بقلم: وفيق هواري
خاص/ مجلة القدس، خلال الشهر الماضيتوقف قلب نصير الأسعد عن الخفقان، وغادرنا منسلاً من بين جفون أصدقائه ورفاقه، تاركاًأثراً لن ينسى في العلاقات الإنسانية التي بناها خلال عمره القصير مع الآخرين.
فوجئنا بخبر رحيله،رغماً من توقعنا أن يغادر، بعد أن عجز جسده عن مقارعة المرض الخبيث الذي سبب له أمراضاًأخرى، وعلى الرغم من دخوله في غيبوبة مميتة، إلا أن الاتصال الهاتفي الذي تلقيته منالصديق عدنان الزيباوي بخبر وفاته سبب لي صدمةكبيرة.
لقد رحل الصديقالدمث الذي تعودنا على وصفه بالطفل الكبير، ذي القلب الطيب الذي استطاع الفصل بينهقناعاته السياسية وبين علاقاته الشخصية مع الأصدقاء حتى من هو على رأي آخر.
في مأتمه التقيتبعشرات من الرفاق والأصدقاء بعضهم لم أره منذ سنوات طويلة، جمعنا في رحيله، كما كانيجمعنا في حياته.
عرفته في أوائلسبعينات القرن الماضي، مناضلاً طلابياً في الثانويات ثم في الجامعة اللبنانية، كانيتنقل بين كلياتها، لعقد الاجتماعات وتوضيح الرأي، وطرح المطالب الطلابية المحقة ينظمالتحركات ويتابع التظاهرات الطيارة، دافع كثيراً عن ديمقراطية التعليم وحق الجميع فيالتعلم، وطالب بتطوير الجامعة اللبنانية بصفتها من المساحات المشتركة بين اللبنانيين،توحد مطالبهم وتحاول رسم مستقبلهم، كان من المؤسسين للاتحاد الوطني لطلبة الجامعة اللبنانية وعضو الهيئة الإدارية.
يوم 13 نيسان1975 يوم البوسطة، كان في رحلة طلابية نظمتها لجان العمل الطلابي اتصلنا بالشباب للاطمئنانعنهم وتحديداً عن نصير، المناضل الذي انخرط بعدها في الحرب دفاعاً عن برنامج الإصلاحالذي طرحته الحركة الوطنية اللبنانية آنذاك وتدرَّجَ في مسؤولياته الحزبية في منظمةالعمل الشيوعي ليصير واحداً من قيادتها. كان يقوم بكل المهام الموكلة إليه بحماسة نادرة،جمعنا العمل المشترك في مجلة بيروت المساء فكان مثالاً في التواضع والاستماع إلى الآخروالالتزام بمواعيد تسلم المواد، كان الكاتبَ الصحفي القادر على طرح وجهة نظره ومدافعاًعنها ومناقشاً مع الآراء الأخرى.
حماسته في موقفهالحزبي الشيوعي لم تقل حتى بعد انتقاله إلى موقع أخر، كان يعبر عن قناعاته بشكل منطقيبعد انتقاله للعمل في جريدة المستقبل لم انقطع عن زيارته بين الحين والآخر، كنت استمعإلى وجهة نظره التي يطرحها بجرأة وحماسة، لم أوافقه في معظم الأحيان، لكني بقيت أكنُّله الاحترام بسبب إفصاحه عن رأيه وعدم ممارسة سياسة التكاذب التي يلجأ إليها عدد منالمثقفين.
عندما انخرط فيالحرب الأهلية من خلال منظمة العمل الشيوعي، كان مقتنعاً بضرورة الدفاع عن القضية الفلسطينيةوعن الشعب الفلسطيني قسراً إلى لبنان.
موقفه هذا لم يتغيرأبداً طوال حياته، ربما تباينت أراؤنا تجاه الوضع اللبناني، لكن لم يحدْ شبراً واحداًعن موقفه الداعم للشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية.
أذكره أيام الحصارالإسرائيلي لمدينة بيروت، كنا نقضي أوقاتاً طويلة نلتقي في عدد من المراكز والبيوت،وبعد الانتهاء من المهام الحزبية، كنا نتناول الغداء أو العشاء مع رفاق آخرين.
وعندما غادرت قواتالثورة الفلسطينية لبنان عام 1982، رافق نصير الأسعد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات فيسفينة الرحيل إلى تونس، ومنها انتقل إلى فرنسا، وظل يتنقل بين تونس والبلدان الأوروبيةللقيام بهمام حزبية انيطت به من جانب قيادة المنظمة آنذاك.
بعد عودته إلىلبنان شارك بدور فعال خلال النقاش الذي دار حول أزمة الاشتراكية، وبعد مغادرته المنظمةبقي على موقفه الفلسطيني فرحب بإعلان فلسطين في بيروت الذي أعلنته القيادة الفلسطينيةفي مطلع عام 2008 ودافع عنه ورأى فيه جرأة كبيرة لم تستطع قوى لبنانية الأقدام عليه.
وثمَّن كثيراًوثيقة الشرف والوفاء التي أعلنتها القيادة الفلسطينية في نيسان 2008 بمناسبة عيد الفصحالمجيد ووجهتها إلى شعبي لبنان وفلسطين.
كان مدافعاً شرساًعن حق الفلسطينيين بقراراتهم المستقلة، وكان يقف دائماً إلى جانب خيار القيادة الفلسطينية،ولم ينقطع من التواصل معها أيضاً.
رفيقي نصير، أهميةالإنسان بما يحدث من تغيير في الساحة التي يعيش فيها مما يؤثر بالمحيطين به، وأنت كنتدائماً من محدثي التغيير أينما حللت وأينما كنت، تغيير الهدف إلى الأفضل.
اليوم نفتقدك ونفتقدأمثالك من المناضلين، نفتقد الإنسان الذي لن ننساه لما ترك من بصمات.
نصير غادرتنا ولازلنا على حلمنا المشترك، حلم بناء وطن ما زال معلقاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها