تحقيق/ وليد درباس

الشعب الفلسطيني رجالاً ونساءً يافعين وحتى أطفالاً يشاركون في معركة الحرية والاستقلال الوطني، لكلٍ دوره وأسلوبه ومهارته. فالنضال لا يتوقف عند حدود الكفاح العسكري أو المقاومة الشعبية، بل إنه يطال حقل التربية والثقافة والفن باختلاف أشكاله. ومن هنا فقد كان لبروز المواهب المميزة أثر في تأسيس العديد من الفرق الواعدة ومنها فرقة بيسان.

ولادة موهبـة

يعود الفضل في تأسيس فرقة بيسان إلى جهود الفنان المسرحي محمـد السلال. والفنان السلال من مواليد عام 1967. عمل مدرِّساً لمادة الموسيقى، وتخرَّج من معهد المدرِّسين متخصِّصاً في الموسيقى، ولجانبها يجيـد العمل المسرحي كتابـةً وأداءً، وإخراجاً، وتدريباً، وهو من المواهب الفلسطينية التي نزحت مؤخراً سوريا من سوريا باتجاه مخيمات صيدا.

وفيما يتعلَّق باكتشافه لموهبته يقول السلال: "هناك أشياء تولـد مع الإنسان بالفطرة ولا تُصنـع"، لافتاً إلى أن الفن موهبة وفطرة اكتسبها عن جـده ووالـده باعتبارهما من فئـة قُرَّاء القرآن الكريم ومجوديه. ويستذكر بهذا السياق لجـوءه شبه الدائم لابتداع الموسيقى من كل ما كان يجده حوله، مشيراً إلى أنه كان كلما اشتد عوده تنامى حبـُّه للفن، إلى أن شدَّه المسرح في سن الثانية عشرة.

تأسيس الفرقـة

حول تأسيس الفرقة ونشوئها يقول السلال: "في العام 1993، بدأت مرحلة التأسيس، ولم تخلُ آنذاك من الصعوبات، وبعد أكثر من هـزَّة متمثِّلة بدخـول أعضاء جدد للفرقة وخروج آخرين استقرَّت الحال".

هذا وقد كان يتراوح عدد أفراد الفرقة في سوريا ما بين 20 إلى 25 فرداً من الجنسين هواةً ومحترفينً، شباباً وأطفالاً فلسطينيين وسوريين. وفي هذا السياق يؤكـِّد السلال أن "سوريا بلـد الجميـع ..ولا تفرِّق بين المقيمين فيها"، ويضيف:"في البداية حملت الفرقة اسم "أحلام الطفولـة" وكان لها مقر في دار الثقافة في مخيم اليرموك. وفي وقت لاحـق، اقتضت الضرورة إجراء تعديل على اسمها فأصبح "فرقة بيسان لمسرح الأطفال" تيمُّناً بالوطن وببلدة بيسان الفلسطينية".

رسالة فرقـة بيسان

بالنسبة للفنان محمد السلال فالمسرح منبـر ثقافة وتوعية، حيثُ يلفت السلال إلى أن مقدِّمي العمل المسرحي هم بموقـع الموجِّه للجماهير. وبالتالي فاستخدامهم للقالب الكوميدي بإتقان وإبداع يشُدُّ الجمهور لتتبع العرض والتعرُّف على ماهيته عموماً وايصال الرسائل الهادفة. وينوه السلال إلى أن الفرقـة تتوجَّه إلى الأطفال من جهة، ولأهاليهم وعموم الفلسطينيين من جهة أخرى. بيدَ أن هذا التوجُّه يرتبط بصلة مباشرة بحالة الحرمان التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون من جهة، وبحرمان الفنان السلال من نعمة الطفولة ومباهجها من جهة ثانية، مما جعله يسعى من خلال عمله  للتقديم فسحة من الأمل والفرح للأطفال، وللفت انتباه الأهالي للاهتمام بأطفالهم وتوفير الرعاية لهم.  

الأعمـال المسرحية

تتعدَّد أعمال فرقة بيسان المسرحية، وهي بحسب السلال تتراوح ما بين 30 إلى 36 عملاً فنياً ومنها على سبيل الذكـر "محطات فلسطينية، وبائع الورد، وهـدية العيد، والمنادي، والمشاغب، وخيال الظل، والحجر الأحمر، وعصفور بيسان، والغراب الأسـود، ومسرح العرايس ...الـخ"، وتصنَّف إلى مجموعتين. الأولى تمثِّل أعمالاً مسرحية موجَّهة من الكبار إلى الصغار، فيما تشمل الثانية أعمالاً مسرحية موجهةً من الصغار إلى الكبار، بحيث تشكل كلاهما رسائلاً متبادلةً بين الطرفين على قاعـدة الوصول لتنشئة سليمة  وسـط مناخات من المودَّة والمرح واللعب. وحول أبرز مشاركات الفرقة يقول السلال: "علاقة الفرقة بنقابة الفنانين السوريين من جهة، وكون بعض أعضاء الفرقة من منتسبيها من جهة ثانية، عزَّز دور الفرقة، وقدَّم لها أعمالاً عديدة، ومكَّنها من عرض بعضها في المهرجانات التي كان بعضها خارج سوريا كالبحرين مثلاً"، لافتاً إلى أنها مكَّنته أيضاً على صعيد شخصي من الانفتاح والتواصل مع العديد من المراكـز الثقافية في سوريا وخارجها، في وقت لم يوجد فيه فرع للاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين.

التطلعات المستقبلية

إثر النزوح إلى لبنان، باشـر السلال بتشكيل نـواة لفرقة بيسان. وكبداية فقد ضمَّت الفرقة 7 إلى 8 هـواة من أهالي مخيمات صيدا، تراوحت أعمارهم ما بين 15 إلى 20 عاماً من كلا الجنسين، ونجحت هذه الفرقة بتقديم أولى بواكير عملها وهي "مسرحية الثعلب الماكر" على مسرح الشهيد زياد الأطرش، وبعض المهارات الفنية بمناسبة أسبوع القراءة في روضة هدى شعلان. ولـدى الفرقـة حالياً أعمال مطروحة على الطاولة ومنها عمل مسرحي بعنوان "هُـونْ بيتنـا"، وحول هذا الأمر يعلِّق السلال قائلاً: "سنعمل على تقديم هذا العمل وسواه فور توفُّـر الإمكانيات"، مؤكداً أن ما تقدمه الفرقة لا يساوي 3% من قدراتها الفنية، ومشدَّداً على أنه في حال توفَّرت الحاضنة والمكان الملائم للفرقة ودونما تسيـيس فإنَّها ستقدِّم أعمالاً مبدعـة على حد تعبيره.

طاقات واعدة

لا شكَّ أن العمل الناجح يحتاج لتضافر جهود أعضاء الفرقة وتنوع مواهبهم. ودعـاء خلف ابنة العشرين ربيعاً، هي إحدى أعضاء فرقة بيسان ممن أبدعوا في مسرحية الثعلب الماكـر حتى وصفها المخرج المسرحي محمد السلال بذات موهبة من مستوى متقدِّم، علماً أن دعاء تخصَّصت في التجارة والمحاسبة، وهي عضو سابق بفرقة الكوفية منذ العام 2003.

وحول رأيها بأداء الفرقة تقول دعاء: "رغم أن التدريب اقتصر على إحدى غرف بيت السلال، فالحركات والإيماءات التي يقوم أفراد الفرقة بها تشير إلى أنهم يمتلكون مهارات تؤهِّلهم ليكونوا بوقت قصير جـداً فنانين مسرحين. فنحن نحتاج من يأخذ بأيدينا وبأفكارنا"، وتختـم بالقول "اهتمام الفرقة بالأطفال وحبي لهم دفعني للانتساب إليها".       

أمَّا الطفل طارق السلال، وعمره ثلاثة عشر عاماً، فهو في الصف السابع، وعضو بالفرقة منذ الصغر. وقد أدَّى طارق عدة أدوار وهو في سن الرابعة، وله بصمات في أكثر من مسرحية منها "بائع الورد، وهدية العيد، والمنادي، والمشاغب وغيرها". ويرى طارق أن العمل المسرحي فرصة جميلة للتسلية، حيثُ أنه يُفضل العمل المسرحي على الدبكة والحركات الاستعراضية كون الأولى توفـِّر له فرصة  للتعبير عـن ذاتـه وإظهار قـدراتـه. ويختم معلِّقاً حول ما يشده للعمل المسرحي بالقول: "أخالط الصغار ممن هم بسني في الفرقة، وأختلط بالكبار في العمل المسرحي، كي تصبح شخصيتي قويةً، وأتعلم أصول المسرحية...وهذا أفضل من الخروج إلى الشارع".