يعود اليوم جون كيري ، وزير خارجية الولايات المتحدة لمتابعة جولاته المكوكية بين اطراف الصراع العربي / الاسرائيلي وخاصة على المسار الفلسطيني بهدف إحداث نقلة في واقع الحال المتعثر في عملية السلام نتاج الاستعصاءات الاسرائيلية.

لكن كما يقول المثل الشعبي "المكتوب بيقرأ من عنوانه!" وعنوان الساحة الاسرائيلية التمترس في خنادق الاستيطان الاستعماري، واللاءات المعروفة: لا للانسحاب من القدس الشرقية؛ ولا للانسحاب من الاغوار الفلسطينية؛ ولا لعودة اللاجئين لديارهم المحتلة عام 1948!؟ والتي كررها اول امس وزير المالية الاسرائيلي، يئير لبيد في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية، بالقول: لا لوقف البناء في المستوطنات، ولا للانسحاب من القدس، اضف الى اللاءات الاخرى والتشكيك بمكانة الرئيس محمود عباس وقدرته على تحقيق التسوية.

كما ان حكومة نتنياهو اعلنت رسميا عن "تشريع اربع بؤر إستيطانية" عشية زيارة الوزير الاميركي. بالاضافة الى مواصلة عمليات البناء في المستعمرات الاسرائيلية، والاعتقال والهدم وتصعيد عمليات القتل للفلسطينيين ... إلخ مما أثار غضب السيد كيري، ودفعه لاستيضاح الامر من السفير الاسرائيلي في واشنطن عن دلالات السياسات الاسرائيلية؟

المراقب الموضوعي لجهود رئيس الديبلوماسية الاميركية، يصل الى إستنتاج خلاصته، ان إسرائيل كما فعل لبيدفي مقابلته المذكورة، ستتبع منطق المماطلة والتسويف والتضليل، من جهة ستقول نعم لخيار الدولتين، ومن جهة أخرى، ستقول لاءاتها المذكورة؟ وإن كان كيري وسيده القابع في البيت الابيض يملكا عصا موسى السحرية، عليهما ان يحدثا الاختراق المطلوب!؟

حكومة اقصى اليمين الاسرائيلي تلعب مع الولايات المتحدة واقطاب الرباعية الدولية لعبة الاستغماية. لانها ليست مستعدة لخيار التسوية. ولا تريد ان تدفع إستحقاقات السلام. الامر الذي يفرض على الولاييات المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي والامم المتحدة والصين واليابان والهند والبرازيل والارجنتين وغيرها من الاقطاب والكتل الاممية الضغط علىها (اسرائيل) من خلال إستخدام سلاح العقوبات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والامنية والثقافية، لالزامها بتلك الاستحقاقات. ودون ذلك لن تجدي نفعا جهود الادارة الاميركية، وستذهب هباءا منثورا مع ريح الاستيطان الاستعماري واللاءات المعروفة.

يعلم جون كيري جيدا، ان القيادات الفلسطينية والعربية لم تدخر جهدا من اجل تحفيز الطرف الاسرائيلي إلآ وعملته. ومع ذلك وجدت آذان إسرائيلية من طين وعجين، لان القيادة الاسرائيلية لا تريد ان تسمع، ولا ان ترى سوى خيار تبديد عملية السلام، والتخندق في الاستيطان والتهويد ومصادرة الاراضي والترانسفير.

في ضوء ما تقدم، هل يملك وزير خارجية اميركا مفتاح سري لاختراق جدار الصمم الاسرائيلي؟ ام ان السيد كيري يعمل من حيث يدري او لا يدري على التساوق مع المنطق الاسرائيلي، منطق التسويف والمماطلة حتى تتمكن حكومة نتنياهو من فرض اجندتها ورؤيتها على ارض الواقع وتقتل التسوية السياسية وخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟ وما هي حدود صبر واحتمال القيادة الفلسطينية ؟ وهل الشعب الفلسطيني سيبقى ينتظر الى ماشاء الله "مصباح علاء الدين" الاميركي؟

السياسة الواقعية الفلسطينية خدمت القيادة والشعب في فضح وتعرية إسرائيل. ولكن هذه السياسة تصطدم يوميا بانتهاكات وجرائم إسرائيلية في ظل صمت دولي وعربي معلن، يفقدها الابعاد الايجابية، التي ترجى منها. الامر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية إبلاغ كيري موقفا لا لبس فيه، ولا ضبابية تغطيه، بانها لم تعد تحتمل سياسة الانتظار المجانية، لاسيما وان إسرائيل لم تعلن حتى اللحظة عن اي خطوة ولو صغيرة تشير الى رغبتها بتحرك عملية السلام، وبالتالي على الراعي الاميركي تحديد جدول زمني نهائي لتحركه، وبحيث لا يتجاوز منتصف الشهر القادم، وبعدها تكون القيادة الفلسطينية في حل من أي إلتزام بعدم التوجه للمنظمات الدولية والانضمام اليها، وخاصة لمحمكمة الجنايات الدولية، وتصعيد شامل للمقاومة الشعبية واتخاذ سلسلة من الاجراءات المتوافقة معها عربيا واسلاميا ودوليا، فضلا عن الاندفاع بقوة نحو خيار المصالحة الوطنية، وإلزام حركة الانقلاب بها رغما عنها وتحت طائلة المسؤولية من خلال تغيير اساليب المخاطبة مع القيادات المتنفذة في الانقلاب الحمساوي، لان إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، تعتبر سلاحا مهما في مواجهة تحديات الاحتلال الاسرائيلي، والتقدم نحو الاهداف الوطنية وخاصة هدف الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.