علاقة التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تعني أنها خالية من التباينات والتجاذبات البينية، وتعيش لحظات من لعبة شد الحبال، والعض على الأصابع بين ممثلي الإدارات الأميركية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وأحيانًا تترك ندوبًا قاتمة على صفيحها السميك، وتؤثر على سيرورة العلاقات الثنائية بين صناع القرار، وتجد انعكاسها في ردود الفعل الغاضبة في بعض القرارات والضغوط التي تمارسها الإدارات الأميركية على الحكومات الإسرائيلية، لأن قادة إسرائيل ينسون أنفسهم، ويعتقدون أنهم مطلقي اليد في كل ما يبغون، ولافتراضهم أنهم تجاوزوا دور الأداة الوظيفية، وباتوا أحرارًا في التقرير بمستقبل الصراع لوحدهم دون الانصات لمواقف هذه الإدارة أو تلك. كما حصل في الخلاف بين إدارة بوش أب واسحق شامير حول مؤتمر مدريد نهاية أكتوبر 1991، والخلاف بين إدارة كلينتون ونتنياهو حول اتفاقية واي ريفر (واي بلانتيشن) 1998، والتناقض بين إدارة الرئيس أوباما وأيضا نتنياهو حول خطة جون كيري وزير الخارجية الأميركي 2014، والآن بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو السادسة وحكومة الحرب المعززة لها حول اليات إدارة حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.


وهذا ناتج عن قناعتهم (الإسرائيليين) أن الدولة العميقة تقف معهم في السراء والضراء، ولاعتمادها على لوبيات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، ودعم أباطرة رأس المال المالي عمومًا والعائلات اليهودية الصهيونية، كما عائلة روتشيلد، التي دشنت الاستيطان الاستعماري في مطلع ثمانينات القرن التاسع عشر، ولاعتقاد نتنياهو في زمن حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني أن الإدارة الديمقراطية مودعة، ورهانه على صعود إدارة جمهورية اكثر تناغما معه، ولإدراكه أيضًا عدم تمكن الرئيس العجوز من لي ذراعه وذراع حكومته، لأنه واقع بين تناقضين الأول اللوبيات الصهيونية اللاعب الهام في الانتخابات من حيث الدعم المالي والإعلامي والاصوات في صناديق الاقتراع، الثاني ضغط الشارع الأميركي والرأي العام العالمي الرافض للحرب، والمطالب بوقفها، وتأثير ذلك على أصوات الجاليات العربية والإسلامية والسود والملونين من اللاتينيين الاميركيين وجنوب شرق آسيا، وغيرهم من البيض داخل الحزب الديمقراطي وخارجه. 


ونتاج الضغط المتفاقم، والاقتراب من دخول نفق الانتخابات الفعلي في شهر ابريل القادم، وملاحقة استطلاعات الرأي لساكن البيت الأبيض المبشرة بعدم نجاحه، هاجم الرئيس بايدن رئيس الحكومة الإسرائيلية وقرينه في الحكومة بن غفير بشدة اثناء مقابلة اجراها مع برنامج Light Night الذي يقدمه سيث مايرز الاثنين 26 فبراير الحالي، وحذر الرئيس الأميركي من أنه إذا استمرت إسرائيل في نهجها الحالي بمثل "هذه الحكومة المحافظة"، فقد تفقد الشرعية الدولية. ويعود سبب الخلاف إلى إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب، وتوسيع نطاقها الإقليمي وتوريط الولايات المتحدة في تداعياتها، والتشدد في صفقة تبادل الاسرى، وتجاوز المصالح الأميركية مع الدول العربية، حيث أشار الرئيس الأميركي الى وجود 6 دول عربية تسعى للتطبيع مع إسرائيل إضافة للعربية السعودية، ولكنها تريد أفقًا لعملية السلام وخيار حل الدولتين، الذي قد يطول الوصول إليه بعض الوقت، لحين تأمين أمن إسرائيل واندماجها في المنطقة حسبه. وقال بهذا الصدد "إذا حققنا وقف إطلاق النار المؤقت، فيمكننا التحرك في اتجاه تغيير الديناميكية – لن يكون لدينا على الفور حل الدولتين (بمعنى ابقوا أيها الفلسطينيين في طابور الانتظار) ولكن عملية التوصل لحل الدولتين (ستتواصل)، وهي عملية تضمن أمن إسرائيل واستقلال الفلسطينيين." لكن لا زمن معين لاستقلال دولة فلسطين، ودون تحديد طبيعة الدولة، ولم يحدد محتوى ومضامين صلاحياتهم وسيادتهم على ارض دولتهم، لكن امن إسرائيل وفرض التطبيع على الدول العربية واضح وضوح الشمس ويجري العمل عليه تكريسه بأسرع وقت ممكن. 


وردًا على الرئيس بايدن، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على ذلك بالقول "منذ بداية الحرب وأنا أقود حملة سياسية هدفها كبح الضغوط الهادفة إلى إنهاء الحرب قبل وقتها، ومن ناحية أخرى أيضًا كسب الدعم لإسرائيل" وأضاف "لقد حققنا نجاحات كبيرة في هذا المجال، لأنه تم اليوم نشر استطلاع هوارد – هاريس في الولايات المتحدة، والذي يظهر ان 82% من الجمهور الأميركي يؤيد إسرائيل" تابع "وهذا يعني أن أربعة من كل خمسة مواطنين في الولايات المتحدة يدعمون إسرائيل وليس حماس.. وهذا يمنحنا قوة إضافية لمواصلة الحملة حتى النصر الكامل." وفق "يديعوت احرونوت".
ورغم أن نتنياهو ذكر فيما كتب، أن الرأي العام الأميركي مع إسرائيل وضد حماس، لكنه أسقط عن عمد فيما كتب، إن الرأي العام الأميركي وفق العديد من استطلاعات الرأي الأميركية يميز بين الشعب الفلسطيني عموما وحركة حماس، وغالبيته العظمى مع وقف حرب الإبادة الجماعية، ويرفض سياسات بايدن وادارته في دعمها الأعمى لإسرائيل. 


وكأن رئيس حكومة الحرب شاء لي ذراع رئيس الولايات المتحدة، ويرفض رؤيته للهدن المؤقتة، وللاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعزز موقفه بالحصول على قرار من الكنيست بأغلبية 99 صوتًا مقابل 9 أصوات ضد لصالح عدم الاعتراف الأميركي والاوروبي بالدولة الفلسطينية، ويصر على مواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني "حتى النصر"، الذي وفق المعطيات الماثلة في الواقع بعيد المنال. رغم الإبادة الجماعية للأطفال والنساء والشيوخ بنسة 70% من ضحايا الحرب الوحشية وغير المسبوقة في التاريخ، التاي فاقت ال100 الف مواطن بين شهيد وجريح ومفقود.
وهذا التناقض كما ذكرت ليس جديدا بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، وإنما هو قديم منذ عهد ولاية إدارة الرئيس باراك أوباما الأسبق، حيث رفض استقبال الرئيس الصهيوني الحالي وفق ما عرف نفسه، عندما كان نائبًا للرئيس عام 2016. وبالضرورة سيكون لهذا الاختلاف أثارًا سلبية على نتنياهو وفريقه الفاشي الحاكم، حيث تنوي الإدارة فرض عقوبات على بن غفير وسموتيرش وإضرابهم لاحقًا، وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر القادم، وقادم الأيام كفيل بالجواب.