الرسم يساعدني على احتمال آلام الغربة، دوائي وقت المرض، صديقي ساعة الوحدة، وهو أحد أبنائي الذي أرعاه وأنميه باستمرار"، قالت الفنانة التشكيلية هنادي بدر، التي ولدت عام 1975 في الخليل، وتقيم منذ عشرة سنوات في كندا.

هنادي فنانة فلسطينية لم تزدها الغربة عن الوطن إلا تشبثاً به "عدم تواجدي على أرض فلسطين زاد من همي واهتمامي بكل ما يجري هناك على الأرض، عادة أكون أكثر العارفين بكل مجريات الأحداث، متابعتي المستمرة والدائمة لمعظم المنافذ الإعلامية سواء على التلفاز أو الشبكة أو قنوات إلكترونية أخرى، وهذا ما ينعكس بالطبع على أعمالي وموضوعاتها".

تعارك هنادي الحرف تماماً كقدرتها على مشاكسة الريشة وتقول "غير أن الإغتراب والتنقل وفّر لي رؤيا، وأضاف لمعرفتي بأساليب الفن ووفر لي أرضاً واسعة ومتنوعة غذّت بصيرتي الفنية، وذلك من خلال زياراتي المستمرة للمعارض العالمية في كل مدينة أقوم بزيارتها، فقد زرت متاحف وصالات عرض في دول ومدن مختلفة كمتحف القاهرة ومدريد باسبانيا ومعارض في شيكاغو وواشنطن ونيويورك بأمريكا وكذلك في تورونتو وأتوا وكيبك سيتي بكندا".

في كل إنسان فناناً، والفن يختلف من شخص لآخر، وهنادي تتلون بفنّها كألوانها على لوحاتها التشكيلية " إذا لم أرسم ولو فكرة بسيطة ورسم سريع ( اسكتش) يومياً أشعر بأني لم أنجز وعدم الإنجاز يحبطني وقد يقتلني، بشكل عام أعتقد أن ممارسة حياتنا العادية باعتيادية ودون هواية أو شغف إيجابي يخدمنا ويخدم المجتمع هو حياة على الهامش وأنا لا أستطيع الحياة على الهامش".

هنادي بدر تعرّف عن هويتها بطريقة مختلفة "الرسم هو طريقتي بالتعبير عن كل ما يجول بخاطري، الرسم أنا، وهو لا يقل أهمية بالنسبة لي عن الهواء والماء ليبقيني حية وموجودة، هو طريقي بالقول بأني أحيا وبأني هنا وبأني أشعر بكل ما حولي".

لكل إنسان اهتمامات مختلفة وهنادي تطوّع فنّها لما تجده أولوية "ربما كان العنصر الأبرز في لوحاتي المرأة برمزيتها الواسعة؛ فهي الوطن وهي الأم، ام الشهيد وأم الأسير وأم المبعد وأم ألأبناء المنفيين في بكل بقاع الأرض، والأم هي صبر أبناء الوطن على كل المحن التي مر بها ولا يزال، ورمز آخر يتكرر كثيراً بأعمالي هو قبة الصخرة الذهبية التي ترمز لانتماء وتحد بالبقاء وهي رمز لعاصمتنا لدولتنا المنتظرة".

"هناك لوحة كررتها ثلاث مرات؛ كل مرة كانت بأسلوب مختلف، لكن الفكرة واحدة وهي لوحة لامرأة بزي فلسطيني رقبتها طويلة ممتدة تحمل على كاهلها مدينة القدس، وتلك المرأة ترمز لفلسطين التي تحمل- بانحناء لا يخلو ولا يقلل من شموخها- هماً كبيراً وهو هم الاحتلال والصمود أمام هذا الآخر المتجرد من الإنسانية والممعن ببطشه وجبروته" قالت بدر.

لم يكن الرسم وحده مساحة الإبداع الذي تمتاز به هنادي الذي اتضح خلال إسهابها بالحديث "هذه اللوحة استخدمتها لتكون غلافاً لكتابي الأول الذي طبعت منه خمس نسخ للاقتناء الشخصي إلى أن يرى النور قريباً إن شاء الله، وقد حدثت مصادفة أخرى أن قامت مترجمة بلغارية وناشطة في مجال دعم القضية الفلسطينية وهي السيدة مايا بالاتصال والتواصل معي وطلبت أن تكون نفس اللوحة غلافاً لكتاب جمعت فيه نصوصا أدبية لأربعين كاتبة وشاعرة فلسطينية، وقد ترجمت هذه النصوص للغة البلغارية وحظي اثنان من خواطري على الترجمة والانضمام لهذا الكتاب أيضاً".

الوصول للقمة أساسه البحث المستمر عن كل جديد في قناعة هنادي "في علاقتي مع الفن أنا لا زلت أتعلم كل ما هو جديد، وما يدفعني للرسم والبدء بأي لوحة هو علمي واعتقادي بأن هذا العمل يحمل شيئا مختلفا وجديدا عن ما سبقه من أعمال".

"طموحي ليس له صفه ولا حد، لكن تنقلي بين فلسطين والإمارات وكندا ربما قلل من سعيي لنشر أعمالي لتصل لأكبر عدد من المهتمين والمتذوقين للفن . لكنني أحاول الآن العمل بشكل أفضل على إيصال أعمالي لأكبر عدد من المشاهدين من خلال شبكات التواصل". قالت بدر.

لكل منا نوافذ إلهام نسترق منها لمسة الإبداع حتى تكون بدراً لمستقبلنا. تقول بدر:"ملهمي بالفن هو ما نعيشه، ما نراه وملهمي قد يكون بطائر حر في السماء أو ورقة تسقط على الأرض لتعلن بداية فصل جديد، ملهمي ابتسامة طفل وربما دمعة فراق، و قدوتي تجارب كل من سبقني أنتقي وأرتشف كل ما يزيد وما يناسب أسلوبي وفكري".

في العودة لبداية هنادي بالفن التشكيلي "بدأت الرسم بسن مبكرة منذ كان عمري خمس سنوات، انتبهت لهذه الموهبة معلمتي عندما كنت بالصف الثاني الابتدائي بمدرسة غرناطه لأشارك بأول مسابقة للرسم على مستوى المدينة، استمريت بالرسم وكانت لوحاتي تزين جدران المدارس التي كنت أدرس بها فكانت بمثابة معرض دائم ومستمر للوحاتي بجميع مراحلها".

التضحية مستمرة حتى يحظى الإنسان بالهوية التي يحبها لنفسه، وكذلك فعلت هنادي "رغم تفوقي في الفرع العلمي إلا أنني قررت أن أصقل موهبتي الفنية وأدعمها بدراسة الفن".

هنادي تتابع سرد حكايتها :"درست الفن لمدة عامين بكلية فلسطين التقنية وكنت الأولى على الكلية كما كنت الأولى على فلسطين في امتحان الشامل مما دعم قبولي لأكون معيدة بنفس الكلية التي عملت بها لمدة عامين، مع الالتحاق بالوقت ذاته بكلية الفنون بجامعة النجاح الوطنية، لم أكمل دراستي بالجامعة لأنهم بعد إنهاء السنة الدراسية الأولى ، قرروا عدم احتساب ساعات وسنوات دراستي بالكلية لعدم وجود تنسيق قانوني مع الكليات كما قيل لي وقتها".

من وقتها لم تقف هنادي مكتوفة الأيدي، ولم تجمّد موهبتها خلال غربتها التي ما زالت مستمرة، بل سخّرتها لتكون سبباً أساسا في تطوير بذرة الموهبة لديها حتى أنها بدأت تزرعها وتحصد بعض ثمارها الناضجة في عالم الفن.