من تابع بهدوء سياق تتالي القوانين والاجراءات والانتهاكات، التي نفذها قادة الانقلاب الحمساوي منذ اواسط عام 2007 حتى الان، يلحظ، انها خطوات ممنهجة تهدف لإعادة صياغة الجناح الجنوبي من الوطن وفق الاجندة الحمساوية (الاخوانية المسلمة) المتناقضة مع روح الهوية والوطنية الفلسطينية، وتعطل روح القانون والنظام الاساسي، الذي اقره المجلس التشريعي الاول بعد إقامة السلطة الوطنية عام 1994، وضرب ركائز الديمقراطية الجنينية وحرية الرأي والرأي الآخر، وخنق الحريات الشخصية والاجتماعية، وبناء نظام شمولي قائم على القهر والاستبداد وتكميم الافواه، واعادة الشعب الفلسطيني عموما والمرأة خصوصا إلى عصر الظلمات.

آخر بدع الانقلابيين الحمساويين جاءت على لسان فتحي حماد، الحاكم العسكري في قطاع غزة، التى أكد فيها، انه ومؤسستة القمعية ستعمل على "رفع منسوب الرجولة" في اوساط الشباب الفلسطيني؟! وكأن الشباب الفلسطيني، الذي قاد ثورة عظيمة، وحمل راية اهداف الشعب الوطنية ومازال يواصل مشوار الكفاح التحرري تحت قيادة الشرعية الوطنية، بحاجة الى معايير قيادة الانقلاب الحمساوية في الرجولة؟

بعيدا عن جادة الاسئلة، يمكن التأكيد على ان "قانون منسوب الرجولة الحمادي" في أكثر النظم الشمولية لم يكن له وجود. ولا يوجد في القانون الوضعي عموما ولا في التشريعات الدينية للديانات السماوية الثلاث، لكنه في نظام الامارة الحمساوية قيد التنفيذ متلازما مع قوانين عصور الظلام القائمة على "قطع اليد" وغيرها من قوانين القهر الانساني. التي لا هدف لها سوى التدخل المباشر في مأكل ومشرب وملبس المواطنين، فكانت البداية في النساء عندما فرض عليهن قادة حماس في غزة لباس الجلباب بما في ذلك المحاميات، وفصل النساء عن الرجال، وفصل النساء من التدريس في مدارس التلاميذ الذكور، وفصل الاطفال من سن التاسعة في المدارس المختلطة عن بعضهم ، وفرض قوانين جائرة وبائدة ضد العاملين في محلات الملابس النسائية، وضد الرجال في محلات الكوافير النسائية، ومحاربة الفن والفنانين وخاصة الفنان محمد عساف، الذي حرضوا عليه في المساجد، ودعوه الى مغادرة البرنامج، وتمنوا له الهزيمة ... إلخ من القوانين العبثية.

إذا قانون فتحي حماد، الذي حاول بعض قادة الانقلاب التبرؤ منه امثال يحيى موسى، ليس سوى مواصلة السير في طريق الامارة، ورفض خيار المصالحة الوطنية، والتطاول على القانون والنظام التعددي الفلسطيني، والهجوم المتواصل على القيادة الفلسطينية وخاصة شخص الرئيس محمود عباس، الذي يهاجم صباح مساء بذريعة او دون ذريعة، والتي آخرها العمل على تشكيل حكومة جديدة بعد قبول استقالة الدكتور سلام فياض، مفترضون انهم، هم اصحاب القرار وليس الرئيس ابو مازن، متجاوزين كل القيم والمبادئ والاعراف القانونية والدستورية وحتى سنن الشريعة الاسلامية، لانهم بتطاولهم على شخص الرئيس عباس، فانهم يتطاولون على اولي الامر بيننا وفينا. وهو ما يكشف عن ممارسة سياسة التجهيل المتعمدة باسم الدين لتضليل العباد من البسطاء ضد القيادة الشرعية.

تحد جديد يطرحه فتحي حماد على القوى السياسية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والاكاديمية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة المختصة بشؤون القانون وحماية الديمقراطية، الامر الذي يفرض عليها جميعها التصدي للقانون الحمساوي الجديد وكل القوانين الجائرة السابقة او اللاحقة، والدفاع عن النظام الاساسي والتعددية الديمقراطية والحريات الاجتماعية والشخصية، والعمل بكل السبل والوسائل للضغط على قوى الامارة بالتوقف عن البلطجة باسم الدين، وعمليات القهر، وإلزامها التقيد بخيار المصالحة الوطنية، لانها مصلحة وطنية جامعة، ولا تخص حركة الانقلاب وحدها من خلال سلسلة فعاليات وانشطة وطنية وثقافية وقانونية في مختلف المحافظات الجنوبية. وايضا في المحافظات الشمالية مطلوب دعم التوجهات الوطنية، ورفع الصوت عاليا ضد جرائم وانتهاكات قيادة الانقلاب الحمساوي في غزة، ودفع القوى الايجابية في حركة حماس لتعرية توجهات المتنفذين الانقلابيين في قطاع غزة، لحرمانهم من التغطية المجانية للقوى المعنية بالوحدة، وتعريتهم امام قطاعات من حركة حماس المؤيدة للمصالحة الوطنية، ولاسقاط دعاويهم الدينية الكاذبة والمتناقضة مع الدين وشرائعه السمحة والايجابية.