لا نعلم كيف كانت لغة أوباما أو مدى وداده، أثناء حديثهالهاتفي مع نتنياهو، وما اذا كانت مكالمتهما الهاتفية، تضمنت هي الأخرى ممانعات أوتحذيرات، ولو على سبيل رد الفعل بمزاح، على ظهور الثاني، في شريط اعلان انتخابي لصالحالمرشح مت رومني!
نتنياهو، تقصَّد أوباما شخصياً واشتغل على الحاق الهزيمةبه. ذلك بخلاف عناده للسياسة الأميركية التي تلح في الطلب أن تخفف اسرائيل من فظاظةسياستها، على وجه العموم، ومن التوسع الاستيطاني على وجه الخصوص، وحيثما ينكشف هُزالوعجز وتواطؤ سياسة «الادارة» ويحرجها أمام الشعوب العربية لا سيما في ربيع الانتفاضات،ووقتما تجري تحولات جيو سياسية!
لم يكن أبو مازن كارهاً لاعادة انتخاب أوباما، ولا مؤيداًلمنافسه، ولا سبباً في اهدار ماء وجه الادارة الأميركية واضعاف سياستها في الشرق الأوسط،ولا سبباً في جعل أميركا دولة مكروهة بامتياز، من قبل شعوب المنطقة الأهم استراتيجياًبالنسبة لواشنطن. وعلى الرغم من ذلك، كان الترحاب من نصيب نتنياهو، أما الوعيد بعظائمالأمور فكان للفلسطينيين ولأبي مازن!
ان هذه هي طبيعة السياسة الأميركية. فمهما فعلت اسرائيل،ستجد «الادارة» لها مخرجاً، وهذا أمر يدركه نتنياهو جيداً، وهو أقرب رؤساء الحكوماتالذين مروا على اسرائيل معرفة بالولايات المتحدة، سياسة واجتماعاً وخارطة قوى ضاغطة،ونطقاً لغوياً. فقد درس هناك، وأمه أميركية المولد والجنسية، وعاش وعمل هناك في حقلالصناعة، وانتُدب ديبلوسياً ضمن البعثة الاسرائيلية في أميركا، وانتقل من عمله ذاك،الى بعثة اسرائيل لدى الأمم المتحدة. لقد هبّ هذا، منذ صبيحة يوم الأربعاء الماضي،بعد الاعلان عن فوز أوباما، الى تسوية الأمر باستدعاء السفير الأميركي لالتقاط الصورمعه وهو يجزل التهنئة الحارة للرئيس أوباما، غير مكترث بتخرصات ايلي يشاي، زعيم «شاس»وشماتته حين قال «لم يكن صباح نتنياهو طيباً اليوم»!.
فمثلما تكون الأحزاب الدينية قصيرة النظر دائماً، لميكن ايلي يشاي يدرك بما يكفي، أن طبيعة السياسية الأميركية ومقاصدها، التي أعمتها عنرؤية مصالحها لدى شعوب الأقطار العربية، وأعمتها عن رؤية التغييرات في المنطقة وفيالعالم من حولها، ومدى احراج اسرائيل لواشنطن؛ سوف تتكفل بحل الاشكال الشخصي بين رجلين،يقوم كل منهما على منظومة حكم ذي طبيعة امبريالية واقصائية حمقاء!
** *
أبو مازن أكد لباراك أوباما، على أنه سيذهب الى الأممالمتحدة، طلباً لتصويت الجمعية العامة على وضعية الحد الأدنى، وهي الدولة غير العضوفي الأمم المتحدة. وفي المسألة المتعلقة بالمفاوضات التي أكد الرئيس الفلسطيني علىاستعداده لاستئنافها بعد التصويت إيجاباً؛ كنا نأمل إضافة جملة أخرى، وهي في الحد الأدنىأن تكون المفاوضات هذه المرة، على قاعدة أن أراضي فلسطين هي لدولة محتلة غير عضو، وليستأراضي محتلة متنازعاً عليها، وبالتالي ينبغي تصفية الاستيطان (الذي تؤكد كل القراراتالدولية على عدم شرعيته) عبر المفاوضات، ووفق القانون الدولي وحسب الموقف الأميركيالمُعلن!
أخيراً نقول للرئيس محمود عباس، ومن خلاله لكل المتحسبينلـ«أيام صعبة» ان الأميركيين الذين يتوعدون لن يفعلوا شيئاً أكثر مما فعلوا ويفعلون.وليست هذه هي المرة الأولى التي يهددون فيها ولا يفعلون. ذلك لأن بقاء السلطة، يظلأفضل الخيارات السيئة بالنسبة لهم وللاسرائيليين. أما بقاء الانقسام وبهجة «حماس» واستبدادهافي غزة، فهي من الأرباح الصافية. والأميركيون لن يذهبوا الى خنق السلطة. ولم يكن استنكافالأميركيين والاسرائيليين، عن خنق السلطة، إكراماً لسواد عيوننا أو لحكمة طيبة، أوترفقاً بنا، وانما هو بحكم قراءة جادة لسيناريو التوقعات في حال انهارت السلطة: فاذافرضوا علينا انسحاباً أحادياً، الى حدود الجدار وأسوار المستوطنات، لكي يتحاشوا تحملالمسؤولية ويسدوا الآفاق تماماً أمام حل الدولة الواحدة ثنائية القومية وهي آفاق لامناص من سدها بالنسبة لهم ستنشأ وضعية اللا تشكل الكياني الفلسطيني، وسيكون زمام المبادرةفي يد الشعب الفلسطيني، الذي لن يسمح بقيام تمثيل سياسي آخر مشبوه أو معطّر بروائحمغشوشة. وفي حال نجح وسطاء التهدئات في غزة، ومقاولو توفيق الرؤوس بـ «الحلال» في مدالحكم الحمساوي من غزة الى الضفة، فان مرجعيات «الجماعة» سترفض ذلك بشدة، لأن هكذاخطوة ستحرق القوى «الاخوانية» الصاعدة الى الحكم في العالم العربي، ذلك فضلاً عن انكشاف«الطابق» على الصعيد الشعبي الفلسطيني، ولكل غير ذي بصيرة، في الضفة وغزة، لا سيماأولئك الذين لم يلتفتوا الى حقيقة ميدانية أثناء الانقلاب في غزة، وهي أن الانقضاضالدامي المسلح، على السلطة في غزة، الذي قامت به قوة مدججة ومرفهة، هجمت على تشكيلاتمحرومة من الطعام والذخائر؛ جرى كله من تحت سماء آمنة، دونما وجَلٍ من اسرائيل صاحبةالتفوق الجوي، ودون اعتبار لكون القوة التي تهجم هي نفسها التي تمحو اسرائيل خطابياًألف مرة في اليوم، وتصف التشكيلات التي تهجم عليها، بأنها عميلة. كان ذلك أفضح وأقبحتنسيق أمني، اذ تركت اسرائيل «عملاءها» يُهزمون ويُقتلون لكي ينتصر مبيدوها، ليس اضطراراًوخوفاً من تدخل السلاح الجوي القطري أو الايراني أو السوري آنذاك، وانما اختياراً لأنهميريدون تجربة الحكم «الاخواني» في غزة واقتطاع المنطقة لهم، لكي يحدث الشرخ الكبير،وحدث. اننا في لعبة شطرنج، لكننا باقون في وجه نتنياهو ومشروع الاستيطان، وباقون فيوجه الدجالين في كل الأرجاء، ولسوف نرى!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها