ولدت مناضلة، بكفة يدها الخشنة غرست الشجاعة وأبت أن يموت داخلها النابض بالحرية، ورفضت التخلي عن أرضها وشعبها وحلمها الأبي. اعتبرت نفسها جذعاً صامداً من جذوع الأشجار الصلبة في أرض والدها، هي ربيحة ذياب وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية، والأسيرة السابقة، والقائدة الميدانية للانتفاضة الأولى في الضفة، صنعت تجربتها النضالية ضد الوجود الإسرائيلي ما تفخر به كل امرأة فلسطينية.

اعتقلت لأول مرة في عام 1968 إثر تظاهرها، واعتقلت مرة أخرى في يوليو عام 1976 حيث حكم عليها بالسجن 3 سنوات، مرة أخرى اعتقلت في 15/5/1981، وحكم عليها بالسجن لمدة 5 سنوات، قضت منهم 4 سنوات، وبعد ذلك عاشت بكل حواسها تفاصيل الانتفاضة الأولى حيث اعتقلت على خلفية الأحداث 4 مرات وتلك كانت مجرد تحقيقات، وبعدها خضعت للإقامة الجبرية مرتين وكل مرّة كانت مدة 6 شهور. خُتمت هوية المناضلة الوزيرة ربيحة ذياب بـ7 أختام إسرائيلية ومن هنا تبدأ مشقتها حيث لا نهاية.

تبادلت الوزيرة ذياب زنزانة كبت الحرية مع زوجها، فكانت العلاقة عكسية تماماً، عند اعتقال المناضلة ربيحة، يتم الإفراج عن زوجها، وعندما يُعتقل الزوج يتم الإفراج عنها، ولم تقف الأحداث عند تبادل الزنزانات، إنما تعرضت المناضلة الفلسطينية آنذاك لتهديداتٍ تسحق الأمومة، حيث قال لها أحد الضباط آنذاك: "سنسلب منك طفلتك لنعطيها للمستوطنين"، وهذا كجزء من الضغط الممارس على المناضلين الفلسطينيين حينها. وتذكر الوزيرة المناضلة أنها اعتقلت مرتين خلال حملها، ومرتين خلال إرضاع طفلتها.

لا زالت الدبابات والمجنزرات الزيّ الرسمي لقوات الجيش الإسرائيلي جزءً من ذاكرتها التي تأبى النسيان فتقول ذياب: "لا زلت أرى أمامي الدبابات وقوات الجيش والمجنزرات تمر من أمام منزلي".

وأعلنت في حينها أن تكون فدائية لأول مرّة، بعد أن قرأت كتابات جميلة أبو حيرد المناضلة الجزائرية التي أفرج عنها بعد أن تدخلت الحركات الإنسانية لتعرقل قرار إعدامها. لم تشبع من تأثرها بها إلاّ بعد أن قررت أن تكون فدائية. درست ذياب في الأكاديمية علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية والذي يحصل طلابه على اللقب في السنة الثالثة، إلاّ أن المناضلة الفلسطينية حصلت على اللقب بعد 25 عاماً، كما ودرست التاريخ في العاصمة بيروت.

ولم تكتفِ المناضلة ذياب في النضال الميداني، إلا أنها استمرت في نضالها الوزاري حيث تم تعيينها وزيرة لشؤون المرأة الفلسطينية في مدينة رام الله، لتقود الوعي النسائي والنضال الفلسطيني الأنثوي من خلال إرادتها الصامدة وحلمها الجارف باستعادة أحلام الصبا.

وتقول ذياب عن المرأة الفلسطينية أنها المجتمع بأكمله، فالمرأة درع فتاك لا يقوى عليه سلاح آخر، جدير بالنضال والعناد والمقاومة، عزيمة قوية وصامدة ليست كأي امرأة، للمرأة الفلسطينية دور مهم في استمرارية النضال الفلسطيني والدفاع عن الذاكرة التي تأبى أن تموت رغم المنفى والشتات، فهي التي زرعت في أبنائها حب فلسطيني عميق، فعرفوها عن ظهر قلب، حتى بولادتهم في الشتات، وكل هذا بفضل المرأة الفلسطينية التي حافظت على منزلها، وأبناءها، وأسرتها حتى لو استشهد زوجها أو غاب، أو اعتقل حتى في ربيع عمرها، فهي الدرع الواقي لكيانها وكيان أسرتها ومنزلها. وهنا تكمن أهمية المرأة الفلسطينية ودورها في المجتمع الفلسطيني، علماً بأنها اقتحمت بجدارتها وذكاءها وإرادتها القوية مجالات متعددة في المجتمع الفلسطيني، حيث فرض عليها النضال دوراً أساسياً في بناء المؤسسات، في صنع القرار الفلسطيني، فلم تعد المرأة الفلسطينية عنواناً لتقديم الخدمات، وهذا الانقلاب أو التحول الإيجابي وصلت له المرأة خلال الحديث حول إنشاء الدولة الفلسطينية.

وتضيف ذياب: "إذا لم تأخذ المرأة الفلسطينية حقها في القيادة الآن، فلن تأخذ حقها لاحقاً وستعود مرة أخرى من حيث أتت". وبالتالي حققت الكثيرات من النساء الفلسطينيات هدف القيادة وتحملن المسؤولية، وكنَّ الرائدات والسباقات حتى في تشغيل المناصب السياسية، وسن وتشريع القوانين".