ليس من طبائعي ككاتب، الرد على من يتناول شخصي في معرض التعقيب على موضوع أو رأي لي. لكن ما جاء في سطور لأحدهم، نشرتها صحيفة حمساوية أمس؛ يدعو الى الرثاء لوجهته المتعلقة بالشأن العام. فالأجدر أن يوضع الأمر الشخصي جانباً، لأن الشاب ربما أراد أن يهاجم العبد لله لكي يجتذب الانتباه لدور يضطلع به وأن يُرضي أمراء "الجماعة". ولسنا ضد بلوغه كل هذه الأمنيات. وسمعت أنه فعل ذلك مراراً وتعرض لمقالتي ولشخصي غير مرة، وأشعر بالأسف لأنه ما زال في حاجة الى الاستمرار ولم يحقق غرضه. ومن المفارقات، أن صحفياً من "حماس" نفسها وهو مسؤول الإعلام في إحدى وزارات "الجماعة" هو الذي هاتفني في صباح أمس الباكر، لينبهني باستهجان الى ما خطه قلم الفتى، الذي يؤسس هجومه ضد عدلي صادق، على قاعدة عنوان مقالته عن جدعون ليفي. وقال لي هذا الأخ نفسه، إن الأوساط الصهيونية المتطرفة تتهم ليفي بأنه عميل لـ "حماس" وليس لحركة "فتح". وبمطالعة السطور تبين أن كاتب المقالة، يقول بلغة خطابية، مفرغة من أي مضمون منطقي، مسرفة في شطط التوصيف؛ إنه لن يدافع عن "حماس" أمام كاتب "فضّل يهودياً يحتل 78% من فلسطين على فلسطيني يختلف معه سياسياً". فقد نسي بفعل حرارة حماسته للهجوم على عدلي صادق، أن إسرائيل ما زالت تحتل وتحاصر 100% من فلسطين، وأن جدعون ليفي فيما يكتب، يقف ضد اثنين من أشكال الاستلاب: الـ 22% مساحة الضفة وغزة، وملايين الدونمات المستلبة من الممتلكات الخاصة للفلسطينيين في أراضي احتلال 48. فجدعون يقول إن على إسرائيل أن تعيد للفلسطينيين أراضيهم المسروقة. ولأن الأراضي والسياسة وورقتها الوطنية الموحدة وضرورات تفعيلها في التعاطي مع الواقع ومعطياته؛ لا تعني كلها شيئاً لفتى نشأ في مناخات الكلام المُطلق، والشعارات ذات الوعود القصوى، فهو لم يرَ سوى اسم جدعون، فاختزله دون سواه، بوصفه المحتل، ومنح مجاناً الراغبين في شطبنا كشعب وقضية، مثالاً على لا جدوى اعتراف أي يهودي بأي جزء من الحق الفلسطيني.

كأن الحمساويين، لا يستقبلون إسرائيليين من ذوي الخطاب المشابه لخطاب جدعون ليفي. وحتى في جزئية المصالحة، ينتقي الشاب النصوص التي نزجر فيها "حماس" لتهربها من المصالحة وتستبطن أسبابها وحساباتها، وفي السياق يختلق الكاتب الحمساوي تيارين في "فتح" واحد للمصالحة والآخر ضدها. ذلك علماً بأننا في المجلس الثوري للحركة، لم نسمع ولم نقل كلمة واحدة، طوال نحو خمس سنوات ضد المصالحة.

لا موجب للإفاضة في البرهنة على خطأ ما ذهب اليه الفتى، عندما اجتزأ من سياق ما يكتب عدلي صادق يومياً، لكي يجعلنا غير معنيين بموضوع الاحتلال وسفالاته. فالشاب بدا انه يتابع ما يكتب عدلي صادق، ومقالته الهجومية جاءت كبرهان إضافي من البراهين الكثيرة التي يعتز بها الكاتب، على فاعلية ما يكتب. فقد تلقى محسوبكم ذات يوم، هجوماً من نتنياهو، من على منبر الكونغرس الأميركي، حين استشهد بسطور كتبها عدلي صادق، لكي يزعم أن السلطة الفلسطينية تؤيد العمليات الاستشهادية، وتلقى عدلي صادق هجوم ودسائس المستعرب جيفري فيلتمان، الذي كان قنصلاً عاماً لأميركا في القدس وكان سفيراً في لبنان والعراق ثم مساعداً لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، وتلقى هجوم السيناتور غينغرتش المتسابق على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في الانتخابات الأخيرة الذي هاجم عدلي صادق وقال إنه لا يعترف بإسرائيل، وهذه وغيرها وقائع مسجلة.

يتهمنا الكاتب الفتى بأننا نؤيد استمرار الانقسام، علماً بأن جماعته هي المسؤولة عن الانقسام وعن استمراره، وهي التي قتلت نصر شاور مع مئات المغدورين الذين سُفكت دماؤهم أو أطلقت على مفاصلهم النيران من النقطة صفر وألحقت بهم عاهات دائمة، أو قُصفت بيوتهم بمضادات الدروع. وليس أكثر بؤساً وضحالة من التوظيف السمج لعنوان مقالتي عن جدعون ليفي، بينما حسب كلام الصديق الحمساوي بمقدور قارئ الصحيفة الحمساوية أن يعود الى المقال، وأن يقرأه عبر محرك البحث "غوغل".

سنظل أوفياء لدماء الذين قُتلوا ظلماً من أي طرف كانوا، وسنظل نطالب بحقهم وحق عائلاتهم بالقانون، بدون التزيد الخطابي وبدون ترف اللغوْ أو طلب الانتقام. أخيراً، ربما يصعب على الواحد منا أحياناً، أن يتخلى عن تواضعه كأن يقول للفتى بصيغة الاستفهام: من أنت يا بُني بمعايير الكفاح الوطني وأكلافه وعذاباته، وجراحات الروح والبدن، ومن هم مسؤولوك، لكي تهاجم مناضلين أفنوا حياتهم على درب الجلجلة، دون أن يربحوا شيئاً خاصاً سوى تاريخهم وسمعتهم وراحة ضميرهم؟!

كل التحية لمن يريد المصالحة على أسس دستورية وقانونية. فهذا منّا ونحن منه، ونحن الأحرص على وحدة الوطن وكيانيته السياسية. ولا خلاف في "فتح" على ضرورة المصالحة والسعي لها. نحن فيها، والماء يكذّب الغطاس.