لمن لا يعلم, فان مخيم اليرموك (عاصمة الشتات الفلسطيني) في الدول العربية المحيطة بفلسطين, كان تعداده يزيد عن مئة وستين الفا, وهو يبعد عن اثنين من احياء دمشق العريقة (المجتهد والميدان) مجرد عرض شارع رئيسي من مسارين ليس الا, وهو المخيم الذي مد الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وبجميع فصائلها بعشرات الآلاف من المقاتلين والناشطين السياسيين, وهو المخيم الذي حين زاره الزعيم الراحل ياسر عرفات في عام 1988 مشاركا في جنازة الشهيد القائد المؤسس خليل الوزير «ابو جهاد» بعد اغتياله في تونس على يد اسرائيل من خلال بانوراما عسكرية وامنية شاملة اشترك فيها سلاحا البحرية, والجو, والمجموعات القتالية عالية التدريبات, والموساد, وخبراء الاتصالات التي قطعت عن تونس وقت تنفيذ العملية، قام مئات الآلاف بحمل سيارة الزعيم ياسر عرفات وهو داخلها على الاكتاف, راسمين لوحة مدهشة عن عمق انتماء فلسطينيي سوريا الى قضيتهم المقدسة, مع العلم ان الزعيم ياسر عرفات كان قد طرد من دمشق على يد نظام حافظ الاسد بعد الانشقاق الذي رعته دمشق منتصف عام 1983 بعد الخروج من بيروت كما تم طرده من طرابلس على يد النظام السوري نفسه في الايام الاخيرة من عام 1983.
عندما اندلعت الاحداث في سوريا في ربيع 2011، سرت اشاعة متعمدة بان تلك الاحداث التي انطلقت من مدينة درعا عاصمة حوران في الجنوب السوري كان مخيم اللاجئين الفلسطينيين في درعا متورطا فيها, وتلك كانت اكذوية مفضوحة, ثم توسعت رقعة الاحداث في سوريا اسوة بما حدث في بقية العالم العربي, واشترك فيها كل انواع الشياطين, خاصة الشياطين الذين نعرفهم وهم فصائل الاسلام السياسي, والذين كانت معظم الانظمة العربية تعقد الصفقات الامنية معهم, وتلعب بهم احيانا, وتتقاسم اللعب معهم احيانا اخرى, وهم الذين لم يتركوا عدوا لهذه الامة الا قدموا له خدمة ما, بريطانيا اولا, واميركا التي ورثتها ثانيا واسرائيل الموجودة في صلب اللعبة باستمرار.
وكان رأس الشرعية الفلسطينية الرئيس ابو مازن بذل جهدا خارقا بدعوة جميع الاطراف الفلسطينية لتحييد الوجود الفلسطيني عما يجري في سوريا، لم ينجح الامر كما تتطلب المصلحة الفلسطينية العليا، ووجدنا بعض الاطراف الفلسطينية تنخرط في ممارسات الى جانب النظام مثل الجبهة الشعبية القيادة العامة، واطراف اخرى تنخرط مع جبهة النصرة والجيش السوري الحر في الطرف الآخر مثل حركة حماس، وبالتالي فان النار بكل لهيبها قد دخلت المخيم، فكان حصار وموت وجوع، وكان تهجيرقسري، ولم يبق من عاصمة الشتات الفلسطيني سوى ستة عشر الفا، واصبحنا قريبين جدا من خط النهاية وهو اعدام مخيم اليرموك، وسط معادلة معقدة على الصعيد السوري والعربي والدولي, واصبح المخيم في وضع اشكالي بالسياق التكتيكي حيث داعش الذي تحالفت معه جبهة النصرة وادخلته الى المخيم يريد ان يلحق مخيم اليرموك الى ريف دمشق الجنوبي امتدادا الى جنوب سوريا الذي حقق فيه داعش تقدما نوعيا في الشهور الاخيرة تعوضه خسائره الكبيرة في العراق، وهذا معناه ان مخيم اليرموك يقع بين المطرقة والسندان، بين داعش والنظام السوري الذي ما زال جيشه متماسكا.
ولكن السياق الاخطر هو السياق المتصل منذ عقود باعدام عدد كبير من المخيمات الفلسطينية, اسرائيل اعدمت مخيم الكرامة في اغوار الاردن، واعدمت مخيم النبطية في القاطع الشرقي من جنوب لبنان, والسوريون وحلفاؤهم الموارنة اعدموا مخيم تل الزعتر، وحزب الله واشياعه اعدموا مخيم البرج الشمالي والقاسمية فيما عرف باسم معارك المخيمات، وشيعة العراق اعدموا مخيم البلديات في بغداد،والجيش اللبناني اعدم مخيم نهر البارد في الشمال, وهاهم المتحاربون في سوريا يعدمون مخيم اليرموك.
محاولات الابقاء على حياة مخيم اليرموك فاشلة حتى الآن، فلا يوجد ذلك الجهد العربي الذي استغاث به الرئيس ابو مازن، ولكي تعاد الحياة الى اليرموك ولو بالحد الادنى فلا بد من دور رئيسي للدولة السورية، والدولة السورية معاقبة بالجامعة العربية ومقعدها شاغر، فكيف يمكن ان تنتصر لمخيم اليرموك وهي معاقبة عربيا.
هذا مستحيل، والوفود الفلسطينية التي لا تستطيع ان تصل الى المخيم نفسه تتعاون مع الأونروا ومع الصليب الاحمر، ولكن هذه الجهات لا تستطيع العمل الا بالتوافق وهو غير موجود، وحتى قرار مجلس الامن الاخير بارسال اغاثة لمن بقي المخيم يحتاج الى قوة تنفيذية وهذه ليست موجودة الا في يد النظام السوري، وهذا النظام له حيثيات يطالب بها وهو من حقه، ولكن الاجواء العربية ملبدة تتقاطع فيها المصالح العربية مع مصالح اخرى، وليس امامنا سوى ان تحدث معجزة جديدة فهل تحدث المعجزة؟؟؟ وهل لا يزال هناك مكان لتحقيق المعجزات.