أحيت اليابان الذكرى التاسعة والسبعين لضحايا القنبلتين الذريتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي تستعر فيه حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عشرة أشهر، لتتشابه مشاهد المجازر والدمار الواسع الذي لحق بالقطاع مع ما شهدته مدينة هيروشيما المنكوبة.
ففي السادس من آب/ أغسطس 1945، ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة ذرية في العالم على مدينة هيروشيما، ما أسفر عن مقتل 140 ألف شخص. وبعدها بثلاثة أيام، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة ذرية ثانية على مدينة ناغازاكي، ما أسفر عن مقتل سبعين ألف شخص.
وفي القرن العشرين، أضحت هيروشيما رمزًا للدمار الشامل والقتل الجماعي، فيما جسد قطاع غزة في القرن الحادي والعشرين نموذجًا لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأسفرت حرب الإبادة على قطاع غزة حتى الآن، عن أكثر من 131 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود.
وتعيد مشاهد الحرب الإسرائيلية على غزة المنكوبة للأذهان مأساة هيروشيما اليابانية، مع اختلاف الأسلحة المستخدمة. فهيروشيما ابتلعتها قنبلة ذرية أميركية، فيما تواصل أنياب الأسلحة الإسرائيلية والأميركية نهش قطاع غزة، مُخلّفة دمارا هائلا وصادما.
وبحسب التقديرات التي صدرت عن مؤسسات دولية وأممية، فإن المتفجرات التي ألقاها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع تعادل خمسة أضعاف القنبلتين الذريتين اللتين أُلقيتا على هيروشيما وناغازاكي.
وتتشابه جريمتا هيروشيما وقطاع غزة، في الإبادة الشاملة والدمار غير المسبوق في المنشآت والبنى التحتية، والذي يترافق مع صمت وعجز دوليين عن وضع حد لجرائم الاحتلال وانتهاكاته للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومساءلته وعقابه على جرائمه.
وفي هيروشيما، استخدمت الولايات المتحدة القنبلة الذرية لأول مرة، وهي سلاح دمار شامل أسفر عن تدمير واسع النطاق وقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. بينما لم تستخدم إسرائيل قنبلة ذرية في حربها المتواصلة على قطاع غزة، لكنها استخدمت أسلحة ذات قدرة تدميرية هائلة تُحدث خسائر واسعة في صفوف المدنيين والبنية التحتية.
ولم تراعِ إسرائيل عند استخدامها للأسلحة المدمرة والصواريخ التي تحمل أطنانًا من المتفجرات، مبدأ التناسب وفق القانون الدولي، كما يحدث تماما عند استخدام قنبلة ذرية لا تفرق بين أحد، رضيع أو طفل أو امرأة أو مسن أو شاب.
ودمر الاحتلال الآلاف من المنازل والأبراج السكنية، سواء عبر تفجيرها أو قصفها على رؤوس ساكنيها، متسببًا في قتل وإصابة الآلاف من المدنيين.
وأظهر تقييم أصدره مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (UNOSAT)، للأضرار والدمار اللذين لحقا بالمباني والمنشآت في قطاع غزة، استنادًا إلى صور للأقمار الصناعية تم جمعها في تموز/يوليو الماضي ومقارنتها بصور ما قبل بدء حرب الإبادة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أنه تم تدمير نحو 157 ألف مبنى في القطاع، ما بين تدمير كلي وجزئي.
وتتوافق هذه الأرقام مع حوالي 63% من إجمالي المباني في قطاع غزة، وإجمالي 215,137 وحدة سكنية متضررة. وشهدت محافظتا شمال غزة ورفح أعلى ارتفاع في الأضرار مقارنة بتحليل الثالث من أيار/مايو 2024، حيث تضرر حوالي 2,300 مبنى جديد في شمال غزة وحوالي 15,030 مبنى في رفح.
وتواصل عدة دول في العالم، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تستخدمها في حربها على قطاع غزة، رغم التحذيرات الأممية والمطالبات بفرض حظر أسلحة على دولة الاحتلال لوقف حربها.
وزودت واشنطن إسرائيل بأكثر من مئة ألف قنبلة وصاروخ يزن بعضها 2000 رطل من المتفجرات، فيما تواصل الأخيرة خوض حرب الإبادة الجماعية بهذه الأسلحة، وقتل النساء والأطفال وكبار السن والمدنيين العزل.
وأدى إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما إلى إبادة جماعية، وفي قطاع غزة، لم يسلم أي من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من القصف الجوي والبري والبحري غير المتناسب.
وشهدت هيروشيما مقتل ما بين 70 و80 ألف شخص على الفور، فيما ارتفع عدد الوفيات بحلول نهاية 1945 إلى نحو 140 ألفا. ولا يختلف الأمر كثيرا في قطاع غزة، الذي واجه 10% من سكانه القتل أو الإصابة أو فُقدت آثاره نتيجة الإبادة الجماعية.
إلى جانب ذلك، فإن هيروشيما تعرضت لدمار شبه كامل بسبب الانفجار الذري حيث بلغ حجم دمار المباني فيها نحو 70%، ما يعادل حجم الدمار الذي خلّفته حرب إسرائيل في الوحدات السكنية بغزة.
كما دمرت الحرب الإسرائيلية مناحي الحياة كافة في القطاع، واستهدفت 15 قطاعًا حيويًا، لتحويله إلى منطقة غير صالحة للحياة.
وفي الجانب القانوني، لم تعاقب الولايات المتحدة الأميركية على جريمة الإبادة في هيروشيما، كما لم تعاقب إسرائيل حتى الآن على جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة بعد مرور عشرة أشهر، بل إنها تحظى بغطاء أميركي لمواصلة جريمتها.
وتواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، الحرب، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها