مع اسدال الستارة على العملية الانتخابية الاسرائيلية، وانتهاء المعركة القاسية التي اشتركت فيها مختلف القوى السياسية، سواء اليمينية أو اليسارية وحتى تلك اليمينية المتطرفة، ويسار الوسط التقليدي. تكون هذه الانتخابات وعلى ضوء النتائج المعلنة والتي أفرزت تكتلات وتحالفات جديدة، معلنة عن تغييرات في الواقع والأحجام، كان اليمين المتطرف والقوى المتطرفة، التي تعلن المواقف المعادية بشكل مطلق للفلسطينيين، هي الأهم والابرز على الخارطة التي شكلت الكنيست، ولهذا شهدت التشكيلة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، تراجع في حضور وتأثير القوى والاحزاب التقليدية والتي ارتبط وجودها السياسي بوجود "اسرائيل" نفسها، والتي كانت تطبع الكيان بملامحها بغض النظر عن توجهاتها اليسارية أو اليمينية. ولعل ما اسفرت عنه أحجام تكتل الليكود، الذي تراجع بشكل كبير، وكذلك حزب العمل وكاديما، لهو دليل على صحة ما يمكن ان يقال عنه بالمأزق التاريخي للكيان الاسرائيلي .
ومن خلال متابعة الارقام والنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي أدت الى تسجيل تراجع مهم وكبير لتحالف نتنياهو – ليبرمان، الذي حاول ان يقطف نتائج العدوان الأخير على قطاع غزة، الذي شُنّ كمقدمة للانتخابات أو على الأقل لجعله خارطة طريق انتخابية، يبدو ان نتنياهو لم يجن المكاسب التي كان يحلم بها جراء هذا العدوان، فعلى العكس كان التراجع المدوي لحزبه وتكتله وان كان هذا التراجع لم يحرمه فرصة تشكيل الحكومة الجديدة، وهو تكليف لم تفرضه ارقام الانتخابات وحسب بل كان لتراجع باقي القوى الأخرى النصيب الأكبر في هذا التكليف، وبالتالي التشكيل العتيد خصوصاً وان القوى الاخرى لا تستطيع حتى لو تحالفت، وهذا أمر مستبعد جداً ان تشكل الحكومة القادمة.
ومن خلال النظرة على الارقام والنتائج التي اسفرت عن "معركة" الانتخابات، يتضح ان تحالف نتنياهو – ليبرمان تراجع من 42 مقعداً الى 31 مقعداً وهو ما حرم وزير الخارجية اليميني المتطرف ليبرمان في العودة الى مقعده الوزاري في الحكومة المقبلة. بالاضافة الى اتهامه بقضايا فساد ورشوة وهو الذي سيواجه المحكمة على أساسها وقد كانت المفاجأة الكبيرة ما حصل عليه حزب يش أتيد بزعامة يئير لبيد الذي حل ثانياً ب 19 مقعداً، متفوقاً ومتقدماً على كثير من القوى السياسية، بما فيها الحزب التقليدي والعريق حزب العمل الذي حل بدوره بالمركز الثالث مسجلاً تراجعاً كبيراً بحصوله على 17 مقعداً فقط.
وما حصل عليه حزب البيت اليهودي المتطرف، هو الوحيد الذي كان متوقعاً حصوله على 11 مقعداً، نتيجة لتصاعد موجات التطرف الديني والتعصب المفرط ضد الفلسطيني وهو الذي اعطى هذا الحزب المقاعد الـ 11 التي فاز بها.
أما حزب الحركة التي تتزعمه رئيسة الوزراء وزيرة الخارجية السابقة تسيبني ليفني الذي فاز بـ 6 مقاعد فقط، وهو الحزب الذي انشئ على عجل وبسرعة وبظروف فرضتها الانتخابات نفسها بعدما تعذر عليها، الانضمام الى أحد التكتلات الكبيرة التي كانت قد تسمح لها بالحصول على مكاسب أكبر في الخارطة الحكومية المقبلة.
ولعل المفاجأة الأكبر كانت الفضيحة المدوية، التي لحقت بحزب كاديما الذي يتزعمه احد رجالات الكيان الاسرائيلي العسكريين شاؤول موفاز، بعدما أُجبر زعيمه السابق يهودا اولمرت على التنحي عن الزعامة نتيجة لملاحقاته بتهم متعددة على رأسها الفساد والرشوة، اضافة الى الفشل في ايجاد صيغة مشتركة بينه وبين حليفة الآخر يهودا باراك الذين شكلوا قبل ان يعلن الأخير اعتزاله السياسة. بشكل مفاجئ، حلفاً كان من المتوقع ان يحصل على مراتب متقدمة في الخارطة الانتخابية.
أما بالنسبة للقوائم العربية فهي لم تسجل تبديلاً مفاجئاً لا سلبياً ولا ايجابياً، بل حافظت الى حد ما على اعدادها التقليدية، حيث حصلت القائمة الموحدة برئاسة النائب أحمد الطيبي على 5 مقاعد والجبهة الديمقراطية للسلام التي يرأسها النائب محمد بركة على 4 مقاعد فيما احتل نواب التجمع الوطني بزعامة جمال زحالقة على 3 مقاعد، وعليه تكون القوائم العربية قد حافظت على المقاعد الـ 12 التقليدية لها.
وعلى ضوء الخارطة الجديدة، التي أسفرت عنها تشكيلة الكنيست، من نتائج متقاربة ما بين اليمين واليمين المتطرف من جهة، وما بين اليسار ويسار الوسط من جهة ثانية، فان من المتوقع ان تكون مهمة تشكيل الحكومة العتيدة والتي عاد نتنياهو لتشكيلها على اساس انه زعيم اكبر كتلة بلغت 31 نائباً ليست سهلة وما ساعده على ذلك، ليس حجم حزبه اوتياره وتحالفه، بل نتيجة لافتقاد خصومه الذين برزوا الى مقدم الصفوف الى الخبرة والتجربة على قيادة مواجهة، كالتي كان من المفترض أن تتم بوجود شخصيات "تاريخية". وكذلك رفض زعيم ثاني كتلة يئير لبيد الذي حاز حزبه يش أتيد على 19 مقعداً، التعاون معه دون شروط، كان نتنياهو رفضها سلفاً وهي اطلاق عملية المفاوضات، مع الفلسطينيين التي تؤدي الى "الطلاق الودي" حسب تعبيره، واقامة دولة فلسطينية مع ابقاء المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية، تحت السيطرة المباشرة الاسرائيلية، وهو يعني تقسيم الضفة الى مربعات وجزر متباعدة ومنفصلة، لا يمكن ان توصل الى امكانية مفهوم "الدولة"، كما انه يعارض تقسيم القدس واستمرار السيطرة اليهودية عليها. وهذا ما يضاف الى ضعف باقي القوى الاسرائيلية، عن التأثير، بما فيها حزب العمل الذي تراجع الى مستوى 17 مقعداً فقط.
وعلى ضوء ذلك ومن خلال النظرة الشاملة على خارطة التشكيلات للكنيست الاسرائيلي، يبرز وبوضوح تقدم القوى اليمينية المتطرفة، التي تعلن مواقفها التقليدية المعادية للعرب وللفلسطينيين، وبالتالي رفض اي حلول سياسية، بل على العكس تعتبر من القوى الأكثر اصراراً على سلب الحقوق الوطنية الفلسطينية وشطبها، من خلال تسريع بناء المستوطنات وبشكل كبير وهذا ما تم الاعلان عنه فور انتهاء معركة الانتخابات، بالاضافة الى تجميد المفاوضات مع عودة الاصوات المتطرفة للذهاب الى ابعد من ذلك والتي وصل بعضها الى شن الحروب ضد الجوار بما فيها ايران تحت ذريعة القضاء على الخطر النووي التي تمثله من خلال الضربة الوقائية، ولهذا فان الخارطة السياسية، التي اسفرت عنها نتائج الانتخابات تدل ان القاسم المشترك، ما بين مختلف القوى هو العداء للفلسطينيين، وهو ما يبشر بمرحلة صعبة جداً سيواجهها الشعب الفلسطيني وقيادته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها