إنعام فقيه

«علم وخبر» تأسيس المؤسسة سنة 1963

في أحد شوارع بيروت الرئيسية يقع مبنى تشغل مؤسسة الدراسات الفلسطينية طوابقه الثمانية. في هذا الشارع نفسه، وفي غرفة صغيرة، ولدت المؤسسة قبل خمسين عاماً.

بين عامي 1963 و2014 مرت القضية الفلسطينية بمراحل وحروب وتطوّرات صاخبة واكبتها المؤسسة بالبحث العلمي، وسجلت وقائعها وحفظتها، وناقشت وحللت وقائعها ونتائجها وأبعادها في الندوات والمؤتمرات والمؤلفات.

تبدّلت الأيام عما كانت عليه، عندما اشتعلت الفكرة، أول الستينيات، في رؤوس زملاء ثلاثة في الجامعة الأميركية في بيروت: الدكتور قسطنطين زريق، والاستاذ وليد الخالدي، والأستاذ برهان الدجاني. وانضم إليهم بعد ذلك أساتذة آخرون من الجامعة الأميركية: الشيخ الدكتور سعيد حمادة أحد أبرز مؤسسي دراسات العلوم وكلياتها في الجامعة ووزير الاقتصاد اللبناني، والمشارك في وضع سياسة لبنان النقدية وفي أبحاث انشاء مصرف سورية المركزي وبعده مصرف لبنان، والمؤرّخ الدكتور نبيه أمين فارس، والدكتور فؤاد صروف أستاذ علم البيولوجيا في الجامعة ونائب رئيسها والمشرف على منشوراتها، والمؤرّخة الدكتورة نجلا أبو عز الدين. وانضمت إليهم الأستاذة وداد قرطاس مديرة الكلية الأهلية في بيروت. ثم توسعت الدائرة بانضمام نخبة من «الانتليجنسيا» اللبنانية، بعض أفرادها من تلامذة ميشال شيحا وهو من أوائل المفكرين اللبنانيين الذين أدركوا مخاطر الصهيونية وإسرائيل على لبنان. وكان ثلاثة من هؤلاء بين مؤسسي المؤسسة وهم: الشيخ موريس الجميل، والأستاذ شارل حلو (قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية) والدكتور ادمون رباط.

كانت الفكرة التي تمحورت حولها النقاشات ان إقامة إسرائيل الصهيونية في قلب الوطن العربي تشكل خطراً قومياً وحضارياً وثقافياً قبل أن تكون خطراً عسكرياً داهماً. وان مواجهة هذا الخطر هي أساساً مواجهة فكرية وحضارية تقارع الحجة بالحجة وتكشف زيف الادعاءات الصهيونية التي تملك قوة تتفوّق فيها على العرب هي امكاناتها المالية العالمية والتطوّر العلمي والنفوذ الصهيوني المتغلغل في المجتمعات الغربية.

واستقر رأي هذه النخبة من المفكرين الفلسطينيين واللبنانيين على انشاء مؤسسة أبحاث، ظنوا أنها ستكون نواة مراكز البحث العربية ولم يدركوا، إلا متأخراً، ان مؤسستهم الخاصة والمستقلة والتي لا تتوخى الربح، وتقوم على جمع التبرعات غير المشروطة، ستبقى وحيدة في مواجهة غزو يحتاج الى عشرات مراكز الأبحاث والى مئات الباحثين المتخصصين المدججين بالعلم والكفاءة والخبرة.

استأجر المؤسسون غرفة في شارع متفرع من شارع فردان في وسط بيروت، وقدّم زميلهم وممثل الجمعية الناشئة المحامي الدكتور ادمون رباط طلب العلم والخبر الى وزارة الداخلية اللبنانية، وحصلوا عليه في 12/12/1963 ممهوراً بتوقيع وزير الداخلية آنذاك المرحوم كمال جنبلاط. (أي قبل أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من جامعة الدول العربية عام 1965).

بدأ المشروع - كأي مشروع جدّي لانشاء مركز أبحاث - بتأسيس مكتبة وجمع الوثائق، قبل أن يشرع في اصدار الكتب وأولها مجموعات الوثائق، والدراسات الميدانية عن هول كارثة اللاجئين الفلسطينيين وشهادات قدّمت الى لجان التحقيق الدولية.

قرر المؤسسون ضم شخصيات عربية من أساتذة الجامعات والعاملين في الحقل الوطني والقومي والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية وحقوق شعبها، والمدركين لأخطار الصهيونية والمستعدين للنضال ضد هذه الأخطار بما ملكت ايمانهم من علم ومال وخبرة.

رافقت المؤسسة، في نموها وتطوّرها، مراحل تطوّر القضية الفلسطينية. وهي اليوم صرح علمي كبير مقره في بيروت، وله مراكز في واشنطن وباريس ورام الله. لكنه صرح مهدد، فالموازنة السنوية التي تناهز الأربعة ملايين دولار، تعتمد على التبرعات غير المشروطة الآخذة بالتراجع، مع تردي الأوضاع العربية والانشغال بقضايا أخرى عديدة ومصيرية للشعوب العربية، وعلى ريع مبيع منشورات المؤسسة، وريع وقفية زهيدة تتناقص سنوياً لسد عجز الموازنة، والوفاء بالمشاريع البحثية والثقافية التي لا مبرر لبقاء المؤسسة دون النهوض بها.

قلقون على مصير المؤسسة

يمضي كبار المسؤولين وكبار الإداريين في المؤسسة معظم أوقاتهم في البحث عن مصادر التمويل غير المشروط. ويقول المدير العام محمود سويد أنه لمؤسف أن يكون الهم الأساسي لهذه المؤسسة الرائدة والناجحة والوحيدة في العالم المتخصصة والمتفرغة تفرغاً كاملاً والتي تحصر نشاطها منذ خمسين عاماً بالبحث في القضية الفلسطينية والصهيونية وإسرائيل أن تكون في يوبيلها الذهبي مشغولة بالهم المالي، وبتأمين نفقات انتاجها سنة فسنة، عاجزة عن جمع وقفية حدد مجلس أمناء المؤسسة لها مبلغ ثلاثين ألف دولار، يسد ريعها السنوي عجز الموازنة، ويؤمّن لها الاستقرار والاستقلال.

ثلاثون ألف دولار فقط تبقي المؤسسة البحثية الوحيدة التي أثبتت خلال خمسين عاماً متواصلة مكانتها العربية والعالمية وجديتها ورصانتها وكفائتها في مجال الدفاع عن الحقوق العربية على أعلى مستوى علمي. هل يعجز متمول فلسطيني أو عربي واحد أو مؤسسة فلسطينية أو عربية واحدة أو دولة نفطية عربية واحدة عن تأمين هذا المبلغ المتواضع إذا كان يدرك حقاً وفعلاً (وليس كلاماً وشعاراً فحسب) ان الخطر الصهيوني هو القضية العربية المصيرية الأولى الحَرية بأن يجمع عليها العرب وإن فرقتهم قضايا أخرى كثيرة تخص - بحق - هذه الدولة أو تلك، أو هذه المجموعة من الدول أو تلك؟

نبذة عن المؤسسة

مؤسسة الدراسات الفلسطينية هي مؤسسة عربية مستقلة تأسست في بيروت عام 1963 غايتها البحث العلمي حول مختلف جوانب القضية الفلسطينية والصراع العربي - الصهيوني وليس لها أي ارتباط حكومي أو تنظيمي وهي هيئة لا تتوخى الربح التجاري. وتعبّر دراساتها عن آراء مؤلفيها، وهي لا تعكس بالضرورة رأي المؤسسة. يشرف على ادارتها مجلس أمناء من خمسة واربعين شخصية من معظم الاقطار العربية ويشكل مكتب بيروت مقر المؤسسة ومركز المعلومات والتوثيق وانتاج منشورات المؤسسة بالعربية، ودورية «مجلة الدراسات الفلسطينية». ويصدر مكتب واشنطن دورية «Journal of Palestine Studies» وكتباً بالانكليزية. ويصدر ممثل المؤسسة في باريس سلسلة كتب بالفرنسية، ويصدر مكتب القدس الذي يعمل حالياً في رام الله دورية «Jerusalem Quarterly» ودورية «حوليات» كلاهما تعنيان بمدينة القدس تاريخاً وثقافة وحضارة وتكشفان أعمال التهويد ونزع كل مظاهر عروبة القدس وتاريخها الإسلامي والمسيحي. وتشكل المؤسسة في رام الله حلقة الوصل مع الداخل الفلسطيني.

من بين نشاطات المؤسسة في مكاتبها كافة برنامج سنوي لنشر الكتب وقد أصدرت أكثر من 700 كتاب باللغات العربية والانكليزية والفرنسية بالاضافة الى المحاضرات والندوات أهمها محاضرة قسطنطين زريق السنوية في بيروت بالعربية أو الانكليزية وندوة برهان الدجاني السنوية في رام الله أو عمان وندوة ينظمها مكتب واشنطن بالإضافة إلى الندوات العامة والمغلقة. وأخيراً وليس آخراً مركز المعلومات والتوثيق الذي يتألف من مكتبة قسطنطين زريق في بيروت وموقع المؤسسة على الانترنت:

 

 

www.palestine-studies.org

المكتبة

منذ تأسيسها عام 1963، حُددت أهداف المكتبة بـ: حفظ الذاكرة التاريخية الفلسطينية والتراث الثقافي والنتاج الفكري الفلسطيني، ومواكبة تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، توثيقاً وبحثاً ونشراً. ومع تنمية مقتنياتها وتطوير وظائفها، توسعت المكتبة وأصبحت اليوم المكتبة الأولى المتخصصة في موضوع القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي في العالم العربي، وإحدى أهم المكتبات في العالم في مجال تخصصها.

وتضم المكتبة مجموعة قيمة من الدراسات والمراجع الأولية من موسوعات وكتب سنوية وتقارير رسمية وأطالس وكتب احصائية إضافة الى عدد كبير من الكتب والكراريس المتخصصة بشؤون القضية الفلسطينية والتراث العربي والإسلامي والمسيحي في فلسطين، وأوضاع إسرائيل الداخلية والمسائل المرتبطة بالصراع العربي - الإسرائيلي وسياسات الدول الكبرى نحوه ومسارات المساعي الدبلوماسية لإيجاد تسوية مقبولة له. وتحتوي المكتبة أيضاً على أهم الدوريات والصحف باللغات العربية والعبرية والانكليزية والفرنسية الخ.. إضافة الى مجموعات خاصة من الكتب النادرة منها كتب صادرة عن حكومة الانتداب البريطاني، ووثائق من مصادر رسمية غربية وأخرى من مصادر صهيونية؛ ومجموعة القوانين والأنظمة التي كان معمولاً بها في فلسطين خلال هذه الحقبة، ووثائق وأوراق خاصة وأرشيف عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية. ومن مقتنيات المكتبة أيضاً مجموعة من الخرائط والملصقات ومجموعات من الصور التي لها مكانة خاصة وطابع فريد، خصوصاً تلك التي تعود الى فلسطين ما قبل 1948.

ان مقتنيات المكتبة بكاملها متوفرة على موقع المؤسسة على الانترنت، بإمكان أي شخص في أي مكان في العالم أن يستفيد من المعلومات والوثائق التي نوفرها على الموقع، فضلاً عن أن عشرات الطلاب العرب والأجانب الذين يتخصصون في مجالات تتصل بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي وأبعاده الفلسطينية والعربية والاقليمية والدولية، يقصدون المكتبة للاستفادة من وثائقها ومقتنياتها، ويساعدهم أساتذة متخصصون من باحثي المؤسسة.

الموقع

ان الهدف الاساسي من موقع المؤسسة على الانترنت هو التعريف بالمؤسسة وانتاجها ومكتبتها المتخصصة، بالاضافة الى الانفتاح على فئات جديدة من المثقفين والباحثين والقراء وكذلك نشر وتسويق انتاج المؤسسة من كتب ودوريات.

وأصبح موقع المؤسسة على الانترنت مصدراً موثوقاً للمعلومات لكل المهتمين بالصراع العربي - الاسرائيلي والقضية الفلسطينية، ومركزاً متكاملاً للمعلومات والتوثيق.

ويتم يومياً إغناء الموقع بالمواد والمعلومات والملفات والأبواب الثابتة بالعربية مثل «مختارات من الصحف العبرية» وهي نشرة يومية تلخص أهم ما يصدر في الصحف الاسرائيلية من أخبار وتصريحات وتحليلات لكبار المحللين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين؛ و«يوميات الصراع العربي - الإسرائيلي» و«وثائق تاريخية» وبالإنكليزية مثل «قاعدة الراصد البرلماني (Congressional Monitor)» وتلفزيون الدراسات الفلسطينية الذي يقدم مقابلات مسجلة مع أبرز الباحثين في شؤون الشرق الأوسط حول مسائل تتعلق بطيف واسع من المواضيع ذات الصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي إضافة إلى باب يرصد سياسة الاستيطان في المناطق المحتلة الخ.