المشكلة الداخلية التي تقترب من نهاية عامها السادس، مشكلة الانقسام، تنتج نفسها كل يوم بآلاف التفاصيل السلبية في حياتنا الفلسطينية، ليس فقط على المستوى السياسي وإنما على بقية الأصعدة الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبقية أنماط السلوك!!! وهذا أمر طبيعي لا ينكره سوى الأغبياء أو المستفيدين، ومعروف أن المصائب الكبرى التي تصيب الشعوب والأمم لها من يستفيد منها، ليس فقط على صعيد العدو الرئيسي، وإنما المستفيدين منها في الداخل، بين أطراف اللعبة الداخلية نفسها، ولذلك يوجد دائما تجار الحروب، بما فيها الحروب الأهلية، ويوجد دائما صعود شرائح وطبقات اجتماعية على حساب شرائح وطبقات أخرى، ويوجد مفاهيم خاطئة تصبح هي السائدة، وسلوكيات كانت مستعدة تصبح هي النسيج اليومي.

وبالتالي، فإنه حين نريد التخلص من هذه المصائب مثل مصيبة الانقسام، فلا بد أن تكون الحلول غير عادية، ومبدعة، وتستند إلى الغالبية الكاسحة من الناس الذين يجدون أنفسهم متضررين إلى درجة كبيرة من هذا الانقسام، يملكون القدرة على رؤية هذا الدمار الذي يسببه الانقسام والاعتراف به، حتى يتبلور في ضميرهم الشخصي والوطني ضرورة الخلاص.

منذ قرابة ست سنوات ونحن نجتر الحديث عن مفردات الانقسام، كأنما هي ثابتة في نقطة واحدة، مع العلم أن هذا الانقسام أشبه بالسرطان إنه يتمدد كل يوم، ويذهب إلى مناطق لم يكن قد وصل إليها، ونقبل بجوانب من حياتنا لم نكن نعتقد أن الانقسام يمكن أن يصل إليها، وبالتالي فإننا حين نذهب في هذه اللقاءات والحوارات التي يجربها للخلاص من الانقسام، نفاجأ بأن توصيفاتنا له أصبحت متأخرة كثيرا، ورسائلنا التي نقترحها للخروج من نفق الانقسام، كانت تصلح قبل سنة أو سنتين أو ثلاث، ولكنها لا تصلح الآن، وأن هذا الانقسام الرأسي الذي شق الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني المتاح إلى نصفين، قد توسع ليصبح ظاهرة تشمل المكونات كلها، فحتى الفصائل التي هي واقعة في أحد طرفي الانقسام، ليست بريئة من تداعيات الانقسام من داخلها!!! هي أيضا منقسمة، لأن ثوابتها لم تعد كما كانت، ومسلماتها لم تعد مقدسة مثلما كانت من قبل، وجرى في داخلها ما كانت تعتقد أنها محصنة منه بشكل مطلق!!!

من أكبر المتمترسين وراء الانقسام الآن؟؟؟ إنهم الأفراد، أو المجموعات، أو الشرائح الموكل إليها إنهاء هذا الانقسام!!! وهذه حالة عجيبة فعلا، فكثيرين من هؤلاء جعلهم الانقسام يصعدون – حسب وجهة نظرهم – إلى حالة أفضل، إلى حالة صنع القرار، إلى حالة التمايز الشديد، إلى حالة التحكم في مصير الأغلبية، وبالتالي فهم حالة اشكالية مع أنفسهم، فكيف سيتمكنون من إنهاء الانقسام الذي صعد بهم إلى أن يكونوا هم أنفسهم سلطة القرار؟؟؟

في السنتين الأخيرتين من عمر الانقسام، ور غم فقدانه لمبرراته السياسية والوطنية والأخلاقية، ور غم أن النشاط لإنهاء الانقسام بلغ أوجه، منذ الرابع من أيار 2011 وحتى الآن!!! ولكننا نلاحظ أن التقدم الموضوعي والفعلي والعملي على صعيد إنهاء الانقسام مازال صفرا، وان كل باب يفتح لإنهاء الانقسام يتم إغلاقه عبر استدعاء مفرداته الأولى، وأن الهوة بين وعي المجتمع ككل وبين النخبة التي تدير الانقسام تزداد بشكل أكثر خطورة، ذلك أن الرأي العام يسمع هذه الأيام ما كان قد سمعه مئات المرات من قبل!!! ويرى نفس ما رآه مئات المرات من قبل، وهكذا ينمو السؤال، ما هو الجديد؟؟؟

إننا مثل العالقون في الغابة، يدورون في محاولة للخروج، يتحركون، ولكنهم يكتشفون أنهم كانوا في نفس هذا الجزء من الغابة من قبل، وإذا، فإنهم لم يهتدوا بعد إلى طريق الخلاص الحقيقي!!! أو كالتائه وسط حقل من الأشواك تنخزه باستمرار، وتسيل دماؤه باستمرار، ويصبح وضعه أسوأ، ويبدأ بالقنوط من إمكانية الخروج من حقل الأشواك.

لا بد من ابتكار وسائل وآليات جديدة، مبدعة، لا بد من أن تكون الغالبية صاحبة المصلحة هي نفسها التي تتصدر المشهد، وهي نفسها صاحبة المبادرة والفعل والقرار.

و رغم ما يبدو على السطح الآن من تآكل، وفتور، ودوران في الفراغ، فإن الناس لا يمكن أن يتحملوا استمرار الحالة الراهنة.