قبل أن يطوي قضاة محكمتي العدل والجنائية الدوليتين ملفات إدانة منظومة الاحتلال الاستعمارية الصهيونية العنصرية "إسرائيل" بارتكاب جريمة الابادة بحق الشعب الفلسطيني وذروتها الدموية في غزة، وقبل جفاف حبر القرارات الصادرة عن قمة هرم عدالة الشرعية الدولية، حدثت المجزرة، ولكن ليس في لاهاي، حيث مقر محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، وإنما في تل السلطان في مدينة رفح الفلسطينية، فرأى العالم، وشاهد على الهواء مباشرة، أجساد اطفال فلسطينيين نازحين متفحمة، وصورة طفل في سن الرضاعة، فصلت صواريخ طائرات جيش الصهيونية الدينية رأسه عن جسده الغض، في ابلغ تعبير عن مآل القوانين الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، والمشهد الذي سيعم العالم، إذا سُلِبَت قدرة دول العالم على الانتصار لإرادة شعوبها، بذراع الدولة الاستعمارية العميقة، إسرائيل، المعروفة  والمُعرَفة بوجهيها، على أنها دولة فصل عنصري، وأنها المنظومة التي تمارس حكومتها "إرهاب الدولة".

لا نقبل أن يكون شعبنا كبش الفداء ليقظة الضمير العالمي، ولا ضحية لعقدة دول وازنة في هذا العالم بسبب المشكلة اليهودية، كما لا نقبل دفع ثمن قوانين جائرة في دول ما زالت تدفع "خاوة سنوية" بالمليارات لمنظومة الصهيونية الدينية الاجرامية "إسرائيل" التي تتملص دائمًا من العقاب وتطبيق العدالة الدولية عليها، بقوة سحر "معاداة السامية" وقوانينها الجائرة، التي ربطت دولة الارهاب والاحتلال والمتمردة على القانون الدولي "إسرائيل" باليهودية، وربطت اليهودية بالصهيونية، فبرأت بذلك منظومة الصهيونية الدينية والسياسية العنصرية "اسرائيل" سلفًا من جرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية  كل افعالها الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني، منذ إنشاء تنظيمات مسلحة في الكيبوتسات والمستوطنات، حتى اليوم، مرورًا بإعلان انشاء دولة إسرائيل التي أنشئت على قاعدة إنكار الوجود التاريخي والآني الحضاري والمستقبلي أيضًا للشعب الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين، واتخاذ المجازر وسيلة لإجباره على الهجرة قسرًا، وتفريغ فلسطين من مواطنيها الذين خلقوا فيها منذ الأزل. فمجزرة رفح بالأمس ليست أكبر، ولا دموية أو مأساوية أكثر من مجازر سبقتها خلال الشهور السبعة الماضية، وخلال 76 سنة منذ النكبة  سنة 1948، لكن توقيتها بعد قرارات المحكمتين الجنائية والعدل الدوليتين، وبعد قول رأس حكومة الاحتلال نتنياهو: "سنكمل في كل مكان وفي رفح ولن توقفنا أي قوة في العالم"، قالها بمنطق المستند على جداري البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، وبمكان حدوثها في مخيم للنازحين في منطقة "تل السلطان" صنفها جيش الاحتلال ذاته "منطقة آمنة"، ما يثبت أن منظومة الصهيونية الدينية والسياسية عازمة على جعل كل مكان ما زال فيه المواطن الفلسطيني يحرس جذوره الوطنية التاريخية والمستقبلية على أرض وطنه فلسطين "منطقة جحيم"، وأن هذه المنظومة مستعدة لتوسيع هذا الجحيم حتى يبلغ شرق وغرب الكرة الأرضية  وشمالها وجنوبها، وقد يبلغ صقيع النرويج، الدولة الصديقة التي لم يتجمد ضمير شعبها وحكومتها، ولن يقوى جحيم الثلاثي: نتنياهو وسموتريتش وبن غفير على إفنائه، بعد أن عمل تشويها بحضارة وثقافة إسبانيا، وبعد تحقير نضال شعب جنوب افريقيا العظيم، المنتصر على منظومة عنصرية مشابهة.

مجزرة رفح كانت رسالة من دولة إرهاب مدادها دماء شعبنا النازفة منذ أكثر من مئة سنة، موجهةً لكل من يفكر بنصب ميزان العدالة، ويعتقد بمبدأ السلام والحق الفلسطيني.