تعاقبت ردود الفعل على العملية العسكرية الإيرانية على إسرائيل ليل السبت فجر الأحد الماضيين 13 و14 ابريل الحالي بين مؤيد ومعارض ومحايد، وكوني من المنتقدين للعملية الإيرانية، وقناعتي السياسية بوجود حلف بين طهران وواشنطن وتل ابيب، رأيت ان العملية برمتها بمثابة "لعبة رسوم متحركة إيرانية" متفق عليها، وهذا ما تم الكشف عنه من وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان، بانهم ابلغوا الإدارة الأميركية قبل 72 ساعة بها، والحقيقة قبل ذلك، مع ان الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر الكنعاني امس نفى ما تضمنه تصريح وزير خارجيته، وهو ما يكشف حجم الارباك الإيراني. 


وأسبابي في وجود اتفاق دونتها في مقالي أمس الاثنين المعنون "لعبة الرسوم المتحركة الإيرانية"، وأوضحت بالبينة والوقائع انعكاسات العملية الإيرانية السلبية على حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني ككل وفي قطاع غزة خصوصًا خلال الستة شهور الماضية، ولا أريد اعادتها ثانية هنا. وتباينت ردود الفعل على ما كتبت بين الايجاب والسلب.


ومن موقع الاحترام لوجهات النظر المختلفة ارتأيت تفنيد بعض الآراء، التي ركزت على جانب، واغمضت العين عن خلفية العملية العبثية، ودون ذكر أسماء المعقبين المختلفين معي، ليس انتقاصا من مكانتهم، ولكن لأني سأتعرض لآخرين بتعبير آخر، سأحاول التعرض لطيف واسع من ردود الفعل، باختصار وتكثيف شديد أرى التالي: أولا لم تكن إيران تريد الرد مباشرة على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع إبريل الحالي، لكنها أُرغمت على ذلك من خلال الحملة الإعلامية الأميركية والأوروبية والإسرائيلية المكثفة، وحددوا أكثر من موعد للرد الايراني، وذكر العديد من المنحازين لجمهورية الملالي أن "الرد الإيراني جاء لان إسرائيل استهدفت القنصلية، التي تعتبر أرضًا إيرانية"، وتجاهل أصحاب هذا الرأي، أن إسرائيل استهدفت الأراضي الإيرانية مرات عدة، وقامت بعمليات كوماندوس داخل الأراضي الإيرانية واستولت على الاف الوثائق، واغتالت عددًا من العلماء والنخب السياسية والأمنية الإيرانية، ولم ترد طهران على أي منها؛ ثانيًا أبلغت القيادة الإيرانية الإدارة الأميركية أن عمليتها العسكرية محدودة، ولا تسعى لتوسيع نطاق الصراع في الإقليم، ليس هذا فحسب، انما حددت مسبقا لهم عدد الطائرات المسيرة والصواريخ التي ستطلقها وأماكن سقوطها؛ ثالثًا ادعى البعض ان إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية المشاركة في حماية إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة، وأبقت تل أبيب واقفة على إقدامها قبل وأثناء عملية القصف، وتناسوا أن خسائر إيران العسكرية لا تقل عن خسائر إسرائيل وحلفائها، هذا إن لم تكن أكثر، ومازالت ايران تقف حتى الآن على اقدامها خشية ارتدادات عمليتها العسكرية لتغطية على حرب الإبادة الجماعية، ولحرف بوصلة الصراع عن فلسطين؛ رابعًا افترض البعض ان القيادة الفارسية لم تشأ ان تحمل سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها من الساحات الحليفة عبء العملية، وهذا غير صحيح. لان هذه الدول وغيرها تحملت أعباء فوق طاقتها نتاج لعبة الرسوم المتحركة، او الاشتباكات المستندة إلى قواعد الاشتباك المحدودة والمتفق عليها.


فضلاً عن أنها كانت مع خيار الزج بالساحات الحليفة، دون التورط المباشر مع الدولة العبرية ومن خلفها أميركا الشمالية، لكن للأسباب آنفة الذكر، اضطرت طهران للرد المباشر؛ خامسًا حاول البعض أن يعود بالتاريخ للوراء، وكيف ساعدت دولة الخميني الثورة الفلسطينية بعد انتصارها، ورغم أنهم ذكروا أن الثورة الفلسطينية شكلت حاضنة لكل القوى الإيرانية قبل سقوط نظام الشاه عام 1979، ومع ذلك تجاهلوا، وتناسوا كليًا أن زعيم دولة الملالي الأول طلب صراحة من الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما زارهم لتتلفع الثورة الفلسطينية بالثوب الإيراني، والوقوف ضد العراق الشقيق، ولكن الزعيم الفلسطيني رفض ذلك جملة وتفصيلا. كما أن ذلك الزعيم الإيراني أعلن صراحة انه سينتهج خيار "تصدير الثورة للوطن العربي"، وتشييع الإقليم لحسابات قومية شوفينية؛ سادسًا حاول البعض أن يجري مقاربة بين إيران الماجوسية وأهل النظام العربي الرسمي، وهذه مقاربة غير موضوعية، ولم أشأ الربط بتاتًا بين القيادتين. لأن النقاش لا يدور حول هذا الملف، أضف إلى أن الدول العربية زمن عبد الناصر الخالد وغيره من الأنظمة الوطنية خاضت حروب ضد إسرائيل والغرب الأوروبي عنوانها العدوان الثلاثي على مصر المحروسة عام 1956، وحروب 1967 و1973. كما ان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين قام بقصف إسرائيل بالصواريخ دون ان يعلن عن زمن وعدد الصواريخ ولا مكان سقوطها، وأوقع خسائر فادحة في قلب الدولة العبرية.


سابعًا تذاكى البعض بالقول ان ايران تمكنت من خلال عمليتها العسكرية تحديد مواقع الرد عليها، وكأن تلك المواقع ثابته، ولا تستطيع إسرائيل أو أميركا أو الدول الأوروبية تغيير قواعدها، أو أماكن مضادتها الصاروخية، وهنا أيضًا تجاهلوا أن أميركا وحلفائها يملكون أهم الأقمار الصناعية التجسسية والتقنيات العسكرية الأكثر تطورًا وحداثة لم تستفد من تحديد مواقع اطلاق الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة، وحتى لو غيرت مواقعها لاحقًا، مع أن بعضها ثابت، بتعبير أوضح ما يملكه الغرب يؤهله من تحديد المواقع العسكرية الإيرانية؛ ثامنًا تجاهل الجميع التحالف الضمني الإيراني الأميركي والغربي عموما، واغمضوا العين عن الإدارة الأميركية المسرحية الإيرانية الإسرائيلية باقتدار ووفق رؤيتها، وأكدت انها صاحبة القول الفصل في إقليم الشرق الأوسط عمومًا والوطن العربي خصوصًا، وهذه رسالة لكل من روسيا والصين، وأن إسرائيل لها الأولوية في الحماية، دون منحها مركز الشراكة في التقرير بمصير الشرق الأوسط، إلا ضمن محددات الاستراتيجية الأميركية وكأداة وظيفية لا أكثر. 


بالنتيجة شكرًا لكل من اهتم وعلق، وإن اختلف معي أو اتفق، فحق الاختلاف مشروع ومقبول، ومساحة الحوار تتسع لوجهات النظر كافة، والأيام كفيلة بتعزيز أو نفي صحة هذا الرأي او ذاك.