على فرشة صغيرة تحت شجرة زيتون كبيرة، تجلس ام قاسم درويش ويلتف حولها اطفالها في فترة الظهيرة، بينما ينام ابنها الاكبر في العاشرة من عمره تحت شجرة اخرى بالقرب من تواجد امه، فيما يقوم الاب باشعال النيران لتجهيز الشاي من اجل اطعامه لابنائه مع القليل من الخبز كبديل لوجبة الغذاء.
هذا هو حال عائلة ام قاسم درويش التي تسكن في ارض خالية في مواصي خانيونس، على شارع عام يوصل خانيونس برفح من الغرب، يمر في هذا الشارع الاف السيارات يومياً، لكن احداً لم يعلم عن هذه الاسرة التي تعيش بين الاشجار في الارض الخالية لعدم وجود سكان ومباني ايضاً في المنطقة.
حال هذه الاسرة لا يسر حبيباً ولا عدو فلا طعام ولا شراب ولا ملبس ولا بيت يأوي هذه الاسرة المكونة من  ستة افراد، بعد اجبرهم الفقر على التشرد والتنقل من عدة منازل حتى انتهي به الحال للذهاب للاقامة في المواصي، لعدم قدرتهم على توفير اجرة المنازل التي عاشوا فيها مسبقاً، حتى اصبحوا ملاحقين من اصحاب المنازل لعدم سدادهم المستحقات المتراكمة عليهم.
ابو قاسم درويش يقترب من الخمسين من عمره، عاش حياته في مصر وعمل في مجال التدريس، وحاصل على ماجستير صوتيات لغة انجليزية، عاد من مصر مطلع عام 2011 بعدما كبر ابنائه ولم يتمكن من ادخالهم مدارس خاصة، وساعده على العودة لقطاع غزة الظروف التي رافقت الثورة المصرية في ذلك الوقت، واضطر للعودة لغزة مع ابنائه.
منذ عام 2011 وحتي تاريخ الحرب الاخيرة على قطاع غزة، سكن في عدة شقق ومنازل بالايجار، وحاول الحصول على عمل طوال ثلاثة سنوات، الا الفشل رافق هذه الرحلة، وحاول التقدم للجامعات الفلسطينية للحصول على فرصة تدريس لغة انجليزية، الا ان اغلب الجامعات كانت تتهرب من الاجابة على طلبه، وساعدته الحرب للهروب من السكن بالايجار للايواء داخل المدارس التابعة للاونروا لمدة ثلاثة اشهر، وبعد دراسة طلبه من ادارة المدرسة تم رفضه وطرده من المدرسة لعدم حصوله على اوراق تثبت تضرره من العدوان انذاك.
ومنذ العداون الاخير على القطاع وحتى الان يعيش ابو قاسم وزوجته وابنائه داخل ارض زراعية بخانيونس تعود لمواطن من مدينة غزة، سمح لهم بالسكن في ارضه لحين توفير مسكن امن لهم، واصيبت الزوجة وابنائها اكثر من مرة بلسعات ولدغات الحشرات الضارة والافاعي في الارض، ولكن... لا بديل.
وتعاني الزوجة ام قاسم من الام في الكبد وحصوات، وحصلت على تحويلة للضفة الغربية لاجراء عملية هناك، الا انها اجلت السفر والعملية ثلاث مرات لعدم حصولها على اموال كافية للسفر للضفة الغربية، كما ان زوجها يعاني من قسطرة في القلب، وقد باع الزوج اثاث منزله مسبقاً من اجل شراء ادوية وعلاج لزوجته التي تحتاج العلاج بشكل شهريا، حيث قالت خلال لقائها" عندما ينتهي الدواء .. اكون انا والاموات واحد".
وفي احدى المرات لم يتمكن الزوج من شراء ادوية لزوجته لعدم توفر الاموال معه، مما اضطره لاستلاف مبلغ من احد الاشخاص، وقدم هويته وهوية زوجته والتأمين الصحي لصحاب المال كرهان لحينما يتم السداد، وقد فقدت الاسرة اخر مساعدة غذائية من الاونروا لعدم وجود الهويات الثبوتية معهم.
وتمر ايام طويلة على الاسرة بدون توفير طعام ولا شراب للاطفال، وتضطر الام لارسال اطفالها لمذبح قريب من الارض التي يقيمون فيها، من اجل جمع " ارجل الدجاج" لطبخها على النار وتقديمها للاطفال كوجبة طعام.
وتتأمل الاسرة من اهل الاخير تقديم يد العون لهم ومساعدتهم في توفير مسكن امن لهم ولاطفالهم، يساعدهم على تحمل اعباء الحياة، ويقيهم حر الصيف وامطار الشتاء.