ربما لم نكن بحاجة لصور جرائم المستوطنين ليل الجمعة ونهار السبت، لـتأكيد طبيعة القوة القائمة بالاحتلال، لكنها برهان في اللحظة المناسبة، على صواب الرواية الفلسطينية، بأن حكومة الصهيونية الدينية الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، هب العقل المدبر لإرهاب الدولة الذي اتخذته منظومة الاحتلال الاستيطانية العنصرية (إسرائيل) منهجًا منذ إنشاء أول تنظيم مسلح على أرض وطننا فلسطين. أما صور إطلاق المستوطنين الرصاص على الآمنين المسافرين على الطرقات بين المدن الفلسطينية، والنار التي أشعلها المجرمون لتأكل وتدمر أراض وبيوت المواطنين الفلسطينيين وأرزاقهم، هنا في مدن وبلدات الضفة الغربية، فإنها أصدق دليل على أن وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين، هو الهدف  الرئيس من حملة الابادة التي بدأتها حكومة نتنياهو العنصرية، والبالغة ذروتها الدموية التدميرية في قطاع غزة، أما التهجير القسري فهو النتيجة العملية – التي ينتظرها رؤوس إرهاب الدولة في تل أبيب – لمنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية، وذلك عبر إفراغ الأرض المحتلة من فلسطين منذ الخامس من حزيران سنة 1967 وهي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، بالتوازي مع تقليل الوجود الفلسطيني في الجليل والشمال ومدن الساحل الفلسطيني والنقب، عبر الضغط بالقوانين العنصرية والتعجيل بتنفيذ مخططات وبرامج التهويد، ونشر الجريمة حتى تصير داءً، لا علاج له إلا الهجرة، وبذلك يستكمل المستعمرون مشروعهم – حسب اعتقادهم – لكن أنى لهم تحقيق ذلك ؟! وهم في أوج انقسام سياسي، وعيش في رعب العقد الثامن العقائدي، وبالمقابل صمود فلسطيني رسمي وشعبي، وإصرار على تعميق التجذر بالأرض، تولده طاقة الإيمان بالحق التاريخي والطبيعي، وقطع أبدي مع الهجرة والتشرد واللجوء والنزوح، كما حدث في سنة 1948.

تكرر حكومة الصهيونية الدينية الحالية إفلات عصابات المستوطنين الاجرامية المسلحة، لأن ردود الفعل الدولية على جريمة (محرقة حوارة)  كانت متواضعة جدًا، ولأن معظم دول أوروبا التي بيدها ادوات الضغط على منظومة الاحتلال مازالت تعيش عقدة  (المحرقة النازية)، رغم معرفة قادة وساسة ومثقفي هذه الدول أن الضحية بالأمس هو المجرم ضد الإنسانية والأشد فتكًا اليوم، وإن الشعب الفلسطيني لا علاقة له إطلاقًا بالمشكلة اليهودية في أوروبا، لذلك لا مبرر للتهاون، أو اصطناع مبررات وذرائع  تحول دون محاسبة "إرهاب دولة" فمنظومة الاحتلال إسرائيل تعتبر  المستوطنين في عداد سكانها ، ما يعني  خضوعهم للقانون الإسرائيلي، أما انفلاتهم الإجرامي والدموي، فهو دليل قاطع على انفلات هذه "الدولة" وخروج حكومتها وجيشها ومستوطنيها على القانون الدولي والشرعية الدولية، وشرعية طلب قيادة الشعب الفلسطيني الحماية الدولية، من حملة إبادة تمارسها إسرائيل المتمردة على القانون الدولي، والتي أخلت بتعهداتها لتطبيق شروط انضمامها للجمعية العامة للأمم المتحدة، منذ تاريخ انشائها كمشروع استعماري دولي سنة 1948 وحتى اليوم، فهي من الناحية الواقعية دولة ناقصة الشرعية بوجهيها، الأول : على الصعيد الأممي والدولي، لأنها لم تقر وتعترف بالدولة العربية الفلسطينية التي رسمت في قرار التقسيم 181 لسنة 1947، ولم تلتزم بتعهد وزير خارجيتها المضمون من الإدارة الأميركية سنة 1949 بالعمل على الوفاء بشروط قبول إسرائيل كدولة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنها تطبيق القرار 181 كاملاً، والآخر أنها مازالت ككيان سياسي محكوم بمجموعة قوانين متبدلة متغيرة، مستحدثة وفق متطلبات الأهداف الاستعمارية التي على أساسها أنشئت، أما المستوطنين فهم أدواتها العسكرية باطنًا، المدنية ظاهرًا، نظموا على شكل منظمات وأحزاب مثالها (العظمة اليهعودية) برئاسة ايتمار بن جفير لاستخدامهم كقوة بشرية مسلحة (إرهابية) في مشروع الاستيطان الموازي للاحتلال، رغم ادراك رؤوس المنظومة أن إسكانهم، واستيطانهم، وتمكينهم من الاستقرار فيها بقوة السلاح في أرض محتلة  "جريمة حرب" يعاقب عليها القانون الدولي .


لا نرى جرائم المستوطنين اليهود برعاية منظومتهم العنصرية إلا انعكاسًا لنمط ومنهج تفكير حكومتهم المتحكمة بقرار ومصير الإسرائيليين، فجرائمهم رد عملي على عزم دول في الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران سنة 1967، ومحاولة لتعطيل مسار دولي جاد لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أما الضارة النافعة من جرائم المستوطنين، فهي الخلاصة التي يجب أن يعرفها العالم، بأن (إسرائيل الديمقراطية) كانت الصورة المزيفة (لإسرائيل العنصرية الإرهابية).