أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً حول انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلي المنظمة بحق المرضى في قطاع غزة، "التي تشكل انتهاكاً واضحاً لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
ويستعرض التقرير أوضاع المرضى في قطاع غزة التي تشهد تدهوراً خطيراً جراء القيود المشددة التي تفرضها سلطات الاحتلال على حريتهم وتحرمهم من الحصول على التصاريح التي تمكنهم من اجتياز معبر بيت حانون (إيرز) شمال قطاع غزة، للسفر وتلقي العلاج الضروري واللازم في المستشفيات بالقدس والضفة الغربية وإسرائيل.
ويتناول التقرير الإغلاق وانعكاسه على القطاع الصحي، "حيثُ شكلت القيود المشددة المفروضة على حرية حركة وتنقل الأفراد والبضائع جراء الحصار المفروض أحد الانتهاكات الخطيرة، والتي قوضت خدمات الرعاية الصحية في كثير من الأحيان، وقيدت من فرص تطوير وتنمية القطاع الصحي. وبموازاة منع دخول الأجهزة والمعدات الطبية المتطورة والحديثة، واصلت تلك القوات استهدافها للمرافق الطبية وقصفتها بالصواريخ والقذائف خلال عدوانها العسكرية".
كما تناول التحويلات الطبية التي تجريها وزارة الصحة الفلسطينية للمرضى، الذين يتعذر - في ظل محدودية الإمكانيات الصحية - علاجهم في قطاع غزة، ومنهم مرضى السرطان، ومرضى القلب المفتوح، ومرضى العيون، ومرضى العظام، ومرضى جراحة المخ والأعصاب، ومرضى الغدة النخامية وخزاعة الكلى.
وأشار التقرير إلى معايير ومتطلبات تحويل المريض وسلسلة الإجراءات الطبية والإدارية التي يخضع لها الملف الطبي للمريض، وعمليات المراجعة والتدقيق من اللجان المختصة في دائرة العلاج بالخارج، والفحوصات التي تجريها اللجنة الطبية، وإرسال الملف إلى دائرة التنسيق والارتباط في وزارة الصحة، وبعد استيفاء الوثائق اللازمة يرسل الملف إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي عبر قسم التنسيق والارتباط في وزارة الصحة الفلسطينية. للحصول على تصريح يسمح للمريض الغزيّ باجتياز معبر بيت حانون (إيرز).
ويظهر التقرير البيانات والأرقام التي تشير إلى ارتفاع عدد المرضى والحالات المحولة خلال السنوات الماضية، مدفوعة بالزيادة السكانية، والتأثير السلبي والعميق للحصار المفروض على قطاع غزة والذي أفضى إلى تدهور أوضاع الخدمات الصحية، وحسب مصادر وزارة الصحة بلغ عدد التحويلات (13.764) تحويلة عام (2012م)، وارتفعت النسبة إلى (53.6%) وسُجلت (21.152) تحويلة عام (2016م).
ويوضح التقرير نتائج طلبات المرضى، "حيث تقف القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي عقبة كؤود أمام قدرة المريض على الوصول إلى المستشفى. كما أن استيفاء المريض للإجراءات كافة وحصوله على التحويلة لا يعني على الإطلاق أن المريض سيحصل على الموافقة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي للسماح له بالسفر لتلقى العلاج. وفي هذا السياق تتذرع تلك السلطات بحجج أمنية واهية، حيث تؤكد ظروف المرضى وأوضاعهم الصحية مدى زيف هذه الذرائع، كون المريض لا يمكن أن يشكل خطراً أمنياً في أي حال من الأحوال، فحالة المرضى الصحية لا تؤهلهم القيام بأبسط الأنشطة الفسيولوجية، حيث إن العديد منهم يرقد في أقسام العناية الفائقة في المستشفيات".
وأورد التقرير سياسة الرفض والمماطلة التي تتبعها سلطات الاحتلال في منح كثير من المرضى تصاريح المرور، ودون إبداء سبب واضح يُمَكّن المريض من متابعة حالته أو الدفاع عن حقه في حرية الحركة والتنقل وحقه في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.
وتشير البيانات الحديثة التي حصل عليها المركز أن عدد طلبات المرضى المقدمة للسلطات الإسرائيلية منذ مطلع عام (2017م) حتى (7 مايو 2017م)، (10.162) طلباً سجلت فيها نسبة الرفض والمماطلة (46%)، دون الاكتراث بحق المرضى في الحياة كحق إنساني أصيل تُبنى عليه منظومة حقوق الإنسان وتمكّن المركز منذ مطع عام (2017م) من رصد وتوثيق وفاة طفلين، وثلاث سيدات، ومسن، أثناء انتظارهم الحصول على تصاريح المرور لتلقى العلاج جراء استمرار سياسة المماطلة والابتزاز، في وقت تتضاعف فيه أوضاع المرضى تعقيداً بخاصةٍ في ظل استمرار إغلاق معبر رفح البري، وعدم فتحه بانتظام، وتصاعد أزمة انقطاع التيار الكهربائي مما فاقم من تدهور الأوضاع الصحية.
ويلفت التقرير النظر إلى أن المرضى وفي ظل هذه الإجراءات أصبحوا لا يفكرون كثيراً بنتائج العلاجات التي سيخضعون لها بقدر قلقهم على قدرتهم على الوصول إلى المستشفى وتلقي العلاج، مما يسبب مضاعفات صحية شديدة الخطورة لهؤلاء المرضى، التي تتجاوز كونها عقوبات جماعية لتتحول إلى عمليات ابتزاز وقتل منظم وإن كانت بطريقة غير مباشرة. كما أن منح التصريح مرات ورفضه أخرى يشير إلى نية واضحة بتعطيل رحلة العلاج والإسهام بتدهور الحالات الصحية خاصة عندما يتعلق الأمر بمرضى السرطان.
ويعرض التقرير عددا من الروايات الإنسانية المؤلمة، والأرقام المفزعة جراء معاناة المرضى وذويهم في ظل الرفض والفحص الأمني، ومنعهم غير المبرر من الوصول إلى المستشفى، وتعريض حياتهم للخطر لرفضهم الرضوخ لابتزاز سلطات الاحتلال ومساومتها لهم لإجبارهم على العمل لصالح أجهزتها الأمنية.
ويخلص التقرير إلى أن سلطات الاحتلال ترتكب انتهاكات جسيمة ومنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال جملة من الإجراءات والممارسات التي تنتهجها، والتي تظهر تحلل سلطات الاحتلال الواضح من أبسط التزاماتها التي تقع على عاتق سلطات الاحتلال الناشئة عن كونها طرفاً في اتفاقية جنيف الرابعة، فيما يتعلق بخدمات الرعاية الصحية وإمداداتها التي تصل إلى حد الالتزام بتقديم الخدمة لسكان الأراضي المحتلة مثلما تقدم لمواطني دولة الاحتلال نفسها.
واختتم التقرير بتوصيات طالب فيها المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ خطوات ملموسة وعاجلة، "من شأنها أن تنقذ المرضى المصابين بأمراض خطيرة وممن هم بحاجة ماسة للعلاج خارج قطاع غزة، ووقف حالة العذاب والألم الذي يتجرعونه هم وذووهم في قطاع غزة".
وطالب مركز الميزان المجتمع الدولي بالضغط على سلطات الاحتلال لاحترام وتنفيذ الالتزامات الناشئة عن القانون الدولي الإنساني، ولا سيما المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع، التي تفرض على الدول الأطراف كافة ليس فقط احترام التزاماتها بموجب الاتفاقية بل ومنع الأطراف الأخرى من ارتكاب انتهاكات لها، وملاحقة ومسائلة كل من يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو بالمسئولية عن ارتكابها.
كما جدد مركز الميزان مطالباته المتكررة للمجتمع الدولي بإنهاء الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع، الذي يشكل جريمة حرب واضحة ومستمرة، ويؤثر على جملة حقوق الإنسان في قطاع غزة. كما شدد على ضرورة تفعيل مبدأ المحاسبة، وأن استمرار تمتع دولة الاحتلال ومسؤوليها بالحصانة يحرم الفلسطيني من الوصول إلى العدالة، ويشجع سلطات الاحتلال على ارتكاب مزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يمثل الحصار على غزة أحد أبرز صوره.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها