خاص/ مجلة القدس- حوار: عبد الله خليل

مع حلول العام الجديد وتزامناً مع ذكرى انطلاقة حركة "فتح" والثورة الفلسطينية تشهد القضية الفلسطينية مستجدات وتغيرات ملموسة وجذرية على الساحتين اللبنانية والفلسطينية الداخلية والخارجية. ومن هنا كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد ليحدثنا عن آخر هذه المستجدات وعن الوضع التنظيمي والحركي لفتح وعلاقتها مع الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية.

س: نحن على أبواب عامٍ جديد من عمر حركة "فتح"، ماذا بتقديركم سيحمل العام الجديد من إنجازات ومعطيات؟

منذ سنوات ونحن نعاني أزمة وراء أزمة سواء في وضعنا الداخلي أو في استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية وانعكاس هذا على مجمل العمل الفلسطيني على كافة الساحات بما فيها لبنان رغم أننا في لبنان وبتعاون كل القوى والفصائل والمسؤولية العالية التي تحلَّت بها حركة "فتح" في التعامل مع القضايا الفلسطينية في لبنان نجحنا في تحييد الساحة اللبنانية وإبعادها عن آثار الانقسام من خلال إيجاد صيغ عمل مشتركة مع كافة الأطراف الفلسطينية للمحافظة على وحدة الساحة هناك في التعامل مع القضايا اليومية لأبناء شعبنا الفلسطيني، حتى لا ينعكس ذلك سلباً على علاقاتنا الفلسطينية اللبنانية. ولكن آثار الانقسام لا تقتصر على الساحة اللبنانية بل الأخطر من كل ذلك آثارها على مجمل الكل الفلسطيني ورغم أن نهاية العام الحالي 2012 شهدت العدوان الإسرائيلي على غزة وتوحُّد الفلسطينيين في الداخل والخارج لمجابهة الاحتلال كل بطريقته ووفق الظروف التي يعيشها في كل الساحات، ولكن الفلسطينيين كانوا  كلغة واحدة يتكلمون بها من رأس الهرم وليس حتى القاعدة وإنما لعمق الأرض، وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بعضوية فلسطين كدولة تحت الاحتلال بصفة مراقب ليضيف أيضاً على وحدة المجتمع الفلسطيني إضافة جديدة. لذا نأمل أن تكون بدايات العام القادم مكمِّلة لنهايات العام الحالي ببذل المزيد من الجهد بصدق وإخلاص من أجل طي صفحة الانقسام البغيض التي عانينا منها كثيراً ودفعنا ثمناً غالياً من مستقبل شعبنا ومن مستقبل أطفالنا لها. كذلك لا بدَّ أن نشير إلى أن مسيرة السلام كانت متعثرةً طيلة السنوات الماضية، فقد شهد عام 2012 تحديات كبيرة بيننا وبين الجانب الإسرائيلي بسبب إصراره على المضي بسياسته المتنكرة لكل ما وقَّع عليه والتنكر لعملية السلام واستحقاقاتها، ولكنه فشل، ونقولها وبكل فخر فشل العدو في إركاع القيادة الفلسطينية وإركاع الشعب الفلسطيني رغم سياسة الاستيطان البغيض المتنامية والمتسارعة ومحاولة تهويد القدس والضغوطات المتعددة بما فيها الحصار وحجز الأموال واستمرار الاعتقالات ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، فكل ذلك لم يمكن الجانب الإسرائيلي من لي ذراع القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. كذلك فالانتصار السياسي الكبير الذي تمَّ في الأمم المتحدة هو انجاز تاريخي وليس رمزياً كما يصفه البعض من الكتاب والقوى السياسية سواء كان هذا الوصف مقصوداً أم سوء فهمٍ، فالقرار له أبعاد سياسية وقانونية كبيرة جداً على مستقبل الصراع مع إسرائيل. لذلك فنحن على أبواب العام الجديد نأمل بالفعل أن يشهد العام ترجمة للقرار الذي اتُخذ في الأمم المتحدة من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإحياء عملية سلام جدية وحقيقية وإلا فإن بيدنا سلاحاً جديداً هو السلاح السياسي والقانوني في إطار الأمم المتحدة والذي يؤهلنا ليس فقط للذهاب لمحكمة الجنايات الدولية وإنما يؤهلنا أيضاً لمطالبة الأمم المتحدة باستخدام الفصل السابع وإنهاء الاحتلال بالقوة كما فعل المجتمع الدولي في مناطق أخرى سواء في الكويت أو أفغانستان أو كوسوفو وغير ذلك. إلى جانب كل هذا، فنحن كفلسطينيين ذاكرتنا قوية جداً ولا ننسى ونعرف كيف نستخدم الأسلحة التي نمتلكها، وكذلك إذا ما توحدنا فسيكون لنا القدرة على التحرك للضغط على المجتمع الدولي وتحديداً على الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أفضل، ونأمل رغم الصعوبات التي نعيشها اليوم نتيجة الضغوط التي نتعرض لها من حجز الأموال لدى إسرائيل وقطع المساعدات من جانب الولايات المتحدة وتباطؤ أشقائنا العرب في الدعم وتنفيذ التزاماتهم أن يُطوى هذا العام ونستقبل الأفضل في العام القادم.      

س: لقد تحملتم مسؤولية ملف المصالحة منذ البداية، فهل أنتم متفائلون؟ وما هي مقومات هذا التفاؤل إذا وُجد؟

يجب أن نبقى متفائلين والكل يجب أن يكون هكذا، لأن عكس ذلك غير مطلوب، ولأن الانقسام حالة شاذة في تاريخ الشعب الفلسطيني وفي تقاليده وفي ثقافته وفي العمل السياسي الفلسطيني، وظاهرة تقسيم بلد لم تحدث في العالم بسبب خلاف سياسي بين قواه السياسية. من جهة ثانية فنحن بالفعل نحيِّي الشعب اللبناني ونحيِّي القوى اللبنانية دون استثناء، فقد حصلت خلافات كثيرة داخل لبنان وتم إنهاؤها وتوحيد الصفوف، وحتى في أوج الحرب الأهلية اللبنانية وفي أوج الأزمة لم يقم أي طرف بتقسيم البلد، ولم تُشكَّل حكومتان أو وزارتان للخارجية بل بقي الأطراف محافظين على وحدتهم وعلى وحدة لبنان أرضاً وشعباً رغم الخلاف والصراع الحاد، ولولا ذلك لما نجحوا في استعادة البلد واستعادة السلم الأهلي وصموده. لذلك أقول أن هذه الحالة الشاذة في التاريخ الفلسطيني تجعلنا نشعر بأنه علينا أن نأخذ العلاج مثل المريض الذي يأخذ العلاج المر أحياناً لعلاج المرض الخبيث وإبعاده عن الجسم الفلسطيني وهذا الكلام عن الانقسام والتفاؤل من زاوية مبدئية ونظرية. أمَّا من الزاوية الواقعية والسياسية فلا زال هناك مشاكل وللأسف من جانب إخوتنا في حركة حماس وأقولها بملء فمي، فنحن كفتح وقَّعنا على الورقة المصرية والجميع يذكر كيف تأخرت حماس سنة ونصف السنة عن التوقيع، وكيف ساقت في البداية جملة قضايا لا أساس لها من الصحة حتى لا توَّقع، والتوقيع الذي تم لاحقاً من قِبَل حماس لم يُغيِّر أي شيء في هذه الورقة سوى جملة واحدة في المقدمة بطلب من المصريين وهي"الشكر للرئيس مبارك" وتم ذلك بسبب تركه الحكم ووجوده في المعتقل، فلم التأخير وما الذي تغيَّر وأخَّر التوقيع والتنفيذ؟. ثم جاء اتفاق الدوحة مكمِّلاً للورقة المصرية ما بين الرئيس أبو مازن ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل. وبعد 45 دقيقة رفضت حماس في غزة الاتفاق، ولكن لاحقاً حصلت اجتماعات وتوضيحات وتمت الموافقة على البدء في التنفيذ، وفي اللحظة الحاسمة وعندما جاء موعد عمل اللجنة المركزية للانتخابات لتحديث السجل الانتخابي في غزة يوم 3/7/2012 منعت حماس اللجنة من العمل والاستمرار في تنفيذ اتفاق المصالحة وما زلنا عند تلك النقطة.

س: ما هي ملاحظاتكم على أدائكم في ملف المصالحة  كحركة "فتح"؟

 رغم أجواء التصالح التي انعكست على عموم الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة حيثُ سمحت القيادة الفلسطينية لحماس الخروج براياتها لتحتفل بذكرى تأسيسها في شوارع الضفة الغربية دون أي قيود، ومشاركتنا إياهم في الاحتفالات كفتح وكذلك الفصائل الأخرى، ولكن حماس وحتى هذه اللحظة تضع عراقيلَ لمنع الاحتفال في غزة بذكرى انطلاقة حركة "فتح" والثورة الفلسطينية التي تصادف في 1/1 من كل عام تحت ذريعة المكان. واستغرب موقف حماس التي قلنا لها في الضفة تحركوا واحتفلوا كيفما تريدون فهذه بلادكم. فغزة أيضاً بلدنا، فهل أصبح علينا قيود حول المكان الذي نحتفل فيه. فساحة الكتيبة ساحة عامة، وأنا برأيي القضية ليست قضية مكان وأمان وإنما هي قضية سياسية بامتياز. فبعد احتفالاتهم في الضفة وغزة تحركت القيادات السلبية في داخل غزة لتعكير أجواء المصالحة وأأمل أن يكون تحليلي خاطئاً بالرغم من أنني متأكد من أنه صحيح، كما أأمل أن تتراجع حماس وتعالج الوضع في غزة حتى نستثمر أجواء المصالحة القائمة. ورغم ذلك فسنظل كحركة "فتح" مستمرين في الجهود ولن نتقاعس عن الاستمرار في التحرك لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. ولذا يجب أن نبقى متفائلين جميعاً كفلسطينيين، ولكن التفاؤل وحده لا يكفي فطريق جهنم مليئة بأصحاب النوايا الحسنة. لذا فقد آن الأوان لإنهاء هذا الانقسام الذي أصبح سلاحاً قوياً في يد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والذي استخدمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضدنا وضد قبول فلسطين في الجمعية. ومن هنا فيجب أن يتم الالتزام من كافة الفصائل وفي مقدمها "فتح" وأقول بأنه -وهنا لا أبالغ إذ قلت أنه- لا بد من انتفاضة جماهيرية وشعبية فلسطينية. فقد حان الوقت ليتحرك الشعب الفلسطيني كله في وجه من يعرقل المصالحة وينهي الانقسام حتى لا نخسر قضيتنا ويستمر الاحتلال، فلا نهاية للاحتلال ولا دولة فلسطينية حرة ما دام الانقسام موجوداً.    

س: من موقعك كمشرف على الساحة اللبنانية كيف تُقيِّم أداء حركة "فتح"، وفصائل "م.ت.ف" بشكل عام؟

لا شك أن السنوات الأخيرة قد شهدت تطورات إيجابية على الساحة اللبنانية وخاصةً على صعيد حركة "فتح". فقد نجحت "فتح" في تنظيم أوضاعها التنظيمية وفي حصر العضوية وفي عقد مؤتمرات الحركة في كافة المناطق التنظيمية في بيروت، والشمال، وفي الجنوب، وانتخبت قياداتٍ للمناطق والشعب وفق النظام الداخلي للحركة، ومن ثم عُقد وبنجاح كبير مؤتمر حركة "فتح" لإقليم لبنان وتم تنظيم الحركة بشكل دقيق. وكذلك فإنَّ قيادة "فتح" في الساحة في لبنان تقود الحركة بتنسيق كامل مع لجنة الإقليم وبتكامل بين الإقليم والساحة وبين كل المؤسسات الحركية، وهذا ما يجعل الالتزام أفضل من السابق على كافة الصعد سواء التنظيمية أو الإدارية أو العسكرية. وحول أداء أجهزتنا العسكرية هناك وتحديداً قوات الأمن الوطني التي أصبحت التشكيل الموَّحد لكل الأطر العسكرية ولأول مرة منذ سنوات، فإن الأحزاب اللبنانية والحكومة اللبنانية يتغنون بأداء حركة "فتح" في العلن وليس في الغرف المغلقة وبتصريحات كثيرة في أجهزة الإعلام اللبنانية، خاصة فيما يتعلَّق بطريقة تعاملها مع الأزمات التي مرَّت على الساحة اللبنانية وانعكست على الواقع الفلسطيني هناك من محاولات تفجير للوضع في المخيمات الفلسطينية وبشكل أساسي في مخيم عين الحلوة. ولكن كل محاولات افتعال المشاكل فشلت بفضل الانضباط والالتزام والتحلي بروح المسؤولية والتكامل في العمل وليس فقط بين مؤسسات حركة "فتح" وإنما بين كل فصائل "م.ت.ف" وسفارة فلسطين لدى لبنان، فتمَّ تشكيل إطار لقيادة العمل الفلسطيني في الساحة اللبنانية لمواجهة الأزمات بحيث يكون الفلسطينيون موحدين في معالجة المشاكل التي قد يفتعلها البعض أو التي قد تحدث في المخيمات وخصوصاً محاولة جر المخيمات والزج بها في الصراعات اللبنانية أو استخدام المخيم لتوتير الأجواء.

س: من الملاحظ خلال هذا العام أن العلاقة بين القيادة والدولة اللبنانية علاقة جيدة؟ فما هي الأسس التي تقوم عليها هذه العلاقة؟ وماذا عن بقية الحقوق للشعب الفلسطيني في لبنان؟

لقد حرصنا ومنذ البداية على تجنيب وتحييد الساحة الفلسطينية في لبنان عن انعكاسات الانقسام الفلسطيني وتم التوافق على صيغة بين فصائل منظمة التحرير وقوى التحالف من الفصائل المختلفة مع منظمة التحرير أو التي ليست منضوية تحت إطار المنظمة سواء حماس أو الجهاد أو بقية الفصائل الأخرى. وبتقديري فهذا الأداء الذي تحدثت عنه سابقاً جعلنا ندرك تماماً بأن علينا مسؤوليةً أكبر لاستكمال معالجة هموم وقضايا شعبنا في لبنان رغم التطور الذي حصل والجهود التي بُذلت بما فيها تأسيس صندوق الرئيس محمود عباس لدعم الطلبة الفلسطينيين، والذي ينص نظامه على أن كل من أكمل الثانوية العامة ويرغب في إكمال الدراسة الجامعية فإن الصندوق يقوم بتغطية القسط الجامعي له، وهو حق لجميع الطلبة الفلسطينيين بغض النظر عن انتمائهم ووضعهم وغيرها من الأمور الأخرى، وكذلك صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي قام بوضع برنامج لتشجيع المشاريع الصغيرة وللأخذ بيد العائلات الفلسطينية لتحسين ظروفها المعيشية الصعبة، إضافةً إلى مشروع التكافل الأسري بين العائلات الفلسطينية التي هي بحاجة لمساعدة في مخيمات لبنان وبين الأسر الفلسطينية في الوطن والخارج وأعتقد أن العدد وصل إلى 2000 أسرة وهذا رقم ليس ببسيط، وتطوير عمل الضمان الصحي وغيرها من الأمور إلى جانب مجموعة القوانين التي جرى إصدارها من قِبَل الحكومة اللبنانية وصادق عليها مجلس النواب اللبناني. كذلك فالسفارة الفلسطينية بدأت تعمل بفعالية والجميع يشهد بذلك، وقبل أيام جرى احتفال بمناسبة تزيين شجرة الميلاد في مخيم ضبية الذي كان معزولاً عن باقي المخيمات بسبب موقعه الجغرافي، والآن الجميع يشارك الفرحة والتواصل مع هذا المخيم ذي الأغلبية المسيحية من أبناء شعبنا. وهذا يدل على التطور النوعي الذي حصل في عمل كافة المؤسسات الفلسطينية دون استثناء، ونحن مصممون على أن يتم تطوير بقية الأوضاع الاجتماعية والحقوقية والتعليمية والثقافية والسياسية لشعبنا في لبنان من حق العمل وحق التملك وبقية الحقوق الأخرى وهذا الأمر مستمر ونركِّز عليه عند اللقاء مع القيادات اللبنانية. فأهلنا في لبنان هم العنوان للاجئين الفلسطينيين في العالم وهم عنوان الصمود الفلسطيني. وأقول هنا لولا مخيمات أهلنا في لبنان لما استمرت الثورة الفلسطينية وما تحملته يستحق أن يبقى في الذاكرة، ولولا هذا الصمود والتمسك بالثوابت لما عدنا لفلسطين. ونحن في طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة دولة الفلسطينيين كلهم.

 

عزام الأحمد