إذناً، إسرائيل مرة أخرى تحاول أن تقلب الطاولة من خلالجولة عنف جديدة، دموية، تبدأها منذ اللحظة الأولى باغتيال قائد كتائب عز الدين القسامالأخ المجاهد الكبير أحمد الجعبري، الذي تصاعد أيضا دوره السياسي العلني في السنواتالأخيرة، وقد ظهر ذلك جليا في محادثات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية، وبالتالي فإناغتياله من قبل إسرائيل كأول خطوة في هذه الهجمة الدموية له دلالات كثيرة تتعلق بكيمياءالعلاقات داخل حماس وداخل الحالة الفلسطينية كلها، فقد كان الشهيد البطل أحمد الجعبرييرحمه الله قائدا ذا شخصية متوازنة جدا له حضور قوي ومرحب به في الساحة الفلسطينيةفي قطاع غزة هنا على وجه الخصوص، فقد لعب دورا لا ينكره احد في عدم تغول الأجهزة الأمنية،وقد ظل دائما على علاقة طيبة ومتوازنة مع الجميع، ندعو له بالرحمة والمغفرة وأن يدخلهالله فسيح جناته، ويلهم عائلته وأهله وذويه الصبر والسلوان.

هذه إذاً موجة عنف دموية، خطط لها الحاكمون في إسرائيلبفعل بارد، واختاروا لها التوقيت الملائم، فنحن ماضون في صعودنا إلى تصويت الجمعيةالعامة، وإسرائيل نفسها تقترب خلال أسابيع قريبة من المعركة الانتخابية في إسرائيل،انتخابات مبكرة وحساباتها هذه المرة أكبر تعقيدا، والأبطال الذين يتنافسون، وخاصة نتنياهووليبرمان ودرعي وموفاز وباراك، تكفي زلة قدم لأي واحد منهم ليخرج من السياق، بل ليخرجمن الحياة السياسية في إسرائيل، وهؤلاء جميعا سواء كانوا مع بعضهم في التحالف الثنائيبين نتنياهو وليبرمان، أو في التحالف الأوسع وهو التحالف الحالي، هم الأشد تنافسا إلىحد العداوة، ولذلك اختاروا لهذه المعركة الانتخابية الحامية في بداية العام القادم،توجيه العنف ضد الطرف الفلسطيني، بالنسبة لهم، العدوان على الشعب الفلسطيني مريح دائما،وخاصة وأن الرسائل من وراء هذا العدوان عديدة، تأخذ في الحسبان تعقيدات الوضع في سيناء،وتعقيدات الوضع في سوريا، وتركيبة قطاع غزة الحالية، واحتمال فوز الرئيس أبو مازن فيطلب العضوية لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، حيث فوز الطلب الفلسطيني يغير قواعد اللعبةالتي صاغها الإسرائيليون والتي كان من شأنها موت المفاوضات لأنها تصبح في ظل المعاييرالسابقة مفاوضات بلا جدوى .

بعض المحللين يذهب بهذه الموجة الدموية إلى أبعد منذلك، إلى إيران وملفها النووي الذي لن تصبر عليه إسرائيل طويلا، وقد تكون الانتخاباتالمبكرة التي أرادها الإسرائيليون هي أصلا من قبيل التحضير لذلك الملف .

وسط صعود التحدي الفلسطيني إلى ذروته بالذهاب إلى الأممالمتحدة، وبالمقابل تدني الأداء الفلسطيني على صعيد التخلص من الانقسام وإنجاز المصالحة،يأتي هذا العدوان الجديد لكي يكتشف كل الفرقاء الفلسطينيين أنفسهم، أن إدارة الحياةاليومية المشتركة بينهم هي في أسوأ حالاتها، حيث هناك تشويش من حركة حماس على الصعودالفلسطيني للأمم المتحدة، وعندما وقع العدوان هكذا بدون مقدمات، دون الأعذار والمبرراتالتقليدية، اكتشف الأطراف جميعا في غزة أنهم ليسوا محصنين بالحد الأدنى تجاه هذا العدوان،وأن عناصر السلوك القديمة لم تعد تجدي لا على مستوى إطلاق الصواريخ التي ضخمتها إسرائيللتقوم تحت غطائها بشن هذا العدوان، ولا على صعيد الصراخ بشعارات المقاومة لأن قطاعغزة المزدحم والضيق والمحاصر، بحاجة ماسة إلى تشكيل موقف فلسطيني جديد، موقف ينطلقمن قراءة صحيحة لما يدور حولنا، موقف يحافظ بقدر الإمكان على سلامة الناس واستمرارالحشد الدولي حول البرنامج الوطني ومفاهيمه الراهنة والنجاح في التصويت داخل الجمعيةالعامة لعضويتنا , و ليس أن يكون قطاع غزة هو الأضحية التي نقدمها لصالح كل من له مشكلةفي المنطقة و يريد حلها على حسابنا !!! موقف جديد يؤكد على أن محور النشاط السياسيالفلسطيني هو الصعود نحو الدولة , نحو الاستقلال , نحو نيل العضوية بصيغة دولة مراقبو ليس كيان مراقب , ثم التصاعد بهذه الصيغة نحو استكمال الاستقلال !!! .

ليس كل ما يريده البعض لنا جيدا , ليس كل ما يختارهالبعض لنا جيدا , ليس كل من يرسم صورتنا يكون دقيقا و حريصا , و الحديث عن حقنا فيالدفاع عن أنفسنا , لا يعني بأي حال أن نقدم صورة زائفة عن أنفسنا أننا مثخنون بالسلاح, و أننا نمتلك قوة الردع العسكرية , هذا الكلام فارغ , كلام ضار , الردع الذي تملكهعدالة قضيتنا , و تمسكنا بحقوقنا , و القدرة على حشد الإجماع الكامل حول هذه الحقوق, و ليس بتبرئة إسرائيل من جرائمها البشعة , و من حربها المتعمدة بالإدعاء بأن تل أبيبأصبحت تحت نيراننا !!!

ثم إن هذه الموجة الدموية من العنف الإسرائيلي قد تطولإلى موعد التصويت في الجمعية العامة، وربما إلى موعد الانتخابات، فكيف سنواجه معا تداعياتهذا التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة ؟؟؟ والإجابة هنا واضحة ومحددة وهي رفع اليد الغليظةعن كل الفصائل وكل المواطنين في القطاع، ليس معقولا تلك البلاغات التي تصدر من الأجندةالأمنية في القطاع بالإقامة الجدية !!! أو ما يشابه ذلك من استدعاءات وما شابه !!!يجب أن يسود التوافق الوطني عمليا حتى نستطيع أن نصمد في وجه هذا العدوان، أو مصادرةهذه الحريات، أو تغيير هذه الحريات هو أمر ضار بنا جميعا.

إن إسرائيل مأزومة على الصعيد الداخلي والخارجي، ويجبعلى الجميع الانتباه حتى لا يقوم أي طرف بإنقاذ إسرائيل من أزماتها، بل يجب أن ننهيالتربص ببعضنا لكي تتحرر إرادتنا ونواجه العدوان.