تتحول الوسيلة الإعلامية إلى سلاح مدمر، وتتحول الرسالة الإعلامية إلى قنابل جرثومية، عندما يكون المراسل مخادعًا مضللاً، متمترسًا في الجبهة المعادية للتحرر والحرية، وعاملاً على اختراق وعي وإدراك المتلقي، الذي يظن نفسه طائرًا على بساط الريح الأسطوري، يرى العالم، من فوق. لكنه لا يعلم أنه لن يقدر على الهبوط بسلام وأمان، فهذا الحامل للمتلقي المتكئ، والمرتحل به من مكان إلى آخر على الهواء مباشرة، مصمم للإسقاط والسقوط  فقط. ولكن ليس في أرض الحقائق، وهذا تمامًا ما تفعله فضائية الجزيرة منذ إطلاقها، بقرار ومنهج مرسوم سلفًا، من إدارة أقوى جهاز استخبارات في العالم.

لم نطلب من الجزيرة يومًا الانحياز للحق الفلسطيني، لكننا لم نغفل يومًا، عن انحيازها واصطفافها في مقدمة أرتال (الطابور السادس) الإعلامي، الذي تفوح منه رائحة العدائية للوطنية، ومبادئ وقيم التحرر، والتقدم والديمقراطية عمومًا، وللمشروع الوطني الفلسطيني، ولحركة التحرر الوطنية الفلسطينية خصوصًا، فانخراطها في مؤامرة التشكيك بقيادة الشعب الفلسطيني، وبشرعيتها النضالية والشعبية والسياسية، كان معلومًا، لكننا بالحكمة والصبر أحبطنا تداعيات سياسة مركزها، المنفذ للخطط والأوامر الآتية من بعيد، وسندنا في ذلك إدراك ومعرفة الجمهورين الفلسطيني والعربي، لأهداف الجزيرة التي فشلت باختراق منظور الباحثين بإخلاص ومصداقية عن الحقائق، ولم تنجح بتشويشه، لكن إدارة الخداع والتضليل، والعاملة على اغتيال وعي المتلقي، وتشويه معرفته، استغلت الوقائع الفلسطينية اليومية الدموية والسياسية، على حدٍّ سواء، وذهبت بلا حدود إلى توظيف الحق الفلسطيني، لتمرير الباطل وفقًا لخلطة سرية لا يعلم مركباتها، إلا رؤوس جماعة الإخوان المسلمين، وفرعهم المسلح في فلسطين المسمى "حماس"، فأمعنوا، وشدوا أحزمة التضليل على بصر وبصيرة المتلقي الفلسطيني والعربي، وقذفوا بلا رحمة أخلاقيات وقوانين العمل الصحفي والإعلامي، وانتهكوا الحرية الممنوحة لهم ولغيرهم وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني، واحترامًا للمبادئ الأساسية لحقوق المواطن الفلسطيني، حتى بلغوا جميعًا حافة الهاوية، وعندما دفعتهم سلطة القانون والقضاء الفلسطيني، إلى التوقف عن التهور والتدهور، والغلو، والتكبر، أبوا إلا الاستمرار، ولم يجدوا أثناء السقوط إلا قشة (الخارجين على القانون) في مخيم جنين، ليمسكوا بها، فكان السقوط مدويًا، فهذا الذي قدموه على شاشتهم (الجزيرة) بعد الصاق مسمى مقاوم، وقائد كتيبة في المخيم، يسقط بعد يومين في فضيحة الهروب من المخيم، متخفيًا بثوب امرأة، وعربة طفل رضيع، مدبرًا مستسلمًا لجنود جيش الاحتلال، على بعد سبعة كيلومترات من المخيم، وهو الذي تعرفه الجزيرة، بشرائطه المصورة (فيديوهات) متوعدًا، ليس جنود جيش الاحتلال، وإنما ضباط وجنود إنفاذ القانون من أجهزة الأمن الفلسطينية، بالعبوات والقنابل والبنادق والرصاص، إن دخلوا المخيم للقبض عليه، تنفيذًا لأمر النيابة العامة، بسبب تراكم ملفات قضايا جنائية عليه، منها احتيال ونصب على المواطنين بمئات آلاف الدنانير. وهذا نموذج أخذته الجزيرة -عن قصد- للنيل من السمعة التاريخية للمخيم، والتشكيك بمهمة أجهزة أمن السلطة الوطنية الفلسطينية، وحملة (حماية وطن) فالمعلومات الموثقة والمسنودة بالحقائق، عن الخارجين على القانون، كشفها المتحدث باسم المؤسسة الأمنية العميد أنور رجب خلال مؤتمراته الصحفية، لكن الجزيرة أصرت على تقديم المطلوبين للعدالة الفلسطينية، بصور مقاومين، مطلوبين لمنظومة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الحقيقة لا يمكن طمسها، فهذا أشهر الولاء لملالي طهران، وطيرته الجزيرة على بساط الريح، سقط النموذج، الذي اتخذته الجزيرة لضرب رواية السلطة الوطنية الفلسطينية، وغطست الجزيرة في مستنقع الفضيحة المخزية، وسقطت في شر أعمالها.