1926 -2012...

خاص/ مجلة القدس، رحل من غير استئذان،هو الذي شهد الخسارات كلها، منذ أن أشرق النهار على أبواب الفجر، إلى إغفاءة القمرعلى حين غفلة من الزمن، لم يكن يدري أن كل هذا الأسى سيحطّ بثقله مرّة واحدة على منكبيه،لم يكن يدري أن كل هذا الألم سيجتاح جسده الأشمّ بصخرة سيزيف، رحل بعد أن ترك طريقاًمضاء لكل الأقلام المتمرّسة بالعمل الصحافي، رحل قبل أن يجفّ حبر القلم على عتبات الفكروالسياسة والحرية والديمقراطية ويعلن الديك انتهاء الوقت، وقت الحياة ووقت القلب السائرعلى شفير الأحزان المتلاحقة، من وجع إلى وجع، ومن سقطة إلى كارثة! غسان تويني علامةفارقة في عالم الصحافة والعطاء الفكري والإنساني والسياسي، مدرسة تقلّب فيها على جمرالعطاء من قيد محكم إلى سجن ظالم. من هذا الواقع خرج بمنارة مشعّة بالضوء، بمدرسة النهار،الجريدة الأحب إلى قلبه، مدرسة خرجت من عتمة السجن إلى النور، رجل خرجت مقالاته فيأحشاء أرغفة الخبز المهرّب من السجون لتصل إلى أولئك الذين أرادوا أن يكسروا ريشة القلم،ولكن الريشة كانت عصيّة على الركوع. غسان تويني رحيل مؤلم في وقت تضمحلّ فيه الأفكار،ويضحُلُ فيه الفكر النيّر، هو الذي تمرّس العمل الحزبي في صفوف الحزب القومي الاجتماعي،وتشرّب منه مبادئ القيم الأساسية، ولكن روحه المغرّدة لم تطق القيود والجدران، فانطلقالى العالم الأرحب، الى ان يكون حرّاً من كل قيد، إلى إنسانية الإنسان، وحكمة التواضع،والدفاع عن الحقوق. وقف على تخوم فلسطين كأول صحافي حربي ينقل مأساة الشعب الفلسطينيوغدر الهجمة الصهيونية على ارض فلسطين. من هناك، من أتون تلك الحرب الصادمة أدرك حجمالمؤامرة ضد الفلسطينيين، فنبّه الى حجم ارتداداتها وانعكاساتها على الوطن العربي،خصوصاً الدول المحيطة. صدمته الحياة في اكثر من موقع،  ففجع بوفاة زوجته الشاعرة ناديا حمادة، وبابنته نائلةالتي توفيت بالمرض وهي صغيرة، وبابنه مكرم الذي ذهب في حادث سير، واخيرا بابنه جبرانتويني الذي قتل في 12 ديسمبر 2005 باعتداء سيارة مفخخة، فوقف عنيداً جباراً امام هولهذه الكوارث، ورفض الثأر من الذين اغتالوا جبران، لأن الحقد لا يُمحى بالدم! ولأنهكان يعرف أن الوطن لا يحتمل هذا الثأر، وان الوطن يمر بمرحلة دقيقة في هذا الوقت العصيب.تقلّب غسان مناصب رفيعة في الحكومات اللبنانية المتعاقبة. فعين نائباً لرئيس مجلس الوزراء،ووزيراً للانباء، ووزيراً للتربية الوطنية والفنون الجميلة، كما عين وزيراً للسياحة،ووزيراً للصناعة والنفط، ووزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، ووزيراً للاعلام، وعينايضاً سفيراً للبنان في الأمم المتحدة، وكانت له مقولته الشهيرة هناك "اتركواشعبي، يعيش". وكان عرّاب القرار 425. وتقلّد مناصب رسمية عديدة. على الصعيد التربويعمل محاضراً في العلوم السياسية في الجامعة الامريكية ببيروت 47 - 48. ترأس جامعة البلمندفي 90 -93 وكان عضواً في مجلس امناء الجامعة الامريكية في بيروت من 1998 – 2002. حاصلعلى شهادة البكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الامريكية ببيروت 1945، وعلى الماجستيرفي العلوم السياسية من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة 1987، أبرز مؤلفاته:

•اتركوا شعبي يعيش،نزهة العقل، سر المهنة وأصولها، الثقافة العربية والقرار السياسي، قراءة ثانية في القوميةالعربية، قبل ان يدهمنا اليأس، البرج ساحة الحرية وبوابة المشرق، الارهاب والعراق قبلالحرب وبعدها.

لكأن الزمان شاخفابيّض شعر الرجل، واكتسى بالثلج الابيض، ولكنه بقي واقفاً ولم يمت.