تحقيق/ مصطفى ابو حرب

يُعدُّ مخيم البداوي واحداً من أكثر المخيمات احتضاناً للفلسطينيين، خاصةً بعد اندلاع أزمة مخيم نهر البارد ولجوء أهالي البارد إليه، إلى جانب نزوح الفلسطينيين اللاجئين من سوريا بفعل الأزمة السورية. ولكنَّ ما يمنح هذا المخيم خصوصية فريدة هو كونه واقعاً على عدة خطوط تماس ما يجعل أمنه المجتمعي هاجساً مؤرقاً في ظل انشغال أهاليه أصلاً بتأمين قوتهم اليومي.

مخيم حاضن للفلسطينيين

ينظر أمين سر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في منطقة الشمال أبو جهاد فياض إلى مخيم البداوي على أنه جامع شتات مخيمات، لافتاً إلى أن ذلك يعود لكون البداوي قد استقبل نازحي مخيمات بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ونازحي مخيمات الجنوب، فتكوَّنت تجمعات جديدة داخله. وفي عام 2007 استقبل مخيم البداوي جميع أهالي مخيم نهر البارد بعد النكبة التي حلَّت بأهله إثر حرب الجيش ضد عصابة العبسي، ولا زال يقيم فيه ما يزيد على ألف عائلة من أهالي البارد. واليوم فإن مخيم البداوي أيضاً يستقبل عائلات من اللاجئين الفلسطينيين المهجَّرين من مخيمات سوريا، حيثُ تعدَّى عدد العائلات المهجَّرة الـ1600 عائلة وهو قابل للزيادة بسبب الأوضاع، مما يعني أن مخيم البداوي الذي لا تزيد مساحته عن  1 كلم2 يجمع شتات ما يزيد على 40000 نسمة أي أكثر من أربع أو خمس مخيمات، وبالتالي فذلك يحتِّم على الجميع العمل بمسؤولية عالية على كافة المستويات للعبور بالسفينة وسط الأنواء إلى بر الأمان.

وبالنسبة للعلاقة بين الفصائل الفلسطينية، يؤكِّد فياض بأنها جيدة جداً ونموذج يجب أن تحتذي به كافة المخيمات الفلسطينية في لبنان وتحديداً بعد أزمة مخيم نهر البارد، مضيفاً: "وجدت الفصائل نفسها مسؤولة بشكل مباشر عن حفظ أمن المجتمع الفلسطيني والدفاع عنه وعدم السماح لأيِّ كان وتحت أي مسمى بالعبث بأمن المخيم، وتحديداً التيارات والقوى الغريبة عن مجتمعنا وعن التوجهات الفلسطينية. فلا وجود في مخيم البداوي إلا للفصائل الفلسطينية المعروفة للجميع، وهناك قيادة دورية لهذه الفصائل من فصائل منظمة التحرير وقوى التحالف والكل الفلسطيني مجمع على أن الحفاظ على أمن المخيم هو الأساس ولا يمكن التفريط بذلك تحت أيَّة مسميات".

أمَّا عن وقوع مخيم البداوي من الناحية الجغرافية على حدود خطوط تماس ساخنة بين جبل محسن والتبانة والمنكوبين، فيقول فياض: "لقد شهدت هذه المنطقة 16 جولة من الاشتباكات منذ العام 2003 ولم ينجر المخيم إلى أي طرف من الأطراف رغم محاولات لجرنا من خلال استهداف المخيم ببعض القذائف أو الطلقات التي أدَّت إلى إصابة عدد من أبناء المخيم، بل إننا شكَّلنا قوة أمنية مشتركة من كل الفصائل تعمل على حماية المخيم لأننا كفلسطينيين قرَّرنا النأي بأنفسنا وعدم التدخل في الشأن الداخلي للبنان. فنحن لسنا مع طرف ضد آخر في لبنان، بل نحن مع السلم الأهلي. وإذا استطعنا أن نوفِّق بين الأطراف فلن ندَّخر جهداً في سبيل ذلك".

من جهة ثانية، يشير فياض إلى أن تعاون الفصائل لحفظ أمن المخيم ايجابي جداً، لأن المسؤولية كبيرة ولا تتحمل المجازفة بأرواح وأملاك الناس، لافتاً إلى أن ما حصل في مخيم البارد لا يمكن السماح بتكراره لأن الخسارة كانت كبيرة على المستوى الإنساني والمادي والمعنوي.

وحول علاقة مخيم البداوي بجواره اللبناني وبالقوى والأحزاب اللبنانية على كافة انتماءاتها يؤكد فياض كونها ممتازة، مشدِّداً على وجود تواصل دائم وتشاور بين الطرفين، مضيفاً: "نحن أيضاً نتواصل مع رؤساء البلديات والمخاتير، والجميع يُثني على موقفنا الحيادي ويقدِّره في ظل ما يجري من فتن".

أمَّا بالنسبة لما تتداوله الصحف ومحاولتها لاستهداف مخيم البداوي، يعلِّق فياض قائلاً: "هناك صحافة صفراء لا تجد من يشتريها فتحاول إثارة مواضيع قد تجذب القرَّاء. وكان نصيب مخيم البداوي أن يتداول اسمه، إلا أن المؤكَّد هو أن كل تلك الأخبار هي محض أكاذيب. فمخيم البداوي يعيش حالةً مغايرةً تماماً عما تتداوله الصحف، إذ أنه لا وجود لعناصر غريبة في المخيم ولا لمراكز اعتقال. والمخيم مفتوح أمام الجميع. كذلك فبالإضافة للفلسطينيين، هناك عائلات لبنانية وسورية تعيش في المخيم وبإمكان أيٍّ كان زيارة المخيم والاطلاع على الهدوء والحياة العادية فيه. ونحن نؤكِّد بأن حالة الانقسام الموجودة في الشارع اللبناني بين مؤيِّد ومعارض لما يجري في سوريا هي بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الذي يرفض كلَّ ما يجري في الوطن العربي من سفك للدماء وتدمير لمقدرات الأمة بتعليمات أميركية ولمصلحة الصهيونية".

جهود متضافرة لحفظ الأمن الاجتماعي

في ما يتعلَّق بالأمن الاجتماعي يشير فياض إلى وجود عدد من المؤسسات التي تقوم بالتنسيق مع اللجنة الشعبية في مخيم البداوي لترتيب كافة الأمور التي تتعلَّق بالبُنى التحتية للمجتمع المحلي كلجان المتابعة والأونروا مما يُخفِّف من حالات النزاع والاختلاف ويبعث على الاطمئنان ويعزِّز الأمن الاجتماعي، ويساعد الفصائل على التفرُّغ لحفظ الأمن الداخلي للمخيم، ويضيف: "أعتقد أن هذا ما يعتبر تكاملاً بين الفصائل والمجتمع المحلي، وتحديداً في مخيم البداوي. واليوم تؤدي اللجنة الشعبية دوراً مهماً في الإشراف على عمل المؤسسات وحالة لجوء الإخوة الفلسطينيين من مخيمات سوريا".

كذلك يشير فياض إلى أن أية بقعة في لبنان يكون عدد سكانها مماثلاً لعدد سكان البداوي، سيكون فيها عشرة أضعاف المشاكل الموجودة في المخيم، وذلك يعود إلى أن الجميع يتحمَّل المسؤولية ويدرك بأن المخاطرة ممنوعة وكارثية لذلك فلا وجود لأيَّة مشاكل، ويتابع: "عامةً فإنَّ مجتمعنا الفلسطيني مجتمع هادئ، تحكمه العلاقات الاجتماعية المميَّزة والكل يعرف بعضه، لذا فلا وجود لأيَّة مشاكل حتى في ظل وجود الإخوة من سوريا الذين حلوا ضيوفاً علينا من بلد آخر إلا أنهم من ذات النسيج الاجتماعي والوطني".

كما ينوِّه فياض إلى أنَّ الفلسطينيين النازحين من سوريا يعانون أوضاعاً مأساويةً لأسباب عدة منها عدم الوجود الفعلي للإغاثة بشكل منظَّم ودوري، موضحاً: "لا الأونروا تتحمل مسؤولياتها، ولا مؤسسات المجتمع المحلي تستطيع تحمُّل أعباء هذا الكم من اللاجئين، ولا حتى الفصائل لديها الامكانيات. ورغم أن الفلسطيني اللاجئ جاء إلى لبنان هرباً من جحيم الحرب مثله مثل اللاجئ السوري، ولكنه للأسف لا يعامَل أسوة به من قِبَل المؤسسات وهذا مجحف ولا إنساني. هذا إضافةً إلى أن المعاناة تبدأ عند محاولة تأمين بدل الإيجار للمنزل، ثم تأمين الكساء والطعام وأشياء أخرى، ناهيك عن التكلفة المعيشية المرتفعة في لبنان في ظل عدم توفر فرص العمل. فكل هذه الأمور ترمي بثقلها على اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات سوريا. إلا أن الفصائل تحاول أن تقوم ببعض الواجب. وهناك مؤسسات قامت بجهد كبير. ولكن كل ما تم تقديمه غير كافٍ بالمقارنة مع الظروف المأساوية والمعاناة اليومية للاجئين من مخيمات سوريا".

من جهته يرى مسؤول مكتب الخدمات في اللجنة الشعبية لمخيم البداوي أبو رامي خطَّار بأن عمل اللجنة الشعبية يشكل صلة الوصل بين المجتمع المحلي والفصائل لجهة التنسيق وطرح المواضيع التي تخدم المجتمع الفلسطيني لأن أمين سر اللجنة الشعبية هو عضو في قيادة المقاومة التي تناقش مشاكل وهموم اللجنة الشعبية التي تعمل الفصائل على حلِّها بما يتناسب وطموحات الناس، لافتاً إلى أن مسؤول اللجنة الأمنية في المخيم هو أيضاً عضو في اللجنة الشعبية ويعمل على تنفيذ تعليمات اللجنة الشعبية.

أمَّا بالنسبة للتكامل ما بين المجتمع المحلي واللجنة الشعبية، فيشير خطَّار إلى وجود لجان ذات اختصاص داخل إطار اللجنة الشعبية منها اللجنة التربوية، واللجنة الصحية، ولجان أخرى تقوم بعملها مع الجهات المختصَّة لتخفيف الأعباء عن كاهل الأهالي وبالتالي تدعم الاستقرار النفسي والاجتماعي.

وينوِّه خطَّار إلى أن اللجنة الشعبية تتابع مؤسسات المجتمع المحلي بشكل مباشر، حيثُ تعقد الاجتماعات الدورية، وتتم مناقشة كافة الأمور التي تتعلَّق بأهالي المخيم ويتم وضع الحلول المناسبة لها على كافة المستويات الخدماتية والإنسانية والاجتماعية، مما يخفف من المشاكل ويدعم الأمن الاجتماعي للأهالي.

وحول وضع النازحين الفلسطينيين من سوريا، يؤكد خطَّار أن اللجنة الشعبية في المخيم تتابع هذا الملف بكافة تفاصيله، ومن خلال تشكيل لجنة من المؤسسات سُميَّت بلجنة دعم ومناصرة اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات سوريا، ويضيف: "رغم متابعة اللجنة الشعبية لجميع المواضيع المتعلِّقة بالنازحين، إلا أن ما يتم تقديمه لهم لا يضاهي شيئاً نسبةً لما يحتاجونه خاصةً على صعيد المسكن والملبس والدواء. وللإشارة فإن وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين من سوريا يشكِّل ضغطاً اجتماعياً على مخيم البداوي لجهة عدم وجود أماكن سكن، ولكنه لا يشكل أي ضغط أمني لأننا أبناء شعب واحد وقضيتنا واحدة".