معركة الكرامة، هي معركة وقعت في 21 مارس، 1968 بالقرب من مخيم الكرامة، على الضفة الشرقية لنهر الأردن، بين القوات الإسرائيلية والفدائيين الفلسطينيين بالاشتراك مع قوات الجيش الأردني.
في 21 مارس 1968 قامت القوات الإسرائيلية بشن هجوم واسع النطاق على الضفة الشرقية لنهر الأردن في منطقة امتدت من جسر الأمير محمد (دامية) شمالا حتى جنوب البحر الميت. وكان هدف الهجوم كما أعلنت إسرائيل رسمياً القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة على بعد 5 كم من جسر الملك حسين (النبي) ، وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت. والواقع أن هذا الهجوم لم يكن مفاجئاً لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ولا للقوات الفلسطينية الأخرى في المنطقة ولا للقوات الأردنية. فقد شوهدت تحركات القوات الإسرائيلية قبل العملية بيومين وأذاع ناطق باسم فتح يوم 19 مارس أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على طول نهر الأردن.
وفي اليوم نفسه أعلن مندوب الأردن في الأمم المتحدة أن إسرائيل تعد العدة لشن هجوم كبير على الأردن. وقد رافقت هذه التحشدات تصريحات تهديدية من قبل المسؤولين الإسرائيليين فقال رئيس الحكومة أمام الكنيست: إن الأردن لا يفعل شيئا لوضع حد لأعمال الفدائيين التي تنطلق من أراضيه، وسنضطر نحن لحماية أمتنا"، وذلك خلال كلامه عن حادث انفجار لغم تحت عربة نقل ركاب كبيرة جنوبي النقب. وكرر وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات الإسرائيلية أقوالا مماثلة.
الجانب الإسرائيلي
حشدت إسرائيل لتنفيذ العملية تبعا للمصادر الأمنية أربعة ألوية لوائين مدرعين ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، تدعمها وحدات من المدفعية الميدانية (خمس كتائب مدفعية من عيار 105 مم و155مم) ووحدات هندسية عسكرية وتغطية جوية بأربعة أسراب نقالة بالإضافة إلى عدد من الحوامات كافي لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما. وقد بلغ عدد هذه القوات خمسة عشر ألف جندي.
الجانب العربي
وفي الجانب العربي كانت وحدات رصد فتح تراقب تحركات وتحشدات القوات المعادية. وتدارست قيادة فتح التدابير الواجب اتخاذها وعلى الأخص المجابهة أو الانسحاب من المواقع المستهدفة من قبل العدو لتأتي ضربته في الفراغ – وفقا لمبادئ قتال الحرب الشعبية. وجرى تقسيم المقاومة إلى ثلاثة أقسام: الأول توزع على عدة مراكز في الكرامة نفسها وحولها، ووزع الثاني بشكل كمائن على امتداد الطرق المحتمل سلوكها من قبل العدو، وانسحب الثالث إلى المرتفعات المشرفة على المنطقة ليكون دعماً واحتياطياً.
من جهة أخرى اتخذت القيادة الأردنية استعداداتها للتصدي للعدوان الوشيك فوضعت القوات في حالة استنفار وتعبئة انتظاراً للتطورات المتوقعة.
لقد استطاعت القوات الأردنية وخاصة سلاح المدفعية تحت قيادة الرائد مشهور حديثة من حرمان القوات الإسرائيلية من حرية العبور حسب المقتربات المخصصة لها . ودليل ذلك أن القوات الإسرائيلية التي تكاملت شرقي النهر كانت بحجم فرقة وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقي النهر بالرغم من محاولتهم المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت .
بداية الهجوم
تحركت القوات الإسرائيلية في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم 21 آذار 1968 على أربعة محاور:
1- محور العارضة من جسر الأمير محمد إلى مثلث المصري فطريق العارضة – السلط الرئيسي.
2- محور وادي شعيب من جسر الملك حسين إلى الشونة الجنوبية فالطريق الرئيسي المحاذي لوادي شعيب السلط.
3- محور سويمة من جنوب البحر الميت إلى غور الرامة – ناعور فعمان.
4- محور الصافي من جنوب البحر الميت إلى غور الصافي فطريق الكرك الرئيسي.
ولكن المعارك الرئيسية دارت فعلا على المحاور الثلاثة الأولى.
عبرت القوات الإسرائيلية النهر تحت تغطية نيران المدفعية. ولكنها ما كادت تتقدم مسافة 200 متر حتى اصطدمت بمقاومة عنيفة أعاقت تحركها فدفعت بعناصر محمولة بالحوامات أنزلت بعضها في غور الصافي للتمويه والتضليل ومعظمها في الكرامة. فتصدت لها القوات العربية وكبدتها خسائر كثيرة، مما اضطر القيادة الإسرائيلية إلى زج قواتها الجوية بكثافة كبيرة مركزة قصفها على مرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين ومرابض الدبابات والمدافع المضادة للطائرات. وتابعت خلال ذلك الحوامات نقل عناصر إضافية والعودة بالجرحى وجثث القتلى. واستثمرت القوات المدرعة نتائج القصف الجوي والمدفعي المركز لمتابعة تقدمها فأمكنها في الساعة العاشرة تقريباً الاتصال بالقوات المنزلة جوا بالبنادق والبرمائيات اليدوية ثم بالسلاح الأبيض. وقد خاضت القوات الأردنية أيضاً معارك عنيفة على المحاور الأخرى وأحبطت تقدم العدو ومنعته من تنفيذ مخططاته.
وفي الساعة 14.00 – وكانت خسائر الإسرائيليين قد تزايدت واتضح لهم مدى الثمن الذي سيدفعونه لقاء كل تقدم – ادعوا بأنهم قد أتموا تنفيذ المهمة الموكولة إليهم وبدؤوا بالانسحاب. وكانوا قد طلبوا وقف إطلاق النار في الساعة 11.30 بواسطة الجنرال أودبول كبير المراقبين الدوليين ولكن رئيس الحكومة الأردنية رفض الطلب حتى انسحاب القوات الإسرائيلية بكاملها. وقد تم انسحاب آخر جندي إسرائيلي في الساعة 20.30. وتكبدت القوات الإسرائيلية خلال انسحابها أيضاً خسائر كبيرة إذ تعرضت لها الكمائن التي بثتها قيادة المقاومة قبل المعركة.
الآثار المترتبة
كان العدوان الإسرائيلي على الكرامة أول مرة تتخطى فيها القوات الإسرائيلية نهر الأردن. فقد توغلت مسافة 10 كم على جبهة امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو 50 كم. وهي أول عملية على نطاق واسع قادها رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد آنذاك حاييم بارليف. وقد حشدت لها إسرائيل قوات كبيرة نسبياً أرادت منها أن تكون درساً رادعاً للفدائيين وللجيش الأردني، وأن تحقق بواسطتها نصراً سريعاً تستغله في رفع معنويات السكان الإسرائيليين التي بدأت تهتز تحت ضربات العمليات الفدائية في الأراضي المحتلة. ولم تكن النتائج كما كانت تتمناها إسرائيل. فقد اعترف رئيس حكومتها أمام الكنيست يوم 25 آذار "أن الهجوم على الكرامة لم يحل مشكلة الإرهاب". وقال ناتان بيليد ممثل حزب المايام *: " إن على إسرائيل أن تصوغ تكتيكها العسكري وفقا لأساليب القتال المتبعة عند العدو والظروف السياسية المحيطة – وطالب شموئيل تامير عضو الكنيست بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية للبحث في – التعقيدات السياسية الناجمة عن عملية الكرامة – وأضاف "إن تخطيط العملية وتنفيذها يثيران أسئلة كثيرة تتطلب الإجابة". وقد عبر يوري أفنيري عن فشل العملية بقوله: إن المفهوم التكتيكي للعملية كان خاطئاً من الأساس، وأن النتائج أدت إلى نصر سيكولوجي للعدو الذي كبدنا خسائر كبيرة
كانت معركة الكرامة نقطة تحول كبيرة بالنسبة لحركة فتح خاصة والمقاومة الفلسطينية عامة. وقد تجلى ذلك في سبل طلبات التطوع في المقاومة ولا سيما من قبل المثقفين وحملة الشهادات الجامعية. كما تجلى في التظاهرات الكبرى التي قوبل بها الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها، والاهتمام المتزايد من الصحافة الأجنبية بالمقاومة الفلسطينية، مما شجع بعض الشبان الأجانب على التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية. وقد أعطت معركة الكرامة معنى جديد للمقاومة تجلى في المظاهرات المؤيدة للعرب والهتافات المعادية التي أطلقتها الجماهير في وجه وزير خارجية إسرائيل آبا ابيان أثناء جولته يوم 7/5/1968 في النرويج والسويد، فقد سمعت ألاف الأصوات تهتف "عاشت فتح".
على الصعيد العربي كانت معركة الكرامة نوعاً من استرداد جزء من الكرامة التي فقدتها في حزيران 1968 القوات المسلحة العربية التي لم تتح لها فرصة القتال. ففي معركة الكرامة أخفقت إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والإستراتيجية لرفع معنويات الإسرائيليين ، بل ساهمت في زيادة خوفهم وانعزالهم.
خسائر المعركة
بلغت خسائر الإسرائيليين 70 قتيلا وأكثر من 100 جريح، و45 دبابة، و25 عربة مجنزرة و27 آلية مختلفة، و5 طائرات. وخسر الجانب الفلسطيني 17 شهيدا. أما الأردنيون فقد خسروا 20 شهيدا و65 جريحا بينهم عدد من الضباط و10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعين. دمر الإسرائيليون عددا كبيرا من المنازل وأخذوا معهم 147 عربيا من الفلاحين بحجة أنهم من الفدائيين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها