كما توقعت تماماً في مقالتي في جريدة الحياة الجديدة يوم أمس،فإنه بعد ساعات قليلة من الإعلان عن اتفاق جديد غير مكتوب بتهدئة جديدة بين إسرائيلوقطاع غزة بوساطة مصرية، فإن صاروخا انطلق من قطاع غزة وسقط في المناطق الإسرائيليةالقريبة، وردت إسرائيل على الفور بغارة جديدة أدت إلى حرائق ضخمة في مخزن للأخشابأنبعث منه دخان كثيف، كما ردت إسرائيل أيضا بقذائف الدبابات شرقي المغازي في محيطالحزام الأمني. الصاروخ الفلسطيني لم يتبناه أحد! هل هناك من يلعب بالنار خارجسيطرة الأطراف المنخرطة في اللعبة؟ كما أن الرد الإسرائيلي مدروس بعناية، فالقصفيعطي رسالة أن الجاهزية للقصف قائمة، والرد بقذائف الدبابات يعني أن الحزام الأمنيخارج كل المستجدات. من الواضح: أنه خلال الإعلان عن التوصل لاتفاق تهدئةجديد، فإن الصيغ التي تحدثت بها الأطراف المشاركة لم تكن متطابقة، فالأطرافالفلسطينية ضخمت الأمر وركزت على قبول إسرائيل بوقف الاغتيالات، بينما الطرف المصريكان أكثر دقة حين قال إنه يتابع الموقف عن كثب، أما الطرف الإسرائيلي فقد أعطىصياغات تحتمل تفسيرات عديدة. من الواضح أنه خلال الأيام الأربعة أو الخمسةالماضية منذ يوم الجمعة إلى يوم أمس، كانت هناك رسائل، وأن هذه الرسائل أكثر دقةوتحديدا مما تناقلته وسائل الإعلام، ربما تكون حملت تهديدات أكثر عنفا، وربما تكونتلك الرسائل قد طالبت الجميع بعدم تجاوز السقوف المحروقة. و لكن علينا أن ننتظرونراقب لكي نتأكد إن كان هناك أحد يلعب بالنيران خارج السياق، فقد يحدث الانفجارقريبا، وقد تتوسع دائرة العنف لتشمل أطرافا فلسطينية لم يلحق بها أي أذى في الجولةالسابقة! ولكن من الواضح أن اليد الإسرائيلية الممسكة بخيوط اللعبة لا تريد للتجربةأن تنضج إلى حد اندفاع الأطراف الفلسطينية للمصالحة، بل إسرائيل تريد أن يبقىالمشهد كما هو، وأن يعاقب الطرف الذي يلعب بالنار خارج السقف، رغم ما يسببه ذلك منإحراجات للأطراف الأخرى، ولكن إسرائيل لا تريد للعنف الدموي والثمن الفادح أن يدفعالأطراف الفلسطينية إلى التغيير الجذري في مواقفها، بحيث يصل الأمر إلى حد إنهاءالانقسام والذهاب إلى المصالحة، لأن المصالحة تنقل الفلسطينيين إلى طور جديد، إلىحالة أرقى، إلى دور أكبر تأثيرا لصالح الأجندة الوطنية الحقيقية، فإن الهدوء ليسمطلوبا لذاته، لأن الهدوء عندئذ يعني أن يكون الاحتلال هادئا، وبرامجه تسير على قدموساق، وهذا أمر مأساوي، دائما الهدوء الذي تريده الأجندة الوطنية الفلسطينية، يعنيعدم الانشغال بالطارئ عن الأساسي، فالأساس هو التخلص من الاحتلال، من أجل إقامةدولة فلسطين، يعني وقف الاستيطان، ووقف التهويد، والانخراط في مفاوضات جدية، وبلورةمواقف جادة للمجتمع الدولي في اتجاه الضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها، اماالهدوء من أجل الهدوء، فإن برامج إسرائيل من ورائه أكثر ألف مرة من برامجنا، فماذايعني الهدوء السلبي بين الجلاد والضحية، بين القتيل والقاتل، بين دولة الاحتلالوالشعب الخاضع للاحتلال؟ الهدوء في حد ذاته في هذه الحالة كارثة، أما إذا استثمرهذا الهدوء بالخروج من نفق الانقسام، وانجاز المصالحة والانخراط تحت لواء الشرعيةالفلسطينية، وإعادة إحياء العناصر الأساسية للقضية الفلسطينية، فحين ذاك، يصبحالهدوء له معنى إيجابي. الخيط رفيع جدا - كما ترون - بين الخير والشر، بينالانجاز والفشل، وعلينا أن نكون حذرين جدا حتى لا ننخدع فنعتبر أن عودة الهدوء إلىسابق عهده، وعودة المعادلة القديمة إلى حالها هو إنجاز بأي معنى منالمعاني. الصيغ التي تم الإعلان بواسطتها عن اتفاق تهدئة جديد غير مكتوب، هذهالصيغ لم تعجبني، لأنها صيغ غير مؤكدة، ولا تلزم أحدا بأي شيء، ولا تنطوي على شيءيمكن مسكه باليد، اتفاق تهدئة جديد، مثل اتفاقات سابقة، فهل كان الوضع في أحسنحالاته قبل الانفجار الأخير؟ لا لقد كان الوضع في أسوأ حالاته، استيطان محموم،وتهويد مجنون، وانقسام ملعون، فهل هذا ما نرغب في العودة إليه في ظل اتفاق التهدئةالجديد؟ وهل يعود غدا لنتحدث عن المصالحة المتعثرة، والكهرباء المقطوعة، والوقودالشحيح، ونتبادل الاتهامات قيما بيننا، ونغرق ثم نغرق ثم نغرق في الأوهام
يحيى رباح
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها