فكرتُ أن أبدأ بعلاقة علم الفيزياء بالكيمياء، ثم فكرت أن أبدأ بـ "التراكم الكمي يؤدي إلى تحول نوعي".
.. وقرّرت أن أُفسّر فيزياء "اتفاق الإطار" وكيمياء "الحل النهائي" بشيء أبسط : سيارة قلاّب تنقل ركام حفريات أساس عمارة جديدة، قبالة عمارتي.. إلى سفح تلة يجري شق طريق جديد عليها.
الركام خليط من صخور قاسية وتراب، فإذا كانت حمولة السيارة كلها من ركام صخور، فإن ميلاً خفيفاً من سيارة القلاب سيجعلها تنهال؛ وميلاً أكبر سيجعل حمولة السيارة من الرمال تنهال.. وقِس على ذلك ميل أكبر لو كانت حمولتها من التراب.
لعل النقطة الحرجة، في فيزياء مواد الركام، في مشروع كيري هي شهر نيسان، الذي كان آجلاً لمفاوضات الاتفاق على الحل النهائي، وصار آجلاً للاتفاق على إطار الاتفاق.
مفاوضات عريقات ليفني المباشرة توقفت في تشرين الثاني، لكن مفاوضات كيري، غير المباشرة، مع أبو مازن ونتنياهو لا تتوقف، واليوم سيلتقي الوزير مع رئيس السلطة في باريس؛ والشهر المقبل يلتقي نتنياهو في أميركا مع رئيسها ووزير خارجيته، وبعدها سيعود كيري إلى جولة مكوكية أخرى للوصول إلى اتفاق الاطار، قبل نهاية الشهور التسعة!
كان واضحاً للجميع أن صراع المائة عام، واحتلال الـ 47 عاما لا يمكن حلّه بولادة "الطفل المعجزة" في تسعة شهور كما هو حال أنثى الإنسان.. لماذا؟ مثلاً لا يوجد صاروخ من مرحلة واحدة يُطلق من كوكب الأرض إلى كوكب المريخ مثلاً، دون أن يدور حول كوكب الأرض عدة دورات لاكتساب سرعة.
أيضاً، لا يمكن تنفيذ بنود الاتفاق النهائي، بعد فترة الشهور التسعة لاتفاق الاطار، خلال تسعة شهور أخرى، بل خلال خمس سنوات أو اقل أو أكثر.
السفير الأميركي لدى إسرائيل، دان شابيرا، أوضح لمؤتمر رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية المنعقد في إسرائيل أن اتفاق الإطار، الذي يجب الوصول إليه قبل نيسان، لن يتم عرضه على نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن في آذار المقبل، وحكماً لن يتم عرضه على أبو مازن في لقاء باريس اليوم.
.. ومن ثم، فإن تسريبات المصادر الإسرائيلية لبنود اتفاق الإطار ليست دقيقة، وبالتالي فإن ردود الفعل الفلسطينية عليها سابقة لأوانها، كما لن يكون "حبراً على ورق" كما يدعي المقلّلون من شأن مشروع كيري، الذي يشارك في المفاوضات "مشاركة يومية" ولو توقف لفترة عن جولاته المكوكية.
اتفاق الإطار سيكون بالإنكليزية، ويتضمن نقاطاً وأفكاراً قد لا يوافق الطرفان عليها، لكنها ستشمل جميع نقاط الاتفاق النهائي، أو كافة القضايا الجوهرية.
مثلاً، حول يهودية إسرائيل، قد يرد في الوثيقة الأميركية بالإنكليزية المعتمدة لاتفاق الإطار أنها الدولة القومية للشعب اليهودي"، والتحفظ الإسرائيلي سيكون "دولة يهودية ديمقراطية"، والفلسطيني أن اليهودية دين غالبية سكان إسرائيل.. والرئيس أبو مازن تحدّى إسرائيل أن تحصل على قرار من هيئة الأمم المتحدة حول هُويّتها، ليعترف الفلسطينيون به، علماً أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتدخل في شكل اعترافات الدول بعضها بالبعض الآخر.
الأحزاب والسياسيون الإسرائيليون، وكذا الصحافيون، منقسمون حول مسألة "يهودية إسرائيل"، وكبار جنرالات الأمن وخبراء الأمن فيها مختلفون حول: أين حدود أمن إسرائيل وحدود سيادتها، ومع جنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، فإن 60% منه سيوافق على حل تفاوضي مع الفلسطينيين.
المهم، ماذا بعد نيسان المقبل، أي ماذا بعد تحويل فيزياء اتفاق الإطار إلى كيمياء الاتفاق النهائي؟ وهل ستتوقف أميركا عن مهمة الوساطة والمشاركة في صنع الاتفاق النهائي؟
السفير شابيرا نفى ذلك، وقال بلهجة حاسمة إن أميركا ستقاوم وتعارض أي معارضة لخطة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وأمن إسرائيل، وحلّ قضية اللاجئين، والاعتراف المتبادل بين الدولتين!
في مفهوم كيري أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو الذي سيغير وجه الشرق الأوسط، أكثر من مسألة القنبلة الإيرانية، وتداعيات "الربيع العربي"، لأنه "مشربك" الجذور الدينية، والقومية، والتاريخية.. وأيضاً، حق الشعوب في تقرير المصير في اطار دول مستقلة.
العلاقة بين فيزياء الصراع وكيمياء السلام هي ما يحاول كيري أن يجدها.
 
إبراهيم
فهم بيل كلينتون : السلام الفلسطيني الإسرائيلي على أنه "سلام أولاد إبراهيم" وغيره على أنه السلام السامي السماوي!
إبراهيم جوابرة، فنان فلسطيني لاجئ، لم تعجبه دبلوماسية اللقاءات المباشرة في المقاطعة، وسخر منها كالتالي:
"انيم ابراهيم ارفضيم كلشيم صاريم في المقاطعتيم، ومن هونيم اعلنيم استيائيم.." إلخ!
ملاحظة: الياء والميم هي للجمع في العبرية.
زياد أبو زياد علّق على لقاء المقاطعة بشكل محكم:
"بعضنا يعيش في حلم، والبعض الآخر يحلم بالعيش.. وكلا الطرفين لا يريد أن يعيش الواقع.
رنا بشارة: أبو مازن رئيس دولة "مراقب" في الأمم المتحدة.. هو ليس طبيباً نفسياً متخصصاً في إنهاء مخاوف الإسرائيليين.