاقات الدولية، د.يوسف جبّارين، إلى أنَّ تصريحات نتنياهو لم تخلُ يومًا من بثِّ الكراهية ضدَّ العرب، ويُضيف: أتوقَّع أن تؤدّي التحقيقات الجارية ضد نتنياهو إلى الإطاحة به من الحكم، عاجلاً أم آجلاً، فهو بحسب التفاصيل التي يتمُّ تسريبها تورَّط بقضايا رشاوى وفساد جديّة قد تقوده إلى السجن الفعلي، علمًا أنّه يوجد شاهد ملك في التحقيقات كان من أكثر المقرّبين لنتنياهو. ومصير نتنياهو بهذه الحالة سيكون مشابهًا لمصير سلَفِه إيهود أولمرت، من رئاسة الحكومة إلى جدران السجن".
ويتابع جبّارين: "حكومة نتنياهو هي حكومة يمينية متطرِّفة، وتعتمد على معاداة الشعب الفلسطيني، وترسيخ الاحتلال، وتوسيع الاستيطان. وقد يكون الذهاب إلى انتخابات جديدة فرصةً لإسقاط هذا اليمين من الحكم، ومحاولة تشكيل حكومة جديدة تكون على استعداد لتسوية تاريخية مع القيادة الفلسطينية بحسب مقترحات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية. وأعتقدُ أنّ مثل هذا التغيير ممكن إذا ما اقتنع الجمهور الإسرائيلي بعُمق فساد حكم اليمين، وبالطريق السياسي المسدود الذي يقوده ليس فقط نتنياهو شخصيًا، وإنَّما الأحزاب اليمينيّة الداعمة له أيضًا. من هنا، فإنَّ سقوط نتنياهو بهذه الظروف قد يوفِّر فرصةً تُمهِّد لتغيير سياسي في "إسرائيل" بعد سنوات طويلة من سيطرته".
ويوضح أنّ نتنياهو، واليمين المتطرِّف من حوله، قد يستغلّان التحقيقات لتصعيد التحريض على المواطنين الفلسطينيين، وعلى ممثّليهم السياسيين، وشنِّ عدوانٍ جديدٍ على شعبنا الفلسطيني سواء في الضفة، أو غزة، أو حتى على جنوب لبنان، بهدف صرف الأنظار عن التحقيقات.
وأردف: "كما قد يستغلُّ نتنياهو هذا الوضع للتحريض الديماغوجي على المعارضة في "إسرائيل"، ولتصوير الأجهزة القضائية الإسرائيلية كمؤسّسات يسارية تلاحقه وتعاديه لأهداف سياسية (من أجل تغيير الحكم). وإذا نجح هذا التحشيد "القبائلي" في اليمين، وأعاد إلى الحكم شخصية يمينية تواصل طريق نتنياهو، فإنَّنا لن نرى تغييرًا جديًا في سياسات الحكومة حتى ما بعد فترة نتنياهو".
فلسطينيو الـ48 الضحية الأكبر لعنصرية الاحتلال
يعاني المواطنون العرب في أراضي الـ48 من ممارسة المؤسسة الإسرائيلية في التحريض الأرعن تجاههم، والتضييق عليهم في العمل والتعبير عن الرأي، وفي البناء، والسكن، والعيش بكرامة. وفي هذا السياق تقول المحامية عبير بكر: "الواقع الذي نمرُّ به في السنوات الأخيرة، بسبب السياسة الإسرائيلية، باتَ واقعًا لا يُحتمل، فالهجمة السلطوية على أبناء شعبنا لا تتوقَّف، إذ يتعرّض الفلسطينيون، في الداخل وفي المناطق المحتلة، لأصعب مظاهر العنصرية، ومنها التحريض، والتهديد، والقتل بدمٍ بارد، وكأنَّنا في دولة سلاحها الأول والأخير هو إطلاق النار على أي شخص، حتى لو لم يكن يُشكِّل أيَّ تهديد. وفي ظل تعامل الشرطة بعنف مع أبناء شعبنا، فإنّ قدرات الشبان على التحمل باتت غير ممكنة. فالفلسطينيون أيضًا يبحثون عن الحرية والحياة الكريمة الطبيعية والإنسانية".
وتقول بكر: "من جملة التضييقات الممارسة على الفلسطينيين استهداف حريتهم في الرأي والتعبير، وهي حقٌّ أساسي من حقوق الإنسان، في أي دولة ديمقراطية، إلا أنّ المساحة المُتاحة لنا تتقلَّص باستمرار، فقد تعرّضَ العديد من الفلسطينيين الذي أبدوا رأيهم في الأحداث الأخيرة للملاحقة والتحريض، والمسِّ بحقهم في الحياة، عدا عن لوائح الاتهام ضدَّ عدد كبير من أبناء شعبنا، على خلفية كتابة منشورات على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بادّعاء أنَّها منشورات تحريضيّة، وهذا ما حصل مع شابّة من شفاعمرو مؤخَّرًا، حيثُ نشرت جملةً أعربت فيها عن تضامنها مع الأقصى، فاستدعتها شرطة الاحتلال للتحقيق معها حول منشورها بدعوى التحريض".
وتردف: "للأسف مبدأ الديمقراطية يُطبّق على اليهود، ولكنَّه فعليًّا بعيدٌ كلَّ البعد عن الديمقراطية في أساسياتها، إذ من المفروض أن تلتزم الدولة بقانون محاسبة مُلزِم فيما يخصُّ حق الرأي والتعبير، ولكنَّنا نجد أنَّ اليهود الذين يمارسون العنف والعنصرية لا أحد يحاسبهم أو يُقدِّم بحقِّهم لوائح اتهام على جرائم ارتكبوها. فجميعنا نعرف أنَّه بعد كل حالة سياسية استثنائية، أو عملية، أو حادث، تظهر مقولات عنصرية موجَّهة ضد العرب، وفي هذه الحالة يتم التساهل بشكل واضح مع المحرِّضين والعنصريين من الجانب اليهودي، أمَّا حين يتعلَّق الأمر بالعرب، يُصبح الأمر مختلفًا، هذا عدا عن تفسير الأمور على وجهٍ خاطئ في أحيانٍ كثيرة، واعتمادهم الانتقائية، باختيار ما يرونه مناسبًا من دون الخوض في التفاصيل والتأكُّد من الحقيقة. وبرأيي مع تصاعد وتيرة العنصرية ضدَّ المواطنين العرب، بات يُخشَى من وقوع هبّة في الداخل الفلسطيني".
وتُشير بكر إلى أنَّ هذا التقييد للحريات باستخدام قوانين عنصرية من قِبل أصحاب السُّلطة في "إسرائيل" لا يقتصر على الأفراد، وإنَّما يطاول مؤسسات ثقافية وفنيّة بادّعاء أنَّها تقوم بالتحريض على الإسرائيليين ولا تتماهى مع رأي سُّلطة الاحتلال، وتضيف: "هذه القوانين تدُلُّ على أنَّنا فعلاً نعيش في دولة فاشية. فإغلاق مسرح الميدان مثلاً، بقرارٍ جائر من وزيرة ثقافة الاحتلال ميري ريغيف، يعني تضييق المساحة الثقافية والفنية، وحتى في المحاكم، أصبح من الصعب التعبير عن الحق في الحرية، وباتت مساحة التعبير تضيق بشكلٍ كبير، وأمام القضايا التي نشاهدها في المحاكم، لا يفهم الإسرائيليون كيف أنّ الاحتلال جعل الدولة فاشية، وبات واقعنا مشابهًا لفترة الحكم العسكري، وإذا أُعيد الاعتقال الإداري من جديد بسبب منشور أو رأي على مواقع التواصل، فإنّ الواقع سيصبح أصعب بكثير مما نعتقد".
وتختمُ المحامية بكر حديثها قائلةً: "في ظلِّ هذا الواقع الذي نعيشه، برأيي هناك دور ومسؤولية كبيرة ملقاة على كاهل البرلمان والقوى اليسارية الحقيقية، للقيام بخطوات فعلية في سبيل تحقيق واقع أفضل لمجتمع عربي، قائمٍ على المساواة في الحقوق والتعامل المؤسساتي والأمني ما بين المواطنين العرب واليهود".
إذًا، من الواضح أنَّ نتنياهو الـمُثقَل بملفات الفساد التي تلاحقه، يسعى للخروج من مأزقه مُستخدِمًا ورقة الإجراءات العنصرية ضدَّ العرب، وانتهاج استراتيجيّة سياسيّة وإعلاميّة قائمة على المزايدات الانتخابية والحزبية. وفي حين تبدو نتائج التحقيقات مع نتنياهو غير واضحة المعالم حتى اللحظة، يبقى التساؤل الجوهري حول مدى القرارات الهمجية والفاشية التي قد يكون مُستعدًّا لاتخاذها حمايةً لنفسه ولموقعه، وتأثير السيناريوهات المحتملة لمصيره السياسي، في حال تمَّت إدانته، على واقع السياسة الإسرائيلية العامّة، والتعاطي مع المواطنين العرب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها