في ظل ارتفاع درجات الحرارة تزاحم الطفلة الفلسطينية لين عاشور، ذات الأعوام الأربعة عشر، المئات من أبناء شعبنا الذين تجمهروا قرب محطة التحلية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، للحصول على مياه الشرب في مشهد يومي يعكس حجم الأزمة التي تفاقمت بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من سبعين بالمئة من الآبار بالمدينة.
وتقف عاشور، والتعب يظهر على وجهها، حاملة غالونًا أصفر، وسط طابور طويل من أبناء شعبنا، تنتظر وصول دورها لتعبئة المياه من صنابير متعددة، لا تفي باحتياجات مئات آلاف النازحين والسكان بالمدينة.

ويعاني قطاع غزة من نقص حاد في مياه الشرب، مع استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتعمد إسرائيل قطع إمدادات المياه من الأراضي المحتلة وتدمير الآبار والخزانات ومحطات التحلية المختلفة.

- تجربة مؤلمة

وتعيش عاشور النازحة من شمال قطاع غزة، تجربة مختلفة ومؤلمة عن الأطفال في مثل سنها؛ حيث تغيرت حياتها واهتماماتها من التعليم إلى البحث عن مقومات الحياة.
وتقول عاشور: "كنا كل يوم نصحو الساعة السادسة صباحًا، نحمل حقيبتنا الدراسية ونذهب إلى المدرسة، واليوم أصبحنا نحمل غالون المياه ونذهب لتعبئته".

وتضيف: "كنا نستيقظ صباح الجمعة ونذهب إلى السوق لشراء اللحوم والخضروات ومستلزمات المنزل لأسبوع كامل، الآن أصبحنا نذهب إلى التكية لنرى ماذا سنأكل اليوم، وهذا يختصر اهتماماتنا ومعاناتنا كأطفال"، موضحةً أنه في حال عدم قدرتها على تعبئة غالون المياه فإن ذلك سيتسبب لعائلتها بمشكلة أكبر وستضطر لشراء المياه في ظل معاناتها من ظروف اقتصادية صعبة جراء عدم توفر أي مصدر دخل لها بعد إصابة والدها وعدم قدرته على العمل.

وتعاني السيدة الفلسطينية أسماء أبو حميد، وعائلتها كذلك من صعوبات جمة في الحصول على مياه الشرب، وتضطر للخروج يوميًا من خيمتها مشيًا على الأقدام وصولاً إلى محطة التحلية، سعيًا للحصول على المياه.

وتقول: "نعاني من أزمة حقيقية في المياه، ونضطر يوميًا لقضاء ساعات طويلة أمام محطة التحلية، ودفع مبالغ مالية لتوفير كميات بسيطة للاستخدامات الضرورية الملحة".

وتضيف أبو حميد: "نضطر إلى شراء المياه حتى نستطيع غسل الملابس وأحيانًا نضطر إلى نقل المياه من مسافات بعيدة، الموضوع مرهق وليس بالأمر السهل".

وتتساءل وعلامات الإرهاق على وجهها: "إلى متى سنعيش في أزمات المياه والطعام وغاز الطهي؟ حياتنا أصبحت عبارة عن أزمات متعددة، ولا نعرف ماذا سنفعل؟ لقد تعبنا ومللنا ولم نعد نقوى على هذه الحياة".

أما الفتى الفلسطيني نسيم سمور، النازح من مدينة غزة، فيعاني يوميًا من صعوبة الحصول على المياه كحال بقية النازحين.

ويقول سمور: "نقطع مسافات طويلة لتعبئة غالون المياه لأن البنية التحتية مدمرة في خان يونس، كل يوم أذهب ثلاث مرات إلى المحطة لتعبئة المياه".

- انتشار الأمراض

ويقول الفلسطيني إبراهيم عبد العال، الذي يعمل على توزيع مياه الشرب: "نعاني من نقص شديد في المياه، واحتياجات النازحين والسكان كبيرة في مدينة خان يونس، ولا يوجد بنية تحتية نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية البرية في المدينة".

ويبين عبد العال النازح من مدينة رفح جنوبًا، أن نقص المياه يدفع الكثيرين إلى شرب المياه الملوثة أو المالحة، مشيرًا إلى أن شرب المياه الملوثة تسبب بانتشار الأوبئة والأمراض في صفوف أبناء شعبنا في ظل عدم توفر العلاجات والأدوية المناسبة ما يزيد من الكارثة الإنسانية في القطاع.

- تدمير للبنية التحتية

من جهته، يوضح مسؤول الإعلام في بلدية خان يونس صائب لقَّان، حجم الأضرار والدمار الذي لحق بالبنية التحتية وشبكات وخطوط المياه الناقلة، بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتعمد.
ويقول لقان: "الاحتلال أقدم على تدمير محطة التحلية وتدمير ستة وعشرين بئرًا للمياه من أصل سبعة وعشرين بئرًا في مدينة خان يونس بنسبة تزيد عن سبعين بالمئة، إضافة إلى 220 كيلو متر طولي من الشبكات الناقلة".

ويبين أن هذا الدمار أثر بشكل كبير على الخدمات المقدمة للفلسطينيين في مدينة خان يونس، مشيرًا إلى معاناة مليون ومئتين ألف مواطن ونازح في خان يونس، ولا سيما في المناطق الغربية وخاصة منطقة المواصي، من نقص المياه الصالحة للاستخدام المنزلي.

ويضيف: "قمنا في بلدية خان يونس بتشغيل محطة تحلية مياه البحر بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومصلحة مياه بلديات الساحل، لكننا نواجه صعوبات كبيرة بسبب الحاجة الكبيرة"، محذرًا من تزايد انتشار الأمراض المعدية في صفوف النازحين والسكان في ظل النقص الشديد في كميات المياه وخاصة اللازمة للنظافة الشخصية.

وأكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، أن القطاع أصبح "منطقة منكوبة".

وبدعم أميركي يشن الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حربًا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 131 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.