أتي على الأمة العربية والإسلامية يوم الخميس الخامس من أيار مايو ذكري رحلة الإسراء والمعراج والتي تنزل فيها قرآن كريم من فوق سبع سماوات يُتلي إلي يوم القيام؛ في سورة سميت الإسراء؛ لتأكد على أنه قلب العرب النابض وقلب الإسلام وقبلة المسلمين الأولي حيث يقول عز وجل: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، حيث تأتي الذكري في الثامن والعشرين من شهر رجب من هذا العام ويحتفل المسلمون بذكرى معجزة الإسراء والمعراج التي حدثت مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالروح والجسد حيث أُسرى به ليلاً من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ثم عرج به الى السماوات العُلى؛ وفي السابع والعشرين من نفس شهر رجب تأتي أيضاً ذكرى تحريرِ بيت المقدس على يدِ صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة 583هـ ؛ حيث دخلَ صلاحُ الدين بيتَ المقدس بعدَ تحريرِها من أيدي الصليبيين، وعفَا عن أهلها، فلم يقتلْ منهم واحدًا، ولم يدُرْ في خلَدِ الفاتحِ العظيمِ أن يفعلَ بالغُزاةِ المستوطنينَ فيها مثلَ ما فعلَهُ أسلافُهُم بأهلِهَا المسلمينَ من مذابحَ مروِّعةٍ طالت عشراتِ الألوفِ من أهلِهَا حتَّى من لاذَ منْهُم بالمسجدِ الأقصى وقبةِ الصخرةِ المباركةِ، وكلُّ إناءٍ ينضحُ بما فيه، وكلُّ حضارةٍ تسعَى إلى التعبيرِ عن نفسِهَا. و في التاريخ الإسلامي حوادث غراء وأيام عِزه، على المسلمين أن يتذكروها، ويتذكروا ما صحبها من الظروف والملابسات؛ لينتفعوا بما في ذلك من العظات والعبر، وليس هناك أشد أثرًا في النفوس من تذكيرها بالحوادث الواقعة، وتجلية آثارها الناصعة أمام أعين الناشئين من أبناء الأمم. إنَّ أوجهَ الشبهِ بين المشروعِ الصليبيِّ قديمًا والمشروعِ الأمريكيِّ الصهيونيِ حديثًا أكثرُ من أن تُحصَى، ولا عجبَ بذلك فقد عبَّرَ الرئيسُ الأمريكيُّ بوش الابن يومَ أن احتل العراقَ عن بعضِ حلقاتِ عدوانِهِ على أُمَّتِنَا حين اعتبر الغزو حربًا صليبيةً"، وإنَّ سُبلَ المواجهةِ الناجحةِ لذلك المشروعِ- المواجهةُ التي تكفلُ النصرَ وتختصرُ الطريقَ- لم تبعُدْ كثيرًا عمَّا سنَّه لنا أسلافُنا من الصحابة الكرام الذين واجهوا الأعداء بجلد وتضحية وصبر وحسن إيمان وعمل- ولقد كانت أسباب معجزة الإسراء والمعراج هدية من رب الأرض والسماء لسيد المرسلين والأنبياء بعدما مرت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحداثٌ أليمةٌ، ومواقفُ حزينةٌ، منها فَقْدُ زوجه خديجة- رضي الله عنها- التي كانت أول من آمن به، وعزَّرته ونصرته وواسته، ثم لحِق بها عمُّه أبو طالب، وكان ظهيرًا منيعًا له- صلى الله عليه وسلم- فاشتد به إيذاء المشركين، فأراد الله عز وجل أن يسرِّي همَّه فكانت هذه الرحلة الخارقة التي أراه الله فيها من آياته الكبرى، وكشف له حُجُبَ الزمان، وطوى له حواجز المكان بإرادته الماضية عز وجل، ومشيئته الطليقة، وهذا يدل على مكانته صلى الله عليه وسلم عند ربه. وفي المسجد الأقصى المبارك يجمع الله عز وجل النبيِّين والمرسلين، ويكتم الزمان أنفاسَه، يترقَّب من يتقدم لإمامة هذا الرهط الفريد، فإذا هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليظهر من هذا الموقف شرفه- صلى الله عليه وسلم- وفضله عليهم، وليعلن من خلاله- أيضًا- انتقال الإمامة إلى أمة الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام. ثم تكون مرحلة المعراج؛ حيث الارتقاء المتواصل في السماء، ثم يتوقف جبريل عليه السلام عند موضع فيها، قائلاً: "وما منا إلا له مقام معلوم"، ويؤذن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالاستمرار في الصعود إلى سدرة المنتهى؛ ليكون في حضرة القدس الأعلى؛ حيث الأنوار الفياضات والتجليات، وبهذا يظهر في المعراج فضله- صلى الله عليه وسلم- على أهل السماء بعد أن ظهر في الإسراء فضله على أهل الأرض، فهذا يا أمة الإسلام مقام نبيكم- صلى الله عليه وسلم- فهل تدرك قلوبُكم قدرَه، وتؤدون إليه حقه، ويقول صل الله عليه وسلم لجبريل حينما وصل سدرة المنتهي عندها جنة المأوى – أهنا يترك الخليلُ خليلهُ- قال جبريل عليه السلام أمين وحي السماء: إن تقدمت أنت يا محمد اخترقت- وإن تقدمت أنا احترقت وإن كلٌ منا إلا وله مقامٌ معلوم؛ - ثم نعود إلى الأرض لننظر إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد تربَّى على عين أبيه، ومضى على دربه، يتوجَّه براحلته إلى مكة فيستدير بها عند موضع في الطريق، فيُسأل عن ذلك فيجيب رضي الله عنه: رأيت القصواء تدور برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهناك مكانة الصلاة عظيمة فيه فقد قضت مشيئة الله وحكمته أن تُفرض الصلاة في الملأ الأعلى في تلك الرحاب الشريفة الطاهرة، وبتكليف مباشر من الله تعالى لنبيه- صلى الله عليه وسلم- بغير واسطة من أمين الوحي جبريل؛ ليكون للصلاة هذه الخصوصيات من بين فرائض الإسلام، ففيها تعرُج الروح إلى ذي الجلال والإكرام- عز وجل- ويتصل العبد بربه مباشرةً دون واسطة، وهي- أيضًا- تكتنفها الطهارة قبلها (لاشتراط طهارة البدن والثياب والمكان لصحتها)، وبعدها لأنها من أهم الوسائل التي تُغسل بها الذنوب وتُمحى بها الخطايا؛ لقوله عز وجل: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: من الآية 45)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر". أفلا يجدُرُ بنا يا أمة الإسلام أن نحتفيَ بالصلاة الحفاوةَ التي تليق بها، فنحافظ على أدائها في أول وقتها في جماعة المسجد، مع حضور العقل، وخشوع القلب، وسكون الجوارح. لم يشأ الله عز وجل أن يعرج بنبيه- صلى الله عليه وسلم- من حيث هو في مكة إلى السماوات العلا مباشرةً، ولكنه أسرى به أولاً إلى المسجد الأقصى ليلفت أنظار المسلمين في وقتٍ مبكِّرٍ من عمر الدعوة إلى هذه البقعة المباركة، ثم يأمر الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة أن يتوجه إلى المسجد الأقصى سبعةَ عشرَ شهرًا لتظلَّ أنظار المسلمين متجهةً إليه، وقلوبهم معلقةً به في صلاتهم ودعائهم؛ وبذلك اكتسب المسجد الأقصى جُملةَ ألقابٍ من هذه الرحلة، فأصبح (منتهى الإسراء)، و(مبتدأ المعراج)، و(أولى القبلتين)، وثاني المسجدين وثالت الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة و مسجد النبي بالمدينة المنورة إضافةً إلى سائر ألقابه الأخرى التي عُرف بها؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس؟ فقال- صلى الله عليه وسلم-: "بيت الله الحرام الذي في مكة"، قالوا ثم أي؟! قال: "بيت المقدس"، قالوا: كم بينهما؟ قال: "أربعون"، وهو "ثالث الحرمين"؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إلى ثلاثة مساجد: بيت الله الحرام، و المسجد الأقصى ، ومسجدي هذا"، ومع ألقاب الشرف والفضل هذه ففي المسجد الأقصى يُضاعَف أجرُ الصلاة فيه إلى خمسمائة ضعف، وقد تعاظمت بركتُه حتى فاضت وامتدَّت إلى ما حوله من المدينة التي تحتضنه (بيت المقدس) والقُطر الذي يضمّه (فلسطين)، تدبَّروا قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: من الآية 1) وقوله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)﴾ (الأنبياء)، ومع هذا كله فقد كانت هذه الأرض مهدًا لرسالات السماء الهادية، وساحةً لأيام الإسلام المجيدة ومعاركه الفاصلة في اليرموك وأجنادين وعين جالوت وحطين، ومثوى الأجساد الطاهرة للأنبياء والصحابة والشهداء- هذه هي مكانة الأقصى وقداسته، ورغم هذا انظروا إلى ما آلَ إليه أمرُه، فهو أسيرٌ حزينٌ، في قبضة الصهاينة الحاقدين، يدبّرون له المخططات، ويحيكون له المؤامرات، من تهويد وحصار.. ويقتحمونه ليل نهار بحماية جيش المحتلين؛ ويقومون بمنع المصلين من الصلاة فيهِ.. ومواصلة أعمال الحفر.. وشق الأنفاق تحته.. ومحاولة تغيير معالمه.. و هدم طريق المغاربة الواصل بين حائط البراق وساحة المسجد؛ وإقامة جسر عملاق مكانه، يسمح بمرور الحفارات والشاحنات والعربات العسكرية، إضافةً إلى تكرار محاولات اقتحامه وتدنيسه، وتقسيمه زمانياً ومكانيًا بل لم يتورَّعوا عن إضرام النار وحرقه عام 1969م، متطلِّعين في النهاية إلى هدمه وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه، واقامة الهيكل المزعوم مكانهُ؛ وجاءت هبة وانتفاضة القدس قبل سبعة أشهر لتصحح المسار العربي نحو القدس الشريف ليكون قادتها المصلين المعتكفين الصامدين الصابرين من أهل القدس الأبطال وخاصة طلبة مصاطب العلم، وغيرهم من خنساوات فلسطين، وشيوخها البررة؛ وهذا من مظاهر البشرى القادمة التي أخبر عنها الله عز وجل بقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ (الإسراء: 7)، والتي أخبر عنها نبينا- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء فهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس "، وبقوله صلى الله عليه وسلم- أيضًا-: "لا تقوم الساعةُ حتى يقاتل المسلمونَ اليهودَ فيقتلهم المسلمونَ حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"، وذلك يتطلب صحوة الأمة العربية والإسلامية من كبوتها وغفوتها فالقدس الشريف لا تخص الفلسطينيين فحسب، بل إنها وقفٌ للمسلمين جميعًا، وهذا الأمر يتطلب منهم مجاهدة النفس وتزكيتها، والارتقاء بها إيمانيًّا وعباديًّا وخلقيًّا وسلوكيًّا، وذلك حتى نكون أهلاً لتنزل نصر الله علينا و توحيد الصف، وجمع الكلمة، ونبذ الفرقة، والاستعلاء فوق أسبابها؛ فإن الكيد متعاظم، والخطر داهم، والأعداء يتجمعون ضدنا وينفق الأغنياء من اليهود مليارات الدولارات لتهويد القدس؛ في المقابل ينفق العرب بعد في كل قمة عربية ألاف من الكلمات والخطب لتبقي حبرًا يجف فوق الورق بعدها يغُني كلٌ على ليلاه دون أن يصل القدس دولار واحد دعم زعماء من العرب والمسلمين، والقدس تهود يومًا بعد يوم من خلال المخططات الإجرامية والمشروعات الشيطانية الاستيطانية بقيادة اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو. وعلى الحكام أن يقوموا بواجبهم تجاه القضية، ويكونوا أوفياء لأمتهم، أمناءَ على مقدساتها وحقوقها، والله إنها لفرصتهم السانحة لتقدِّرهم الأمة، ويذكرهم التاريخ في سجلاَّت الافتخار، ألا يحبُّون أن يكونوا أمثال صلاح الدين، وسيف الدين قطز، فإن لم يكونوا فلا أقلَّ من أن يكفُّوا عن الشعوب بأسَهم، ويرفعوا عنها ظلمَهم، ولا يكونوا أداةً في يد الأعداء، ينفذون بها مؤامراتهم، ويحققون بها غاياتهم؛ ويجب كذلك تعميق الوعي بقداسة المسجد الأقصى المبارك، وإبداء الاهتمام به، ومتابعة أخبارهُ ، ثم توعية الآخرين بها، وشدّهم الرحال إليها، وجمعهم عليها ودعمهم المالي والمعنوي لأهلنا الصامدين في القدس و تفعيل سلاح المقاطعة الجادَّة والحاسمة لمنتجات الأعداء وحلفائهم وأعوانهم، فما أقوى أثرها وما أمضى سلاحها؛ ومن ثم الدعاء الدائم في الأوقات الشريفة والأماكن الطاهرة التي هي أرجى للإجابة؛ واضطلاع مؤسسات المجتمع المدني والنخب الإعلامية والفكرية والسياسية والثقافية والأدبية، كلٌّ فيما يناسبه وفيما وكيفما يستطيع من صور الدعم ووسائله وأنشطته. إن المسجد الأقصى المبارك ونحن نحتفل بذكرى الإسراء والمعراج يستصرخ ضمائرنا جميعًا يقول لنا أليس فيكم صلاح الدين وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ليحررنا من قبضة المحتلين الصهاينة ومن التهويد وتهجير المقدسيين وهدم بيوتهم وتغير الهوية الثقافية الوطنية والإسلامية للمدينة المقدسة وطمس المعالم الأثرية للمقدسات الاسلامية والمسيحية وكذلك تتعرض المدينة المقدسة مسري النبي صل الله عليه وسلم للعزل والاقصاء عن محيطها الفلسطيني والمقدسي؛ وإغلاق المؤسسات العربية بالقدس ويستمر كذلك مسلسل الاقتحامات التي أصبحت بصورة يومية لقطعان المستوطنين وبحماية جيش الاحتلال المدجج باعتي أنواع الأسلحة؛ كل ذلك يخاطب قلوب وعقول العالم العربي والإسلامي القدس يستغيث ويصرخ قائلاً واسلاماه ومعصتماه فهل من مجيب وهل من يلبي النداء لأقدس بقعة مباركة وثاني مسجد بنتهُ الملائكة في الأرض؛ قال تعالى:" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾. وعد الله قادم وتحرير فلسطين قادم بإذن الله عز وجل لا شك ولا ريب في ذلك إنه وعد رب السماء لأهل الأرض الأتقياء الأنقياء المؤمنون.
في ذكري الإسراء والمعراج المسجد الأقصى ينادي وامُعتصماه: بقلم جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
05-05-2016
مشاهدة: 710
جمال ابو النحل
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها