رضوان عبد الله
فتح ميديا/ لبنان، للعام التالي على التوالي اعتمدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) برنامجاً تربوياً مدعوماً من قبل الاتحاد الأوروبي تحت إسم التدعيم الدراسي (Learning Support). وقد خطت الاونروا خطوات هامة في سبيل إنجاح هكذا برنامج حيث عملت على تحقيقه وتنفيذه على النحو التالي:
أولاً: اعتماد امتحان تشخيصي من أجل التأكد من مشاكل التعليم التي يعانيها التلامذة والصعوبات التي يواجهونها أثناء تلقيهم الدروس.
ثانياً: تصحيح وتحليل نتائج الامتحان والذي شمل المواد الأساسية الثلاث (اللغة العربية – اللغة الاجنبية- والرياضيات).
ثالثاً: اعتماد مجموعة طلابية تُختار حسب نتيجة الامتحان التشخيصي من صفيّ الثالث والرابع أساسي، مع الأخذ بعين الاعتبار متابعة الطلاب المحتاجين إلى الدعم المدرسي من صفوف المرحلة الأساسية أي من صف الأول حتى الثامن أساسي، والاهتمام بطلاب الصف التاسع ضمن برنامج منفصل تغطي خلاله الأونروا معدَّل 30دولار عن كل طالب ضعيف (شهرياً)، يبدأ بالعمل به مع طلاب البريفيه بعد الفصل الدراسي الأول كما حصل العام الماضي.
رابعاً: "توظيف" حوالي 300 معلم ومعلمة على أساس المياومة (معلم يومي) ولكن ضمن فئتين: الأولى معلم/ة تدعيم دراسي بمثابة المشرف/ة على تطبيق البرنامج في المدرسة بمعاش هزيل مقداره 20دولار أميركي عن كل يوم دوام، حيث لا ضمان ولا تعويض ولا توفير لمثل هكذا توظيف.
أما الفئة الثانية فهي معلم/ة تدعيم دراسي بمثابة (معلم/معلمة إستشارية) لمتابعة الطلاب المحتاجين للدعم داخل الصفوف وإخراجهم لتلقي دروس الدعم التعليمي إلى غرف خاصة لتنفيذ البرنامج مجهزة بادوات متطورة إضافة إلى وجود كتب ومواد تربوية عادية والكترونية أخرى داعمة، وهذا التوظيف مقابل 15 دولار يومياً بمعدّل 3 أيام دوام اسبوعياً فقط لا غير.
ويلاحظ هنا أن النوع الأول حسب ما نشرت الأونروا على موقعها الرسمي لا يتقاضى المعلم الأول على مدار العام الدراسي كاملاً أكثر من 3000دولار أميركي فيما لا يتجاوز معاش النوع الثاني الـ1500 دولار أميركي لا غير وهذا بمثابة بدل بطاقة حسب المؤشرات الاقتصادية العامة.
خامساً: قامت الأونروا باعتماد نوعين من الكتب لتنفيذ هذا البرنامج بموازاة المنهاج المدرسي:
أ- النوع الأول للفئة الضعيفة (الطالب ذو التحصيل الدراسي الوسط من حيث علامات الامتحان التشخيصي)، وهو ملخّص مبسّط عن الكتاب المدرسي ويحاكي مهارات وقدرات الطالب الفكرية والجسدية والاكاديمية.
ب- النوع الثاني من الكتب موجّه للفئة المصنّفة "ضعيفة جداً" أي للطلاب رغم وجودهم في صفي الثالث والرابع من المرحلة الأساسية وهنا نتساءل كيف لهؤلاء الطلاب أن يكونوا في الصف الثالث أو الرابع أساسي وهم لا يميزون بين الأحرف الأبجدية إن كانت عربية أو أجنبية؟
على ألاّ يزيد عدد المجموعة الأولى من كل صف (ثالث أو رابع) عن عشرة طلاب أي بمعدَّل ثلث أو ربع الصف، اما الفئة الثانية فيجب ألا يتجاوز عددهم خمسة طلاب من كل صف مهما كان عدد طلابه، يتولَّى تدعيمهم أكاديمياً النوع الأول من المدّرسين الموظفين ضمن البرنامج في أوقات يتم تنسيقها مع مدرسي المواد الأساسية للصفوف الثالث والرابع بكل مدرسة.
وبينما أخذت الأونروا على عاتقها تنفيذ برامج تربوية متقدمة تواكب وتوزاي مناهج المدارس الحكومية إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في العملية التربوية كاملة والتي تتمحور في دائرة مترابطة (من الادارة المدرسية إلى المعلم إلى الكتابة إلى الطالب إلى الأهل إلى مؤسسات المجتمع المحلي). وهذه الأركان التي تستند إليها العملية التعليمية لا يقل أهمية أي ركن فيها عن الآخر، وأي خلل في أي ركن فإن كامل العملية التربوية يجب أن يتم ترميمها وإعادة النصاب إلى مجراها الطبيعي، وهذا يدعونا إلى الوقوف عن كثب على دور المدرستين الأساسيتين اللتين هما عمادان متوازيان يُنجّحان سيرورة العمل التربوي أو يُفَشِّلانه ألا وهما مدرسة البيت ومدرسة التعلم. وهكذا، فعلى الأهل جميعاً أن يتعاونوا مباشرة وبطريقة غير مباشرة أيضاً في مساعدة المدرسة الثانية من أجل رفع مستوى التعليم لدى أبنائهم وبناتهم الذين لا يجب أن يقفوا مطحونين بين رحى المطحنة بدفتيها البيت والمدرسة، فإن أي إهمال من قبل البيت ينعكس سلباً من التلميذ وعليه في الوقت نفسه، يدفع ذلك بالتلميذ (للفلتان) وعدم الانضباط أو الانتباه، وعدم التركيز في الصف، وأن أي إهمال أو حتى تقصير من الواجبات المدرسية من قبل المعلم تدفع بالتلميذ أيضاً إلى أن يهمل أكثر وألا يلتفت إلى دروسه في البيت وبعدم المذاكرة وحل الوظائف والواجبات المدرسية.
ربما أسمح لنفسي هنا أن أتدخّل إلى حدٍّ كبير في تعافي المؤسسات الأهلية والمدنية، التي بها إهتمامات بالأمور التربوية ضمن برامج عملها في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى حيث إنها توزّع إلى نوعين إن لم يكن أكثر (المؤسسات التي لها علاقة بالعمل التربوي). النوع الأول، يأخذ منحىً تجارياً ويحاول أن يكون مدرسة بديلة من ناحية حل الوظائف للطلاب فقط لا غير مقابل رسوم تتحوَّل في المراكز إلى شبه أقساط تضاف إلى معاناة الأهل الاقتصادية. أما النوع الثاني فهو شبه مجاني يأخذ رسوماً رمزية لا تزيد عن 5000 ليرة لبنانية وهذا النوع نستطيع أن نسمّيِه مؤسسة أهلية وغير حكومية حيث تكون برامجها مدعومة من جهات فلسطينية وغير فلسطينية وتنفذ برنامجاً تدعيمياً بحدّه الأدنى إلاّ أنه بحاجة إلى مراقبة ومتابعة من قبل لجان تنسيق عليا أو مجالس تربوية يجب ونركِّز هنا على كلمة (يجب) أن تكون موجودة في مجتمعنا الفلسطيني. ولا يمنع أيضاً أن يتم متابعة النوعين من معاهد التدعيم كي لا نضطر أن نغوص بأمور تُخرجنا عن صمتنا وتُحرج أصحاب المعاهد التربوية في طريق التعاطي مع كلٍّ من الأهل والتلامذة على حدٍ سواء. على أيٍّ حال فإن عملية التدعيم المدرسية بجميع حالاتها إن كانت داخل المدرسة وتتابع من قبل (مرجعية تنسيقية) مكلفة رسمياً من الأونروا ومن خلال لجنة تحصيل دراسية موجودة في كل مدرسة وبقرار (أونرواتي) صرف، تساهم فيه مؤسسات أهلية إضافة إلى الإدارة والمعلمين والإرشاد والتوجيه بالأونروا، او التي يجب متابعتها خارج المدرسة في "مدارس بديلة" إن صحّ التعبير، أو معاهد تعليمية بصنفيها شبّه المجاني أو التجاري.
وربما أيضاً ما يدفع القارئ أن يسأل، وماذا بعد؟ نقول وبقلبٍ مليء بالمشاعر الحزينة تجاه طلابنا، أبناء مخيماتنا وتجمعاتنا الفلسطينية، وبفكرٍ عميق جعل القلم يخطّ الكَلِمَ بكلامٍ كليمٍ يُدمي القلوب إن ما أصاب طلابنا من إنحدار في مستوى التعلم في مدارس الأونروا الكلّ فينا مسؤول، وكما قال رسولنا الكريم "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته"، فلا نبرِّئ الأهل ولا نُبرِّئ المدرسة ولن نبرِّئ المدرِّس حيث أنه هو الذي (كاد أن يكون رسولا...) عند حدٍّ قول الشاعر، ولا يجب أن نتغاضى عن دور مؤسسات المجتمع المحلي بل لا يجب أن ننسى أن نقول لكل مرجعية فلسطينية تعتبر نفسها مسؤولة عن شعبنا الفلسطيني في لبنان أن لا تتركوا أجيالنا تضيع بين غرفة المنزل وزاروب المخيم وملعب المدرسة، ويؤسفني أن أسمي بالإسم اللجان المعنية مباشرة بالتعليم كجزء من خطط عملها (اللجان الشعبية – اللجان الأهلية)، فمع الإشادة بدور كلٍّ منهما في شتى المجالات الخدماتية إلاّ أنه لا يجب أن يُطرح أمام مدير عام للاونروا في جلساتهم قضية شخصية (على أهميتها بالنسبة للسائل) فيما تُترك قضايا خدماتية كبيرة يجب أن تناقش في هكذا جلسات خصوصاً ما يتعلق بشريحة أساسية من شرائح شعبنا (أي الشرعية الطلابية) والتي تصل في مجموعها بلبنان إلى حوالي أربعين ألف طالب أو يزيدون، أي بمعدل 20% من شعبنا الفلسطيني في لبنان إذا اعتبرنا أن عدد القاطنين في لبنان لم يتجاوز الـ200 ألف فلسطيني كمتوسط تقديرات أعداد اللاجئين في لبنان من شعبنا الفلسطيني....! والذي هو من الشعوب الفتيّة لأن نسبة شباب تزيد فيه عن 25% عموماً. ولا بدّ من الإشارة أخيراً إلى أن الاونروا اعتمدت على تغيير المنهج الدراسي في مدارسها تدريجياً، وهذا واضح جلي حيث بدأت بمنهج اللغة العربية الذي أصبح بسنته الثالثة مغايراً للمنهج الرسمي للدولة، ويشيد الكثير من المعلمين بنوعية المواضيع الموجودة بالمنهج الذي يتضمن مهارات عديدة، بينما بدأت لهذا العام بمنهج جديد من اللغة الانكليزية، وتراوحت الآراء حول ذلك المنهج بين المرحِّب به والمشكِّك بنوعيته من ناحية محاكاة المهارات والقدرات الطلابية، ولن تظهر النتيجة سلباً أو إيجاباً قبل نهاية هذا العام الدراسي.
وكي لا يضيع الطالب بين "حانا" المناهج و"مانا" الاونروا بدائرتها التعليمية حريٌّ بنا أن نوجّه البوصلة إلى مسارها الصحيح لأننا إن أردنا النهوض بالمستوى التعليمي لطلابنا والسير به قُدُماً نحو الأحسن فلا بد أن نعتمد الطرائق الحديثة المتطورة في التعليم والتي تواكبها التطورات التكنولوجية والتي تحاكي أجيال هذا العصر مع الإهتمام أيضاً بوجود العناصر التحفيزية المشجعة للتلامذة في نيل العلم بعيداً عن الملل والضجر والإهانات والشتائم، وطبعاً مع قوانين او إجراءات عقابية حازمة وصارمة للتلامذة المخطئين ويكون الهدف منها تقويم الطالب وتصحيح مساره ليس إيذائه لا جسدياً ولا نفسياً ولا حتى فكرياً، مع التأكيد على احترام متبادل بين التلميذ ومعلّمه من منطلق تعليمي تربوي ناشط يحافظ خلاله المعلم على دوره الناشط الموجّه كونه معلما ومربيا، فيما يمتاز التلميذ بحبّه للعلم بمعنويات وبهمّة عالية ينهل خلال ذلك من منهل العلم بثقة كبيرة وبعزمٍ لا يلينْ.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها