خاص/مجلة القدس، كما في الأمس، واليوم، والغد، هناك رجال يصنعون من حياتهم علامة فارقة مهما كان المجتمع ضيقاً أو منفتحاً، العبرة في شق الطريق وتعبيدها وسلوكها والوصول الى نهايتها سالمين برغم ما يعترضنا من عثرات.
نشأته ونضالاته
الكاتب والشاعر حنا ابراهيم من الرعيل الذي ثابر بعناد على عدم الإذعان والرضوخ للمحتل، واتخذ مواقف معاندة له منذ بدايات النكبة 48، حيث شهد الكثيرون له في معارك التحدي والتصدي التي خاضها، خاصة معركة الهويات الحمر التي كانت تهدد من بقي على أرض فلسطين بالتهجير في أي وقت. وكانت تعتبر هذه الهويات في ذلك الوقت هويات مؤقتة تجعل حاملها على أهبة الترحيل عن أرض الآباء والأجداد. فذاق حنا ابراهيم بمواقفه الشجاعة هذه مظالم الحكم العسكري المحتل، بسبب تحديه ووقوفه في وجه هذه التشريعات الاسرائيلية. فالشاعر حنا ابراهيم من قرية البعنة في الجليل ولد عام 1927، نشأ في أسرة فقيرة عانى فيها من شظف العيش، لكنه استقى أفكاره الثورية من والده الذي كان ثائراً لمّاحاً. انهى دراسته الأولية في مدرسة البعنة، وتعلم للصف السابع في بلدة الرامة، وعندما انتقل والده للسكن في عكا التحق هناك بمدرسة الثانوية وانهى الثاني ثانوي. عاش حياة بؤس ومعاناة وصعوبة. قاوم الحكم العسكري والتصاريح واثبات الوجود وسلب الاراضي. كان يحض الناس على التمسك بالأرض وعدم الرحيل ويعتبر النكبة مستمرة الى اليوم. بعد تقسيم فلسطين الى دولتين وسقوط حيفا التقى في قريته البعنة بأعضاء من عصبة التحرر الوطني لمواجهة ومجابهة الهاجاناه الاسرائيلية. وانتسب الى عصبة التحرر الشيوعية التي تميز عملها بالسرية، والتي حصرت نشاطها بقبول قرار التقسيم وتجنب الحرب. أخذ حنا ابراهيم على عاتقه الترويج لهذه القضية في بلدته البعنة واقناع الأهالي بها.
نتاجه الأدبي والشعري
كان واحداً من مؤسسي مجلة "الجديد" التي نشر معظم انتاجه فيها من شعر وقصص قصيرة، وأول مجموعة قصصية له كانت بعنوان "أزهار برية"، بعدها أتبعها بمجموعتي "ريحة الوطن"، و"الغربة في وطن"، ثم بديوان شعر بعنوان "صوت من الشاغور". وله سيرة ذاتية جزؤها الأول بعنوان " ذكريات شاب لم يتغرب"، والجزء الثاني بعنوان " شجرة المعرفة" بعدها أصدر مجموعة قصصية بعنوان"هواجس يومية" ثم أتبعها بديوان شعر بعنوان "نشيد للناس". وأصدر ثلاث روايات "أوجاع البلاد المقدسة"، "موسى الفلسطيني"، "عصفورة من المغرب"، كذلك نشر مئات المقالات في مختلف الصحف الصادرة في الوطن. في العام 1996 منحه الرئيس عرفات وسام القدس للثقافة والفنون، ونال كذلك جائزة الابداع، وترأس مؤسسة الأسوار لمدة عشر سنوات تتطوعاً. كذلك له اسهامات في الكثير من الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والسياسية. من أشعاره توجيه رسالة الى أخيه الفلسطيني خلف الخط الأخضر – الأحمر، يقول فيها: "قلبي عليك بقدر ما قلبي معك/ فاحسب حسابي حين تحصي أضلعك/ لا ذنب لي إن كنت ضلعاً قاصراً/ نزعوه منك ولا يزال يقول لك/ قدر علينا ان تظلّ مكافحاً/ فيما أعيش صابراً/فإذا انتهى أمري فانقذ موقعك".
مآثره
امتاز قوله وفعله بالصدق والصراحة والمباشرة والحكمة في اتخاذ المواقف، حمل هموم وطنه ومجتمعه، وكان صادقاً وفياً، ديّناً وسياسياً وانسانياً رحيماً، ثائراً على أوضاع العروبة وخيبات الأمل في المجتمع العربي، خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية، لكنه لم يفقد الأمل بانتصار الحق على الباطل. تجربته الشعرية والأدبية عميقة متأصلة تحمل هموم وقضايا الناس والوطن التي برزت في مجمل مواقفه السياسية والاجتماعية والأدبية والفكرية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها