جريمة حرب جديدة يرتكبها جيش الموت الإسرائيلي ضد طاقم من أفراد "المطبخ المركزي العالمي" قبل يومين (الثلاثاء الماضي) في دير البلح، أودى بحياة 7 أفراد يحملون جنسيات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا وفلسطين. وكان الضحايا الأمميون يقوموا بتأمين وجبات الطعام إلى أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يعانون من سوء التغذية والمجاعة الحادة في وسط قطاع غزة. وهم يعملون بالتعاون مع ممثلي الإدارة الأميركية المتواجدين في الرصيف المائي على ساحل مدينة غزة. واعترفت القيادة الإسرائيلية بالجريمة البشعة. 


وهذا المطبخ العالمي أسسه الشيف الإسباني الأميركي، خوسيه أندريس سنة 2010، وهو جزء من المنظومة الأمنية الأميركية، رغم طابعه الإنساني، ودفعت به الإدارة الأميركية إلى قطاع غزة ليكون أحد الأدوات البديلة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في إطار التكامل الإسرائيلي الأميركي لسحب البساط من تحت أقدامها والالتفاف على المؤسسة الأممية الأهم والأقدر على تقديم الخدمات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني بحكم خبرتها التاريخية وامكانياتها وطواقمها ذات الصلة، الذين سقط منهم ما يزيد على 170 موظفًا أمميًا، وهو الأعلى من ضحايا الحروب السابقة. 
وهي ليست الجريمة الأولى التي ترتكبها دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الطواقم الأميركية المدنية والعسكرية، فمن يعود للخلف قبل قرابة 6 عقود، وتحديدًا في حرب حزيران / يونيو 1967 يتذكر جريمة قصف الطائرات الإسرائيلية في اليوم الثالث للحرب أنذاك (8/6/1967) على بارجة التجسس الأميركية ليبرتي قبالة شواطئ مدينة العريش المصرية، حيث كانت تتجسس على مصر وسوريا والأردن، وترسل معلوماتها الاستخبارية لدولة إسرائيل لمساعدتها في إدارة الحرب على الدول العربية الشقيقة، نجم عن ذلك سقوط 34 ضحية وإصابة 171 جندي من قوات البحرية الأميركية، ولم تحقق اميركا آنذاك في تلك الجريمة، وقبلت بالتعويض المالي لأسر الضحايا. 
كما قتلت القوات الإسرائيلية المتضامنة الأميركية راشيل كوري في 16 اذار / مارس 2003 بالجرافة عندما حاولت ان تمنعها من هدم البيوت الفلسطينية، لكنها هرست عظامها ولحمها مع دمار تلك المساكن، ولم تعلق الإدارة الأميركية على الحادث، وصمتت صمت أهل الكهف، رغم وحشية الجريمة الإسرائيلية ضد فتاة أميركية لا يزيد عمرها عن 24 عامًا. 


وهناك العديد من الانتهاكات الإسرائيلية ضد مواطنين وموظفين أميركيين في المطارات وغيرها، ولم تحرك الإدارات الأميركية المتعاقبة ساكنًا بالمعني الدقيق للكلمة، مما أتاح لدولة إسرائيل اللقيطة التغول واستباحة كل المحرمات، وافترضت أنها فوق القانون الأميركي والعالمي على حد سواء، وشعرت انها مغطاة بجدار سميك من الحماية الأميركية. 
وتعززت وترسخت هذه القناعة في حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 عمومًا وقطاع غزة خصوصًا. لاسيما وأن واشنطن هي من قاد ويقود دفة هذه الحرب المجنونة والمروعة، وأمنت لأداتها الوظيفية الغطاء، ومنحتها الضوء الأخضر لمواصلة الحرب لليوم الذي نعيشه 181، وحتى عندما أمتنعت إدارة بايدن عن التصويت على قرار مجلس الامن الدولي 2728 يوم الاثنين 25 اذار / مارس الماضي ثار غضب نتنياهو، رئيس مجلس الحرب الإسرائيلي وأركان حكومته، واتخذ قرارًا بمنع سفر الوفد الإسرائيلي للتباحث مع جنرالات البنتاغون للبحث في اقتحام مدينة رفح الفلسطينية. لأنها لم تتوقع امتناع المندوبة الأميركية عن التصويت. 
وعليه فإن جريمة الحرب الإسرائيلية ضد طاقم المطبخ المركزي العالمي (الأميركي) تعتبر عارًا وتلطيخًا لوجه إدارة بايدن الأميركية، وبصقًا في وجهها، لأن الجريمة الجديدة ستمضي بهدوء، ولن يتخذ البيض الأبيض أي قرار جاد في ملاحقة دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، التي جاء رد فعل قياداتها باهتا وسخيفًا وممتهنًا للمعايير الإنسانية وللقانون الأميركي والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، فقال نتنياهو ردًا على المجزرة وقحًا وقميئًا، إن الحروب يقع فيها ضحايا، وأما وزير حربه غالانت فطالب بالتحقيق في عملية القصف، وبعد التحقيق الشكلي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي في محافظة وسط غزة، صرح رئيس الأركان هليفي ان العملية لم تكن مقصودة، وحدثت نتيجة خطأ، وبالتالي سيطوى ملف قتل ضحايا المطبخ ال7، كما طويت ملفات سابقة. لأن الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل جزءً منها، وما ترتكبه من جرائم حرب ضد ضباطها وجنودها ومواطنيها أمرًا مقبولاً، ومفهومًا وغير ذات شأن، ولكن لو حدثت عملية القتل في مكان آخر من العالم، وبعدد أقل من ضحايا المطعم لقامت الدنيا ولم تقعدها واشنطن على أي دولة وقع فيها هكذا جريمة! وهذا يعكس معايير اميركا المزدوجة، وكيلها بمكاييل عديدة، رغم العار والفضيحة التي ستبقى تلاحقها على مدار تاريخها.