أربعة وثلاثون عاماً مضت على ارتكاب إسرائيل مجزرة صبرا وشاتيلا. هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها آلاف المدنيين الأبرياء من اللبنانيين والفلسطينيين في أيلول 1982 لم تكن اسرائيل وأعوانها لتجرؤ على ارتكابها لولا خروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان على أثر الاتفاقية التي أبرمها المبعوث الأمريكي فيليب حبيب مع منظمة التحرير الفلسطينية وإعطاء المنظمة الضمانات الدولية الكافية لحماية المخيمات الفلسطينية، ترافق ذلك مع انسحاب القوات الدولية من محيط المخيمات. فكانت المخيمات الفلسطينية وخاصة مخيم شاتيلا أرضيةً خصبة لإسرائيل لارتكاب مجزرتها وصبِّ جام حقدها وغضبها على الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء. أربعة وثلاثون عاماً مضت ودماء الأبرياء ما زالت تستصرخ الضمير العالمي والعربي الاقتصاص من المجرمين الصهاينة.
في الذكرى الرابعة والثلاثين لمجزرة صبرا وشاتيلا، أحيت لجنة "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا" وبلدية الغبيري الذكرى بالتعاون مع لجنة إحياء ذكرى مجازر صبرا وشاتيلا وبمشاركة وفود أوروبية جاءت خصيصاً لإحياء المناسبة الأليمة وذلك بمهرجان خطابي في قاعة المركز الثقافي لبلدية الغبيري "رسالات" صباح اليوم الجمعة 16\9\2016، وانتهى بمسيرة من القاعة الى مثوى شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا، ووضع أكاليل من الورد على النصب التذكاري للشهداء.
وتقدَّم المشاركين أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في لبنان فتحي أبو العردات، وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" آمنة جبريل، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وممثّل حزب الله الحاج حسن حدرج، ومنسِّق عام الحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الأمة معن بشور، وممثلو الاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية، وقادة فصائل الثورة الفلسطينية، وممثلو اللجان الشعبية، ومسؤول بيت اطفال الصمود قاسم العينا، وشخصيات وطنية لبنانية وفلسطينية، وممثلو مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني والجمعيات الأهلية، وعوائل وأهالي الشهداء، وحشد من أبناء المخيمات.
بداية عزفت فرقة بيت أطفال الصمود النشيدَين الوطنيَّين اللبناني والفلسطيني، ثُمَّ قدّم الكلمات نائب مسؤول الملف الفلسطيني في حزب الله الشيخ عطالله حمود، فكانت كلمة لعوائل الشهداء ألقتها شهيرة أبو ردينة جاء فيها: "نلتقي اليوم كما في كل عام لنحيي ذكرى المجزرة بوفائكم وإخلاصكم ودعمكم للضحايا والشهداء الاحياء وكي لا يعتقد الصهاينة وعملاؤهم أنَّ دماء الشهداء يمكن أن تذهب هدراً بدون أن يكون هناك قصاص عادل للمجرمين قتلة اطفالنا ونسائنا وشيوخنا الابرياء. ونحيي الذكرى اليوم لنواصل واجب التذكير بما ارتكب بحقنا من مجزرة لم تنتهِ آثارها ولا تداعياتها، ومن هنا وبدعمكم وتضامنكم الذي نقدّره باعتزاز كبير نجدّد مطالبتنا كأهالي للشهداء بمحاكمة القتلة ولنجعل من الذكرى جرحاً في ضمير العالم، لا مجرد واقعة في التاريخ، ولنقول للعالم بأن هذه المجزرة هي اتباع لمجزرة اقتلاعنا وتشريدنا من أرضنا العام 1948".
كلمة رئيس بلدية الغبيري معن الخليل جاء فيها: "إنَّ مرور الايام لا يميت حقنا وكثرة المجازر لن ترهبنا فنحن على نهج إمام المستضعفين السيد الهاشمي الخامنئي الذي أعلنها اقتلونا فإنَّ شعبنا سيعي اكثر فأكثر. إنّه لقاء دافئ يتجدّد مع فلسطين وحول فلسطين، هو لقاء يتجدد معه العهد والوعد بأنَّ يوم العودة آتٍ لا محال فما ضاع حق وراءه مطالب. نقول لأرباب النكبة والاقتلاع، لأسياد الإبعاد نقول لهم بصوت واضح إن كنتم انتزعتمونا من فلسطين فإنّكم لن تنتزعوا فلسطين منا وإن كنتم سلبتم الديار فلن تسلبوا المفتاح العتيق من أيدي ابطالنا لأننا نمضي في الاتجاه الصحيح لعجلة التاريخ فيا قدس انا قادمون".
وأكَّد الخليل في كلمته الوحدة الوطنية الإسلامية والمسيحية والسعي دائماً الى الصبر ورص الصفوف وتوحيد الكلمة "لأننا شعب واحد في مواجهة الطغيان واستبداده".
وختم بتوجيه كلمة الى الوفود الضيوف قائلاً: "أيها القادمون من العالم لكم يا أنصار العدل والحرية والسلام إنّ الحق مع فلسطين، العدالة مع فلسطين، إن قيم الانسان ومبادئه هي مع الحق الفلسطيني ومبادئه في العودة والتخلٌّص من الاحتلال قريباً ستكونون مع العائدين الى فلسطين".
كلمة لجنة كي لا ننسى ألقتها ستيافانيا فقالت: "نأتي هنا لنبقي ونقول لن ننسى ولن نسمح لأحد ان ينسى الشعب المظلوم، ونقول لكل شعوب العالم إننا لن ننسى ونريد أن يعود الحق الفلسطيني بالعودة الى دياره. نحن هنا لنقول لن ننسى حق العودة ومع الشعب في لبنان أن يبقى سالماً من الحروب، وإحياء ذكرى صبرا وشاتيلا هو عامل حضاري، وهو تأكيد لحق الشعب الفلسطيني ودليل على الاجرام الذي مُورِس بحق شعب لا يستحق الا الحياة".

كلمة فلسطين القاها الحاج فتحي ابو العردات جاء فيها: "أُحيي اصراركم ايها الاخوة في لجنة كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا، إصراركم شجاعتكم ..جرأتكم .. تفانيكم.. تضحياتكم وانتم تأتون في كل عام منذ 34 عاماً. كثير من ابناء جلدتنا لم يعودوا يتذكرون هذه المجزرة، وأصبحت خبراً عادياً إذا تذكروها. أمّا انتم ايها الاحرار المناضلون الامميون أنتم تأتون في كل عام لتحيوا هذه الذكرى الاليمة وهذه النكبة التي ألـمَّت بالشعب الفلسطيني عبر هذه المجزرة الرهيبة التي ما زال من ارتكبوها طلقاء وبعيدين عن الحساب. انتم تذكِّرون العالم الظالم بحجم ما اقترف هؤلاء القتلة المجرمين وهم صهاينة، لكن الصهاينة هم من خطّطوا وقاموا بهذه الجريمة النكراء لذلك اليوم وانتم تأتون كل عام لتذكروا العالم بحجم هذه الكارثة وهذه النكبة من اجل تحقيق العدالة، والعدالة هي المطلوبة اليوم حتى لا يشعر اي مجرم ارتكب او يرتكب المجازر انه بمنأى عن الحساب والمحاسبة. هنا لا تأتي في اطار الانتقام انما في اطار المحاسبة وحتى لا تتكرر مجازر اخرى نشاهد فصولها اليوم متجددة في كل مكان من ارضنا الفلسطينية ووطننا العربي من كفر قاسم ودير ياسين مروراً بمجازر الاجتياح وقانا والمنصوري وبحر البقر وكل المجازر التي ارتُكِبت وما زال العدو الصهيوني يخطّط من اجل ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني، وما زال يستبيح الارض الفلسطينية ضارباً بعرض الحائط كل القيم وكل الدول وكل مَن يمكن ان يعترض على ما يقوم به من تهويد للقدس بالكامل في المرحلة الاخيرة من سرقة للأراضي واغتصابها وإنشاء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية، الى تدمير المنازل التي تنسف امام مرأى من العالم وردود الفعل ضعيفة وهشة ولا تستطيع أن تقدِّم شيئاً للشعب الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال في الموقع المتقدم".
وتابع: "اليوم التعدي على المقدسات الاسلامية والمسيحية في محاولة لتغيير المعالم الوطنية للأراضي الفلسطينية والدينية والهوية العربية المسيحية الاسلامية لمدينة القدس، والقدس كما ندّعي نحن ابناء العرب والمسلمين هي ركن من اركان الهوية العربية والإسلامية ومن دون القدس لا يمكن ان تكتمل هويتنا لا العربية ولا الاسلامية، لذلك أين نحن اليوم مما يجري في القدس من تهويد وتعدٍّ واجتياح على القدس؟!".
ووجّه ابو العردات كلمة الى اهلنا في الداخل والشتات قائلاً: "عندما قلنا إننا طليعة الثورة والنضال يجب أن نترجم هذا الى مزيد من العمل والجهد والوحدة، الوحدة هي ارادة فعل وإيمان يجب ان تترجَم عملاً وحداوياً، لن تستطيع أي جهة ان تزعزع الركائز الاساسية التي قامت عليها العلاقات الفلسطينية اللبنانية، وسنبقى نحمل هذه العناوين حتى نصل الى فلسطين، دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. نحن قدمنا مثالاً يُحتذى به رغم صعوبة الوضع في توحيد الصف الفلسطيني نرفع صوتنا باتجاه واحد هذا هو سر نجاحنا بالحفاظ على المخيمات الى شهيد آخر كما حصل في مخيم نهر البارد نأمل ان يستمر ويتواصل من اجل مصلحة فلسطين ولبنان".
كلمة المقاومة اللبنانية ألقاها عضو المكتب السياسي لحزب الله الحاج حسن حدرج، مما جاء فيها "بِاسم قيادة حزب الله لا يسعني في البداية إلا اتوجه بالتحية الى ارواح شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا اللبنانيين والفلسطينيين. كما أوجِّه تحية شكر وتقدير الى لجنة كي لا ننسى صبرا وشاتيلا هذه اللجنة التي إن كانت لها وظيفة فهي ان تذكِّرنا وتذكر الرأي العام مرة في العام بهذه الذكرى، هذه الوظيفة بالغة الاهمية في هذا العصر وهذه الظروف واخص بالشكر في هذه القاعة الضيوف المشاركين المتضامنين القادمين من خارج لبنان كما اوجه التحية الى روح الراحل، المؤسس والرئيس الاخير للجنة كي لا ننسى. واهمٌ من يتصوَّر أنَّ مجزرة صبرا وشاتيلا هي حالة استثنائية عابرة في سجل الكيان الصهيوني. سجّل هذا الكيان منذ زرعه على ارض فلسطين وطرد شعبها منها والى يومنا هذا سجلاً مليئاً بعشرات ومئات المجازر والاعتداءات والحروب التي شنَّها على بلادنا وشعوبنا وفي منطقتنا، هذا الكيان نشأ على الارهاب ويستمر بالإرهاب وصفَتُهُ الاساسية أنه يشكل دولة وكياناً إرهابيًّا، وواهمٌ من يتصوَّر ان الكيان الصهيوني في جرائمه ومجازره التي ارتكبها ليس له شركاء، وإذا كانت جرائمه واضحة ومعلَنة، فشركاؤه في أغلب الاحيان ليسوا ظاهرين ومعَلنين له شركاء لبنانيين وعرب ودوليين، ولمن يتصور أنَّ في هذا الكلام مبالغةً في المشهد السياسي القائم اليوم في منطقتنا فهناك في النظام العربي الرسمي في دائرة ما يسمى دول الاعتدال العربي مَن يسعى جاهداً لشيطنة واتهام المقاومة في لبنان وفلسطين بالارهاب وكل جريمة هذه المقاومة في لبنان وفلسطين انها قدمت نموذجاً في مواجهة الاحتلال والعدوان الاسرائيلي".
واستطرد حدرج قائلاً: "هؤلاء يسعون اليوم وبشكل علني لاستبدال العدو الصهيوني بعدو آخر وهو الجمهورية الإسلامية في إيران وما هي جريمة الجمهورية الاسلامية في إيران سوى أنّها تبنَّت القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني والوقوف الى جانب المقاومة في فلسطين في وقت يخرج الكيان الصهيوني من دائرة التصنيف بأنه عدو استبدال الكيان الصهيوني بالجمهورية الاسلامية له وظيفة وهدف وعندما يسعى البعض اليوم جاهداً للانفتاح على الكيان الصهيوني وبناء علاقات ماذا يستهدف من وراء ذلك؟ إن هذا السياق يستهدف اسقاط ارادة المخلصين في هذه الامة في التمسك بقضية فلسطين وإخراج القضية الفلسطينية من دائرة التبني الى دائرة التصفية والنسيان، وبالتالي هم يبذلون جهوداً كبيرة لجعلنا ننسى الجرائم والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ولإدخالنا في متاهات صراعات تعصف بأقطارنا ومنطقتنا اليوم لكن هناك شريك معلن واضح ومباشر للكيان الصهيوني في مجازره وإرهابه وحروبه واعتداءاته كي نسمي الاشياء بأسمائها هي الولايات المتحدة الامريكية ومَن يحاول أن يصرف اذهان الرأي العام عن دورها في دعم الكيان الصهيوني وفي حمايته فهو يتآمر على القضية الفلسطينية. أول امس وُقِّع بروتكول اتفاق بين إدارة اوباما وبين الكيان الصهيوني يتضمّن تقديم منحة عسكرية من الولايات المتحدة مقدارها ثمانية وثلاثون مليار دولار أمريكي تقدَّم كمساعدات عسكرية على مدى 10 سنوات هذا مشهد، وهذه المساعدة هي في سياق المساعدات التي قُدِّمَت على امتداد الادارات الامريكية لكن الذي يميزها أنها الاكثر كرماً في تاريخ الادارات الامريكية. إنَّ أوباما وهو الذي يغادر بعد اشهر وهو الذي قدَّم نفسه للرأي العام العربي على انه اختلف مع اسرائيل حول مسار التسوية للقضية الفلسطينية اوباما يقول تعليقاً على المساعدة ان هذه المساعدة اكبر التزام بتقديم مساعدة عسكرية ثنائية في تاريخ الولايات المتحدة، وأن التزام امريكا بأمن اسرائيل لا يتزعزع. صحيح أنّ هذا الاعلان قد يكون من حيث التوقيت رشوة على ابواب الانتخابات الرئاسية الامريكية إلا انه يعني أيضاً ان العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي علاقة استراتيجية والحديث عن خلافات امريكية اسرائيلية خصوصاً بين اوباما ونتنياهو هو للخداع والتضليل واعتبار البعض الادارة الامريكية وسيطاً محايداً بين الاسرائيليين والفلسطينيين هو مجرد اوهام وأكاذيب، فالولايات المتحدة شريك حقيقي للكيان الصهيوني في كل اعتداءاته ومجازره التي ارتكبها بحق شعوبنا ومنطقتنا وتمكُّنه من الافلات من العقاب على مجازره الوحشية ونصيحتنا لإخواننا وأهلنا في فلسطين تتلخّص في أمرين: أولاً، لا تنخدعوا بوعود التسوية مع هذا الكيان الغاصب ولا تراهنوا عليه، ثانياً، المقاومة التي جربّناها وجرّبتموها وأثبتت جدواها في لبنان وفلسطين هي خياركم في مواجهة الاحتلال والعدوان".