من الطبيعي أن تتهم أوساط اسرائيلية الرئيس أبو مازن وحكومته بأنها وراء الاحتجاجات المتواصلة بالضفة، متخذة مظاهر التضامن مع الأسرى حتى لو ادعت ان ذلك بهدف تسخين الاجواء بعيد زيارة أوباما للمنطقة.
إن السياسيين الاسرائيليين يشيرون للإحباط الفلسطيني سياسيا واقتصاديا، كما يشير الكاتب حلمي موسى هذا الاحباط المترافق مع الخيبة والمرتبطة بغياب الأفق السياسي وافتقاد المبادرة الاسرائيلية الحقيقية لتحريك العمل السياسي.
وفي مقابل التحذير الاسرائيلي من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة كبرى يرجونها مسلحة كي يمتلكوا الذريعة ومبرر الرد، فان عددا من السياسيين الاسرائيليين والكتاب يراجعون أنفسهم وسياساتهم، فها هو (عمير ربابورت) يخفض من مستوى التوقعات بالقول في معاريف انه (في الجيش والمخابرات الاسرائيلية ليسوا واثقين من أن لدى الجمهور ما يكفي من الطاقة المتراكمة لإشعال الانتفاضة الثالثة واستدامتها لزمن طويل)، فيما يدعو (اليكس فيشمان) أن تغير الحكومة الاسرائيلية سياسة النعامة وتفرج عن السجناء الفلسطينيين مع تشديد لدور القوات المسلحة الاسرائيلية بذات الوقت، كي تنقل (رسالة واضحة للشارع الفلسطيني تقول ان اسرائيل مصممة على وقف موجة العنف وليكن ما يكون).
أيضا من المهم التأكيد على أن الصحافة الاسرائيلية -مع السياسيين والعسكريين- تدرك تماما خطر الانتفاضة على الاسرائيليين خاصة تلك المقترنة بالعنف ما دعا هيئة تحرير صحفية هآرتس للمطالبة بضبط النفس والتحكم في الجنود الاسرائيليين وتحرير مدروس للسجناء الفلسطينيين ما تراه هاما ولكنه ليس بديلا عن (مفاوضات سياسية أو تسوية ... تنزع من الحجر او الرصاصة حق "الفيتو" عن كل احتمال في التسوية).
أما على الصعيد العربي والفلسطيني فان الاختناق السياسي والاقتصادي داخليا يلهب دعوات عدد من السياسيين والكتاب وكذلك نشطاء التواصل الاجتماعي لإشعال انتفاضة فلسطينية ثالثة، دون أن يرسم أحد منهم خطوط أو خطة أو ملامح أو سراطية (= استراتيجية) عمل هذه الانتفاضة مفترضين الهبّة العفوية البعيدة عنهم فيتساوقون معها لأهداف حزبية أو فئوية أو خاصة خارج الهدف الوطني أو القومي العام ، وكأن (الانفجار) ان حصل كما يأملون سيعرف مداه أو سيتمكن أحد من احسان ادارته أو السيطرة عليه.
ولننظر قليلا في تصريحات متناقضة حيث يقول يحيى موسى من قيادة حماس ان (السلطة وعبر أجهزتها الأمنية المختلفة تسعى لإفشال أو قتل أي جهود فلسطينية داخلية تبذل لاندلاع انتفاضة ثالثة بوجه الاحتلال الاسرائيلي)، بينما عزت الرشق من قيادة المكتب السياسي لحماس وغيره يحثون على الانتفاضة دون تحديد واضح للمعنى، وعزيز دويك يقول من جانبه محللا على فضائية الفلسطينية انه ( قد تتطور الهبات الجماهيرية الى انتفاضة عارمة وربما أكثر من ذلك ... ).
في المقابل ومن مربع العقلانية نستمع لـ د. سميح شبيب في رائي فلسطين ليقول: ان (هناك مصلحة اسرائيلية في جر الطرف الفلسطيني الى مربع عسكري كما حصل في الانتفاضة الثانية)، ويزيد قائلا ان (حماس تحاول أن تجرنا لأمور ومصالح فئوية وحزبية ضيقة وتحاول أن توظف كل شيء لصالحها وليس لصالح الشعب الفلسطيني على الاطلاق).
بينما جواد الحمد من قيادة حماس بالأردن يقول (لا يمكن لفتح وحماس ان تقبلا انتفاضة ثالثة) في تحليل يبدو متعقلا، ويعود للقول نريد (ثورة كبيرة على الاحتلال) حيث ان (المطلوب أن يتحرك الذراع الآخر الذي اسمه الضفة وأن يثور على الاحتلال حتى نقطف ثمار الانتصار في غزة)، ونستمع أيضا الى د. عدنان ابو عمار مؤكدا ان الشعب قادر على صنع ثورة وانتفاضة بلا معيق وذلك على فضائية الاقصى التابعة لحماس في غزة.
أما المحلل السياسي طلال عوكل وعلى رائي (فضائية) فلسطين فيقول اننا (لا نريد العودة لاستخدام السلاح لان إسرائيل ستكون الرابحة) في مقابل ما يقولة ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية من أن (شعبنا سيفاجئ العالم بالانتفاضة الثالثة).
من مجمل هذه التصريحات القليلة التي أوردناها، وغيرها نقرأ الكثير في الصحف الفلسطينية والعربية لندرك أن الفلسطينيين والعرب "يأملون" في تحريك الوضع السياسي الراكد، ويأملون بتحرير الأسرى وتحقيق الوحدة والخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية والسياسية، ما يكسب مطالب المقاومة والنضال الشعبي والانتفاضة مصداقية عالية، وان رأي كل منهم معنى الانتفاضة بدرجات تتفاوت بين الرصاصة والحجر والصورة.
ولكنهم أيضا "يأملون" بانتفاضة تحركهم هم –كعرب- في نزاعاتهم الداخلية العربية في بلدانهم، ويأملون بانتفاضة الفلسطيني علّهم يصرخون في وجه "الربيع العربي" أن كفى ربيعا جلب الفوضى والتناحر.... وليس لسواد عيون الفلسطينيين.
إن الحض على استمرار مقاومة أو تواصل نضال الشعب الفلسطيني ما لا يرفضه فلسطيني أبدا ليس فعلا اعلاميا ولا فيسبوكيا ولا كلاميا يعتمد الصورة أبدا، إنه تخطيط وخطة وسراطية وبرنامج ومال ودعم مؤسسات ودول إن لم يتم اعتماده بشكل جماعي فلسطينيا، وعربيا، فان أي حراك جماعي فلسطيني مهما كبر ان انزلق للسلاح في ظل موازين مختلة، محكوم بالفشل أو تجييره فقط لأهداف حزبية أو فئوية ضعيفة وليس لمصلحة فلسطين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها