تأبى عجرفة المحتلين، التسليم بحقائق تنشأ وتتفاقم،عن تماديهم في العدوان والجريمة. فبعد الحرب التدميرية ضد غزة، التي بدأوها في الأسبوعالأخير من العام 2008 كان طبيعياً أن تتجه الفصائل الى رفع مستوى تسلحها وقدراتها الناريةقدر المستطاع. لكن المعتدين يريدون الإبقاء على المعادلة الفاسدة، وهي أن يقابلوا أيةقذيفة هاون، محدودة التأثير، تنطلق من غزة، رداً على عملية اغتيال وإزهاق أراوح بالزجبسلاحهم الجوي وسواه، لإيقاع الحجم الأقصى من التدمير، ثم تُسمع من خلف الفظائع التييقترفونها ويُقتل فيها أطفال ونساء ومسنون بكائيات كاذبة، عن «محنة» سكان المناطق القريبةمن قطاع غزة ومخاطر عظيمة يتعرضون لها. ربما هي حالة فريدة في تاريخ الصراعات، تنمعن منطق إجرامي وماكر، وهي أن تجتمع آلة الفتك العسكرية مع كوابيس القلق الوجودي الذييرافق حياة الضعفاء، فتشكل منطق التبرير الحقير. إنه المزاج العنصري الأهوج المتطرف،الذي يقتات على الدم والدخان والدمار، ويعامل الفلسطيني الضحية، مستلب الأرض والحقوقوالحرية، باعتباره الآدمي اللامرئي، وإذا رأوه، فهو ليس إلا الإرهابي إن أراد أن يقاوم،أو المتآمر وغير الشريك، إذا أراد أن يسالم على الأسس التي تضمن السلام وتُشبهُه!
فالفلسطيني، في منظارهم الأسود، هو أحد اثنين، إما المتطرفـ حمساوياً كان أو من أي فصيل أو هو غير ذي الصلة المنحرف عن مسار السلام، الذي يؤذيهم،إن مضى على خط السياسة والتسوية، ويفتش عن فضاءات بديلة، إن أغلقوا في وجهه الآفاق!
لعبتهم المفضلة، هي أن يرسلوا طائراتهم، بلا معنى وبلاأخلاق جندية أو شجاعة عسكرية، لكي تقصف أرضاً فاقدة للقدرة على القيام بأي فعل مضاد.وكان طبيعياً بعد الحرب التدميرية على غزة، قبل نحو أربع سنوات؛ أن تلجأ الفصائل الىمحاولة امتلاك بعض القدرة على الفعل المضاد. وعندما امتلكت شيئاً من هذه القدرة، فيمابدا خلال الأيام الثلاثة الماضية وإن كانت الخسائر في جانبهم محدودة أصبحت استطاعةالفلسطيني إيصال نيرانه الى تل أبيب أو القدس، جرحاً لمشاعر استكبارهم وعنجهيتهم، وذاتمضامين مغايرة أو مضادة، لما أراده الثلاثي نتنياهو وباراك وليبرمان، على صعيد تحسينأوضاعهم الشخصية السياسية، وتعزيز توقعاتهم الانتخابية!
هنا تكمن الخطورة التي ربما تظهر علائمها مع ظهور نتائجاجتماعهم «الوزاري المصغر» الذي ما زال منعقداً أثناء كتابة هذه السطور. لقد وضعواأنفسهم ووضعونا معهم، في موقف اللا عودة. فلا هم من النوع الإنساني السوي، الذي يعتبرويستفظع الجريمة وسفك الدماء؛ لكي يعودوا عن حماقتهم، ولا الفلسطيني مستعد لأن يرفعالراية البيضاء. أغلب الظن، أنهم يرون في وقف عاجل لإطلاق النار، هزيمة يمثلها فشلهمفي تحقيق أهدافهم. فقد كان من بين أهم أهدافهم، أن تفقد الأرض التي في مقدورهم حرقهاوحرق من فيها في أية لحظة يشاؤون، أية إمكانية للفعل المضاد.
صواريخ الأسد وافرة المقادير على مقربة منهم. بل إنمخزون نيران النظام السوري، لم ينفد بعد عشرين شهراً من «استهلاك» النيران بكثافة إغراقيةضد الشعب السوري. لكنهم يرون في قذيفة صاروخية فلسطينية، حتى ولو كانت بدائية، لا يُقاستأثيرها بالتأثير المفترض لصاروخ «سكود» وأخواته الكيميائيات والتقليديات؛ خطراً أكبروأعظم مما يمتلكه مدججون بالسلاح. ذلك لسبب بسيط، يكمن في الاختلاف بين زناد وزناد،وبين روح وروح. فهم مطمئنون الى أن الأسد يعرف عواقب الإطلاق ويتحاشاها، إذ هم سيبدأونبقصره وبرأسه، وهو غير ذي قضية حقيقية، سوى قضية البقاء في الحكم. أما الفلسطينيون،فهم خليط من فصائل وشباب، ذوو قضية وذوو مظلمة وطنية، ومعرضون للقصف والاغتيال في كليوم. لذا هم يتطيرون من نيران الفلسطيني الذي يريدونه أن يظل بلا أية قدرة على الفعلالعسكري المضاد، وحتى بلا أية قدرة على الفعل السياسي. إنها حرب المعادلة الفاسدة التييريدون إدامتها!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها