خاص/مجلة القدس، عذراً أحبّتي! إخوتي! رفاق دربي! أبناء جلدتي! أنتم وهم.
إرفعوا أيديَكُم عن مخيمنا، أبعدوا عنه أذاكم، أبعدوه عن حرابكم واحترابكم،لا تقتربوا من عتباته حتى لا نبكي عليه، وعلى من فيه!لا تتنازعوه في تجاذباتكم، لا تدخلوه في النفق،لا تحمّلونا وزركم،كفُّوا أيديكم عنا، رفقاً بنا! لا لثمن وجودنا على أرضكم، لا لصبرا وشاتيلا ثانية، وثالثة، ورابعة؟!
لدينا ما يكفي من التجارب المريرة،لسنا من هواة أحلامكم فاعذرونا.
لا نريد مجاراتكم في الذهاب الى الجحيم،لا نريد خلافا معكم أنتم وهم.
اتركونا في هذا اللّيل، في هذا المخيم، في هذا الحزن، في هذه الشوارع الكئيبة.
اتركونا نبتئس، نجزع، نضطّرب، نخاف الآتي كما نشاء بإرادتنا.
اتركونا نزفر أنفاسنا بحرية قبل ان تقتلونا انتم وهم؟!
اتركونا لحريتنا، لقشعريرتنا، للفحة هواءٍ حارة تخطف أنفاسنا وتخدش حلوقنا وتتسمّر في صدورنا.
اتركونا، لنا من ذكرياتكم ما يدمي قلوبنا أنتم وهم،أبعدوا عنا هواجسكم.
الحروب أكلت من أرواحنا ما يكفي، نريد ان يكون لنا مخيمٌ فلسطيني واحد نجا من الأذى؟!
لو كان لنا أن نختار مكاناً آخر، موقفاً، عنواناً، جهةً، لاخترنا ما يختار الطير.
لو كان لنا قدرة الريح على التغيير، لقلبنا واقعنا رأساً على عقب، واقتلعناه من جذوره.
ارفعوا انقاضكم عنا بالله عليكم إن كان لكم اله؟!
في مخيلتنا مخيمات لم يعد لها أثر في الوجود؟!
بعد كل قلق نقلق على ما سيأتي، على المصير الغامض الكامن في المجهول، في كل مرة نحمل أسفارنا ونمضي من حريق لآخر! كلُّ شيء داهمٌ ومفاجئ في حياتنا، البلدان التي استقبلتنا على عجل ها هي في مهب الريح، في اللامكان. تطوّقنا بالندامة!
انهارت العُصاميات، انهار الودّ والعيش المشترك، انهارت الأكاذيب.
قناعات الناس تتغير، ولكن القدر لا يتزحزح.
لدينا جرأة على فعل ما نريد، وليس لنا القدرة على شيء.
قد تكون الكلمات القاسية والموجعة شفاء لنا من أمراضنا المزمنة، إن عملنا بهديها؟
نعلم جيداً أنّ حياتنا ثمينة علينا، ورخيصة عند غيرنا! ونعلم أكثر وأكثر عندما تنحو الأمور باتجاهات أخرى ماذا سيجري؟!
ما أصعب العيش بين المطرقة والسندان!
ما أصعب ان يُنظَر إلينا على اننا هامشيون، لا وجود لوجودنا!
ما اصعب ان لا يذكرنا الآخرون الا عندما يريدوننا ان نكون مطحونين؟!
في كل حرب لنا مشهد دامٍ، وعلى كل رصيف خطوة مهاجر!
الكوارث غربتنا وغريمتنا، نعيش محمّلين بعقدة الذات، والأمل الصعب، والأحاسيس المثلومة، ليس ما نبغيه محالاً! وليست آمالنا ذنوباً ارتكبناها لنحاسب عليها! لا نريد ان يكون مخيم اليرموك ضحيتكم أنتم وهم. نريده ان يكون الحد الفاصل بين الجريمة والدم؟! امتلأت الكتب والشاشات بالنصوص الصارخة، والسواد، والبكائيات، والبشاعات.لكن الصحراء جوفاء لا تسمع النداء.
لَكَمْ كسرتني هذه البلاد؟
لَكَمْ خذلتني وأردتني فسكت؟
أمقت القذائف والرصاص الذي يخرق جسد المخيم.
أمقت اللغة التي تحيله الى سراب، وأكره الذين يطلقون حقدهم عليه كما لو انهم يطلقون الرصاص.
لَكَمْ تألمنا وواسينا مشاعرنا بقليل من الغبطة لكي ننسى.
لا نريد ناراً مشتعلة بيننا باسم الهوية والوطن وأماني العودة.
لَكُم أنتم وهم، لا يستطيع القوي ان يأكل الضعيف، ما دام الضعيف قوياً.
بقلم/ محمد سعيد
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها