عصر الاثنين الماضي تم اكتشاف جثث المستوطنين الثلاثة، الذين اختفوا في 12 حزيران الماضي شمال غرب حلحول بالصدفة المحضة. الأمر الذي يكشف فشل الأجهزة الأمنية الاسرائيلية في العثور عليهم، مع ان المكان، الذي وجدوا جثثهم فيه، لا يبعد عن مكان اختفائهم ربع ساعة. ورغم الحملة الاسرائيلية الأمنية الكبيرة والواسعة، التي اشتركت فيها قوات الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، وقامت بحفر الأرض، والبحث في كل المغر والكهوف الموجودة في محافظة الخليل، حتى بيوت المواطنين قامت بتدمير محتوياتها، وقلبتها رأسا على عقب بذريعة البحث عن المختطفين.
بالتأكيد الانتهاك الخطير لمساكن المواطنين الفلسطينيين العزل، وحرمة حقوق الانسان، كان جزءا من سياسة العقاب الجماعي، وأحد اهداف الحملة الوحشية الاسرائيلية ضد ابناء الشعب الفلسطيني. لكن السؤال المطروح الآن على المراقبين والمحللين السياسيين: ما هي ردة فعل دولة التطهير العرقي الاسرائيلية ضد الفلسطينيين؟ هل ستكون التداعيات سياسية أم اقتصادية وعسكرية أم كل ما ذكر؟
هناك اجتهادات متعددة، بعضها يعتقد، ان الحملة الاسرائيلية ستتركز في محافظات الشمال، ولن تذهب اسرائيل بعيدا في قصفها على محافظات الجنوب. لأن إسرائيل لا تريد تصعيدا كبيرا، كما ان حماس لا تريد، اضف إلى ان إسرائيل لا تود إحراج حماس. والبعض الآخر، يفترض ان ردة فعل إسرائيل ستكون محدودة، لأن القوى الدولية لن تسمح لها بالتمادي، خاصة ان رأس الشرعية الفلسطينية سجل موقفا سياسيا متميزا تجاه عملية الخطف.
مع ذلك، القراءة الموضوعية لردة فعل حكومة نتنياهو، تحتاج الى تدقيق أوسع في واقع ومكونات الائتلاف الحاكم، أولا؛ والصخب الاعلامي الاسرائيلي الرسمي، الذي رافق الحملة مند تسعة عشر يوما، ثانيا؛ والأهداف السياسية، التي تبتغيها إسرائيل من عملية القتل لمستوطنيها الثلاثة، ثالثا: في ضوء تلك العوامل، فإن حكومة نتنياهو ووفق مسار سياستها المعتمدة مند تشكيلها، معنية بالتصعيد على الصعد المختلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ولن يقتصر التصعيد على محافظات الشمال عموما ومنطقة الخليل خصوصا، انما ستشمل محافظات الجنوب، ولن تكتفي بالقصف الجوي لأهداف محددة، ولا بعمليات الاغتيال لبعض المناضلين، بل ستقوم بحملة عسكرية واسعة، ولكن محدودة الزمن والمناطق المحاذية للحدود. لماذا؟
أولا لأن المزاج الاسرائيلي العام مع خيار التصعيد، وتوجيه ضربة واسعة للقطاع؛ ثانيا ايضا كتل الائتلاف المختلفة حتى المعارضة، لن تكون قادرة على الاعتراض؛ ثالثا الرهان على لبيد وليفني، رهان في غير محله في اللحظة السياسية الراهنة، وحتى لو افترض المرء، ان لهما موقفا مغايرا لباقي اقطاب الائتلاف؛ ثالثا الحملة العسكرية الواسعة، تصب في هدف تلميع حركة حماس، وليس العكس، وهو احد اهداف الحملة؛ رابعا الهدف الأبرز لأقطاب التطرف في الحكومة النتنياهوية معنية بخلط الأوراق، واغلاق آخر بارقة أمل للتسوية السياسية؛ خامسا الاستفادة القصوى من عملية القتل في توسيع وتعميق الاستيطان الاستعماري في القدس وعموم محافظات الشمال. ولعل رصد مبلغ 300 مليون شيقل لاستثمارها في القدس الشرقية، وغيرها من اعلان العطاءات والشروع بالبناء في المستعمرات، يؤكد هذه الحقيقة يوميا.
إذاً الرؤية الواقعية لردة فعل إسرائيل، لم تكن محدودة، وتداعياتها، ايضا لن تكون ضيقة، بل ستكون هناك حملة واسعة نسبيا تتجاوز عمليات القصف والاغتيال، وبما يستجيب مع التطورات الجارية في المنطقة لتعميم مبدأ الفوضى الخلاقة، وبما لا يغضب أو يستفز القوى الدولية ، وبما لا يؤثر سلبا على القواسم المشتركة مع القوى النافذة في غزة.