مؤشرات عديدة لا توحي أن زيارة الرئيس باراك اوباما في ال20 من آذار المقبل للمنطقة تحمل قوة دفع لعملية السلام المجمدة نتاج الاستعصاءات الاسرائيلية، منها: اولا خطاب اوباما اول امس الموجه للامة الاميركية، لم يحمل اية إشارة لعملية السلام، وعندما عرج على دولة التطهير العرقي، عرج ليؤكد دعم الولايات المتحدة لها. ثانيا في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الاميركي مع ناصر جودة، وزير خارجية الاردن، حرص جون كيري على قطع الطريق على اي تفاؤل يمكن تكهنه من قبل الفلسطينيين والعرب من زيارة الرئيس الاسود للمنطقة، عندما قال ، ان الرئيس يريد الاستماع الى الاطراف المعنية بالسلام، ومدى استعدادها للمضي قدما نحو السلام، وما لديها من افكار بهذا الشأن. ثالثا التلكؤ في عدم تحديد مبعوث خاص للرئيس الاميركي للمنطقة، مما يشير الى انتهاج سياسة الانتظار والترقب، مع ان واقع الحال في المنطقة لا يبعث على التفاؤل، لجهة انهيار خيار التسوية السياسية.

مؤشرات ثلاثة ذات دلالة واضحة على هبوط سقف التفاؤل من زيارة رئيس الولايات المتحدة لإسرائيل وفلسطين والاردن. لا سيما ان الادارة الاميركية، رغم الاحاديث الهاتفية الدافئة مع الرئيس عباس، يبدو انها ستبقى أسيرة الاجندة الاسرائيلية المدمرة لخيار الدولتين، لأن اطراف المنطقة وبرامجهم وسياساتهم، أمست معروفة عن ظهر قلب للرئيس اوباما، ولوزير خارجيته، الذي كان على رأس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس قبل تسلمه لمهامه كوزير للخارجية، أي انه كان لاعبا رئيسيا في رسم السياسة الخارجية للادارة، كما انه كان على تماس مع قادة المنطقة جميعا، ومطلا إطلالة تفصيلية على سياسات وخيارات قياداتها وشعوبها. ويعلم علم اليقين من هي القيادة التي تخرب عملية السلام، وتزج بها في دوامة المجهول والتبديد. وبالتالي مجرد الحديث عن العودة لاسطوانة الاستماع لمواقف القيادات الفلسطينية والعربية من جهة والاسرائيلية من جهة ثانية، يكشف عن خيبة أمل كبيرة في اوساط شعوبها وخاصة الشعب الفلسطيني وقيادته.

بالتأكيد زيارة ساكن البيت الابيض مرحب بها، ولا تملك دول المنطقة إلا فرش السجاد الأحمر لاستقباله، ومد اليد نحوه، لا سيما انه يقف على رأس اعظم قوة في التاريخ المعاصر حتى اللحظة، القوة الاقدر على دفع عملية السلام قدما الى الامام إن ارادت، لانها تملك كل اوراق القوة والضغط على الزام إسرائيل وغيرها باستحقاقات خيار الدولتين على حدود 67.

لكن إن كان الرئيس الاميركي، قادما للاستماع لوجهات نظر القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية، فالافضل ألا يأتي، وليرسل وزير خارجيته او مبعوثه الخاص بعد تسميته. لان الجهد والوقت، الذي ستسغرقه الزيارة، والحماية المرافقة له، ستكلف موازنة الادارة اموالا طائلة، هي احوج بها في ظل الازمة المالية، التي ما زالت جاثمة في المشهد الاقتصادي الاميركي. فضلا عن إرهاق قادة المنطقة وشعوبها قبل واثناء وبعد الزيارة، وارهاق موازناتها، وخاصة دولة فلسطين التي تعاني من ازمة مالية عضوية حقيقية. اضف الى ان شعوب المنطقة بحاجة لمن يرسم على شفاه ابنائها البسمة، ويفتح لها افق الامل لتحقيق خيار السلام العادل والممكن.

مع ذلك، على المراقبين السياسيين، ان يميزوا بين مستويين في السياسة، فما يطفو على سطح وسائل ومنابر الاعلام، ليس بالضرورة يعكس الواقع الحقيقي. لان ما تشهده غرف المفاوضات مختلف تماما عما يظهر في العلن. الامر الذي يجعل المرء، يفتح افقا محدودا للتفاؤل، وعدم إغلاق الامل. لان كيري أشار بوضوح، حين لفت الانتباه الى ان خيار الدولتين يكاد يندثر او تغلق الافاق امامه. وهو ما يعني، ان الادارة الاميركية معنية بعدم إضاعة الوقت، وعدم السماح لاسرائيل بتبديد خيار الدولتين على حدود 67، وبالتالي المؤشر الاخير، قد يكون الضوء الموجود في النفق المعتم. وقادم الايام كفيل باماطة اللثام عن حدود التفاؤل والتشاؤل والتشاؤم.